عودة الاحتوائية الشاريتية الكسينجرية والكيفونيمية

middle-east-divided

موقع إنباء الإخباري ـ
مروان سوداح*:
هل باتَ تقسيم العراق قاب قوسين أو أدنى؟.. وهل سيتحوّل العراق الى لبنان طائفي ومذهبي جديد.. وهل سنشهد تقسيماً لدول المنطقة على طريقة جديدة قد يُصبح تسميته “عرقنة” للشرق الأوسط “الجديد”، عودة على المخطط القديم للاحتواء المتبادل الكيسينجري، الذي طبّقه الثعلب وإدارته خلال الحرب الضروس العراقية الايرانية وخلالها؟.. أسئلة كثيرة لا نملك جواباً عليها، لكننا نحذّر مِن تبِعات القادم وثعلبية المَرسوم، وضرورة متابعة التاريخ ولزوم الوحدة فوق كل الاختلافات والخلافات، ليُنقِذ العقلاء كل ما يمكن إنقاذه.
في الأنباء المتواترة، أن الولايات المتحدة، أعني إدارة اوباما، تجري مباحثات حثيثة وحميمة مع جهات في المنطقة تُجَمّل لها تقسيم العراق الى دويلات طائفية ومذهبية، وتطلب نيل رضاها مقابل تفاهمات ما، برغم ان ذلك سيؤدي في غير نهاية المطاف الى تكسّر الدول الكبيرة في الشرق الاوسط، وقيام دويلات في شظاياها الكثيرة.  وفي التاريخ نقرأ، ان العراق بالذات هو الذي يرسم توازنات المنطقة العربية الآسيوية وجوارها منذ مطلع الحضارة، وهو الذي يرسم كذلك التوازنات النهائية للحرب الدائرة في المنطقة منذ مطلع القرن الحالي، برغم محاولات أطراف ما تصوير كل ما يجري كأجزاء منفصلة لها أسبابها الخاصة و.. الموضوعية، بينما لا تبدو الخصوصية إلا بصفتها الشروط والظروف التي استند إليها أصحاب قرار الحرب في كل الساحات لإيجاد مناخ مؤات لحروبهم.

طهران كذّبت التصريحات الامريكية حول محادثات مع واشنطن بشأن العراق، بينما الدول الاخرى لم تطلق للآن أية تصريحات في هذا الإتجاه. وفي الموقف الامريكي نستكشف ان الهجوم الجديد كان مباغتاً على المصالح الامريكية في العراق، وقد طالتها على حين غرّة، فسارعت امريكا الى ترحيل رعاياها من العراق، كذلك فعلت المنظمات الدولية وبعض الهيئات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء البغدادية. لكن كل ذلك لا يعني ان الادارة لم تقدم الدعم المتعدد الاشكال لبعض الاجنحة المتطرفة على الساحة العراقية، ولا يعني ان لا علاقات لديها مع منظمات الارهاب في العراق كما في سورية، فالمصالح تفرض العلاقات والدعم، والاحتواء والتوجيه مطلوب بشدة في رؤى الدول وإستراتيجياتها.

خطر داعش ونهجها التكفيري الفالت وغيرها من القوى، وأُخصّص هنا وأُحدّد، فَرَضَ على بعض حكومات المنطقة المسارعة الى إجراء إصلاح دستوري وتجميل قانوني وقيمي اجتماعي. وفي الانعكاسات البوتينية المباشرة على الشرق الاوسط، فإن مطالبته بالفيديرالية لأوكرانيا كمخرج هو الأنسب والأكثر واقعية لإنتشالها لها من أزمتها الحالية، يُشكّل أرقاً وهاجساً يومياً لبعض دول المنطقة الأوسطية، ويَفرض عليها ممارسة مقايضة بين الحالتين العراقية والأوكرانية. وفي وسائل الاعلام السعودية نقرأ كيف أن الإعلام السعودي الممول رسمياً يَصف ما يجري في العراق بالانتفاضة العراقية، وهو طرح قد يُلمس منه موافقة على تقسيم العراق، كحلٍ سريع وأولي ومانع للمتواليات التقسيمية في المنطقة والهجوم الشامل المرتقب عليها، وليقف سداً بوجه تصديرها الى الدواخل الوطنية لبعض الدول الاقليمية الكبيرة، تكسب منه دول إقليمية ما لجهة تبعية كيانات مقسّمة إليها، بخاصّة لأن لا حول ولا قوة لديها.
وفي الحقيقة، فإن “الهجوم الشامل” على المنطقة قد بدأ، وهو الى جانب المناطق المُحترّة حالياً كأوكرانيا، يشكّل حرباً عالمية ثالثة بكل تكامل عناصرها العسكرية والاقتصادية والاعلامية وآلياتها الدولية والاقليمية والمحلية، لذا تغض في إطارها الاطراف الاوروبية الغربية أنظارها عن المجازر ونيّات التوسع القاري والاقليمي، ويستحيل تفريغ شحنات الحرب من كمائنها بغير الدعوات الهادئة الى تمكين الأعصاب الباردة للسلام وقفزات التراجع عن المشاركة في حرب مباشرة مدوية.
في اخطار مجريات الحرب العراقية الراهنة، سعياً الى تطبيق السيناريو الشاريتي والكيفونيمي مستقبلاً، وهي مخططات “أصيلة” لموسى شاريت “التاريخي” ووثيقة كيفونيم المُقرّة إسرائيلياً في 13 حزيران 1982، لتقسيم 19 دولة عربية على ارضيات طائفية ومذهبية وقومية، بحيث تذر الرياح شعوب المنطقة العربية وربما الإسلامية ذرّاً في جميع الإتجاهات بلا استثناء. وتتكئ الخطط، وهي أكثر من خطتين إثنتين، على نظرية “الإحتواء المتبادل الكيسنجرية” الصهيوأمريكية، مُوَظِّفَةً أيادٍ عربية وإسلامية ومسيحية كذلك يَطرحها أصحاب خدمة المسيحيين في جيش العدو الصهيوني، فيكون الصراع عربياً وإسلامياً ومسيحياً بدون تدخّل عسكري أمريكي مباشر، والرغبة هي إحتواء المنطقة، وإحتواء القوى العراقية “الجديدة” وبضربة واحدة لإيران وسورية، والبلدان الثلاثة لبعضهم بعضاً.
والقوى “الجديدة” المتصارعة حالياً على الساحة العراقية، تتفق بكليتها على النيل من النظام الايراني لأسباب شتى، وتدعو الى الحرب عليه والانتقام منه، وفي هذا فرصة ذهبية للإدارة الامريكية لصب المزيد من الزيت على نار المتقاتلين العراقيين وتشجيع المرتزقة الاجانب لإطالة أمد ولهيب الحرب العراقية العراقية، واستعداء أصحاب المذاهب المختلفة على بعضهم بعضاً، وهو ما قد يؤدي الى إعلان شمال العراق لاستقلاله هرباً من أتون مجزرة مدمّرة مٌقبلةً تلوح كوالِحُها في الأُفق، فتدنو بدايات تفريخ دويلات طائفية ومذهبية وقومية في الجغرافيا السياسية العراقية، وعَرقنة العراق، تمهيداً للبننة وعرقنة المنطقة وبلقنتها برمتها، وبضمنها سورية وفلسطين، وليس بعيداً الاردن كذلك. فالمخطط لن يستثني حَيَوَةً مِن حَمأة نارِهِ الوقّادةِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.