فراغ بعبدا بين اسوار كييف وشرق الفرات

جريدة البناء اللبنانية-

خضر رسلان:

مع حلول تشرين الأول من العام 2015 أرسلت الولايات المتحدة دون إذن الدولة السورية أول دفعة من جنودها من القوات الخاصة بصفتهم مستشارين في أول تواجد على الأرض منذ بدء الحرب السورية، واستمرت في تعزيز وجودها العسكري بشكل متواصل تنفيذاً لمخطط مرسوم يتخذ من الموقع الجيوسياسي لسورية كعنصر قوة اضافي يساعدها في المسعى الأهمّ عندها ألا وهو السيادة القطبية الأحادية للعالم التي لا تريد لأحد أن يشاركها فيها.
أهداف استمرار التواجد الأميركي في سورية:
تركز الانتشار الأميركي في منطقة المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي في منفذ التنف الحدودي وهو معبر ذو أهمية كبيرة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية. وبالرغم من التأثير الكبير للوجود الأميركي في الشمال السوري والذي يزيد من مفاعيل الضغوطات الاقتصادية والحصار على الشعب السوري المعطوف على القرصنة العلنية المخالفة للقوانين الدولية التي تمارسها سواء من خلال وضع يدها على مصادر الطاقة الرئيسية للدولة السورية أو من خلال الدور التي تؤدّيه قواعدها العسكرية في دعم القوات الكردية والفصائل المسلحة المناوئة للدولة السورية، فإنّ الأهداف الاميركية ما قبل الحرب الاوكرانية كانت تتعدى ذلك الى ما هو أهم وأبعد ويتلخص بالتالي:
أ ـ منع إيران من إنشاء خط تواصل برّي عبر الأراضي العراقية إلى سورية ولبنان وفلسطين لحرمانها من خط الإمداد لقوى محور المقاومة التي تشكل تهديداً وجودياً للكيان الاسرائيلي الغاصب.
ب ـ العمل على فرملة اتساع النفوذ الروسي وخلق حالة من التوازن العسكري بعد إقامة روسيا قاعدة جوية لها في محافظة اللاذقية فضلا عن تواجدها الدائم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط كحال محافظة طرطوس على الساحل السوري.
هذان العاملان الى جانب ثابتة الحفاظ على التفوق الاسرائيلي في الاقليم كانا قطب الرحى في سياستها الاستراتيجية في ما يسمّى الشرق الأوسط، إلا أنّ المتغيّر الجديد هو احتدام المواجهة القطبية على الأرض الأوكرانية حيث تجهد الولايات المتحدة بكلّ الوسائل الى منع التنين الصيني والقيصر الروسي من تحقيق أهدافهما الرامية الى إسقاط أميركا عن عرشها الأحادي إلى عالم متعدد الاقطاب.
مسبّبات ثلاثة تحدث عنها العديد من المراقبين تجعل حدوث مواجهة كبرى في الشمال السوري أمراً مرجحاً ويكاد يكون حتمياً ومردّ ذلك الى التأثيرات السلبية التي يؤديها الاحتلال الأميركي لهذه المنطقة على الواقع المحلي والاقليمي والدولي:
1 ـ التأثيرات المحلية
مصادر مطلعة اعتبرت انّ إشارة سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في هذا التوقيت الى اقترافات الولايات المتحدة الأميركية بحق الشعب السوري وتالياً اللبناني، سواء عبر سرقة النفط والغاز السوري أو عبر ما يترتب جراء عقوبات قانون قيصر الجائر الذي يرتدّ كوارث اجتماعية واقتصادية خانقة تصيب الشعب في سورية ولبنان لهو آمر له دلالات لافتة نظراً لما يمثله قائد المقاومة في لبنان من تأثير وموقعية، ما ترك لدى هذه المصادر انطباعاً يستبعد أن تكون إشارة أمين عام حزب الله في سياق تذكير الناس بالارتكابات التي تقترفها الولايات المتحدة بحقّ شعوب المنطقة، بل الأمر يتعدّى ذلك الى ما هو أبعد، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن للقوى التي ضاقت ذرعاً من القرصنة والحصار والاستباحة الأميركية للشمال السوري ان تبقى لا تحرك ساكنا؟
2 ـ التأثيرات الإقليمية
يظهر جليّاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي تقود الأنشطة المعادية وترعاها وتشارك في تغطية الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سورية، بهدف إعادة بثّ الفوضى على عموم مساحة الخريطة الجغرافيّة السوريّة، وقلب الطاولة في وجه المساعي الرامية إلى عقد تسويات تفضي الى إنهاء وجود المجموعات المسلحة وتكون «قسد» في الشرق أبرز ضحاياها، ومن هذا المنطلق عملت أيضاً على فرملة الانفتاح الدبلوماسي المستجدّ بين دمشق وعواصم عربية وإقليمية، بهدف إبقاء منسوب التوتر والقلق سائدين في عموم الإقليم ليكون عامل ضغط يستفاد منه عند نضوج اي تسوية كبرى في المستقبل.
3 ـ التأثيرات الدولية
من نافل القول انّ الوجود الأميركي الذي هو على تماس مع القوات الروسية في سورية لا سيما في المناطق الشمالية قد تبدّلت وجهته وتحدياته بعد نشوب الحرب في أوكرانيا وقد أبطلت مجرياتها قواعد الاشتباك الأميركي الروسي التي كانت تأخذ طابعاً محلياً الى أشكال أخرى ومختلفة حيث أشارت العديد من المصادر القريبة من مراكز القرار الروسي انه في ظلّ ارتفاع منسوب المواجهة بين الناتو والقوات الروسية على أرض أوكرانيا ونظراً للسلوك الأميركي المعادي والمستمر فإنه من غير المستبعد أن تعمد القوات الروسية بالتنسيق مع قوى المقاومة الى إنهاك واستنزاف القوات الأميركية لإجبارها في أن تنهي وجودها على الاراضي السورية.
كل المؤشرات تشير الى انّ الأولوية الحصرية لدى الدولة العميقة في أميركا هي تثبيت الأحادية القطبية من دون ايّ منازع، وهذا الأمر تحدّده مسارات الحرب في أوكرانيا، وحيث انّ القوى المتصارعة من شرق أوكرانيا الى شرق الفرات تكاد تكون واحدة فانّ الإدارة الأميركية ومراكز القرار فيها مجمعون على ضرورة عدم دعم أيّ تسويات سواء أكانت محلية كحال الانتخابات الرئاسية اللبنانية أو إقليمية من قبيل وضع العصي في دواليب انفتاح بعض الدول على سورية، والهدف من كل ذلك إبقاء عوامل القلق وعدم الاستقرار في مجمل الإقليم ريثما تتضح مآلات المواجهة الروسية وحلف الناتو في أوكرانيا.
مصادر مطلعة أشارت الى انّ تداخل العوامل الثلاثة المحلية وعنوانها سرقة النفط والغاز والإقليمية وأبرز مصادقيها إعادة ربط الخطوط بين دول المنطقة والدولية وهي احتدام المواجهة الروسية الأميركية، كلّ ذلك يجعل إمكانية صعود اللهب من الشمال السوري أمراً وارداً بقوة، وانّ مبادرة قوى محور المقاومة وحلفائهم الروس الى استنزاف القوات الأميركية في سبيل تغيير الواقع الموجود امر راجح ولا يبدو انه سيكون بعيداً.
في الختام يبدو جلياً انّ ملفات المنطقة الممتدّة من اليمن الى لبنان وصولاً الى كييف متداخلة بشكل كامل وان القرار الأميركي ترك كلّ الجبهات قلقة وغير مستقرة حتى جلاء صورة الحرب الكونية التي تقودها على روسيا في أوكرانيا، وحيث انّ خيوط التسويات من المستبعد ان تنسج في ظلّ هذا الواقع الاقليمي والدولي المعقد وهذا يجعل الطريق الى قصر بعبدا غير معبّدة وموصدة الى أجل غير محدّد إلا إذا توافق اللبنانيون في ما بينهم على إنجاز استحقاقاتهم الداخلية ومنها رئاسة الجمهورية بعيداً عن الركون للإملاءات الخارجية وهذا الأمر يحتاج إلى قيادات وطنية تملك زمام أمرها… فهل من يسمع؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.