لماذا تصاعد القلق الأميركي من استفحال ازمة الكيان وتآكل قوته الردعية أمام المقاومة…

جريدة البناء اللبنانية-

حسن حردان:

ليس خافياً على المراقبين والمحللين انّ قوة الكيان الصهيوني مستمدّة من قوة الامبراطورية الأميركية، أقوى دولة في العالم، التي كانت ولا تزال تمدّ هذا الكيان بكلّ عناصر القوة التي مكنته من تثبيت وجوده الاحتلالي وتحقيق مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإجلائي في فلسطين المحتلة، حتى أنّ هذا الدعم الأميركي بات بمثابة المصل بالنسبة للكيان لا يستطيع الاستغناء عنه إلا في حالة تحوّله إلى دولة طبيعية في المنطقة معترف بها وقادرة ذاتياً على تحقيق استقرارها الاقتصادي والأمني ومستوى الرفاهية الذي يعيش فيه المستوطنون الصهاينة بفضل الدعم الأميركي… ولهذا فإنّ ظهور مؤشرات ضعف وتراجع قوة ونفوذ الإمبراطورية الأميركية، بات يقلق قادة الكيان ويدق جرس الإنذار لديهم، لسببين:
السبب الأول، ان حلم تحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية في المنطقة، لم يتحقق رغم التطبيع مع بعض الحكومات العربية.. حيث لا يزال الكيان بحاجة ماسة إلى المصل الأميركي..
السبب الثاني، تنامي قوة قوى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة، وفي عموم المنطقة، كمّاً ونوعاً، ونجاحها في فرض معادلات الردع في الصراع مع جيش الاحتلال، وتحوّلها إلى خطر داهم يهدّد وجود الكيان الاحتلالي.. وليس أدلّ على تنامي قوة قوى المقاومة من التطورات في جنوب لبنان، والتي تؤشر الى التحوّل النوعي الحاصل في قوة المقاومة وانتقالها إلى فرض الوقائع على الأرض والاستعداد للعبور إلى الجليل المحتلّ لتحريره في ايّ معركة مقبلة مع العدو، وكذلك تطوّر أداء المقاومة في الضفة الغربية، واتساعها، لا سيما بعد صمود المقاومة في مخيم جنين في مواجهة هجوم جيش الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه…
في المقابل فإنّ ظهور وتزايد علامات ضعف قوة الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد اندلاع الأزمة العاصفة في قلب الكيان والتي تهدّد بتمزيقه وتفككه، والتسبّب بحرب داخلية تقضي على أمنه واستقراره، وتنامي جرأة المقاومة في جنوب لبنان في تحدّي جيش الاحتلال وإضعاف هيبته ومعنويات ضباطه وجنوده والمستوطنين الصهاينة، أنّ ظهور علامات ضعف الكيان، على ضوء هذه الوقائع، أصبح بدوره يقلق دوائر صنع القرار في واشنطن، بل انه يدقّ جرس الإنذار لديهم من خطر حقيقي يتهدّد بتداعي وانهيار الكيان كمرتكز أساسي للسيطرة والهيمنة الأميركية في قلب الوطن العربي الذي يشكل بثرواته النفطية والغازية وموقعه الجغرافي سبباً للأطماع الأميركية الغربية، ولهذا تحركت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على الرغم من خلافها الحادّ مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحلفائه من الأحزاب الدينية المتشددة، تحركت لأجل العمل لتجنيب الكيان الانزلاق إلى الهاوية، من خلال العمل على خطين:
الخط الأول، تنشيط اتصالاتها على جبهتي المعارضة والحكم في كيان العدو بغية إيجاد حلّ أو تسوية تنقذ كيانهم من خطر التفكك والحرب الأهلية والانهيار..
الخط الثاني، تهدئة الوضع في جنوب لبنان، والحيوية دون أيّ تصعيد يؤدّي إلى حرب ليست لمصلحة الكيان وأميركا في هذه الظروف، عبر حركة دبلوماسية أميركية وبواسطة الأمم المتحدة تحت عنوان ترسيم الحدود البرية، على غرار ما حصل مؤخراً من ترسيم للحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة…
غير انّ ردّ المقاومة جاء سريعاً على لسان سيدها، بأنّ الحدود مع فلسطين المحتلة لا تحتاج الى ترسيم، لأنها مرسمة ومعروفة منذ عام 1923، وما هو مطلوب ان ينسحب جيش الاحتلال من كلّ المناطق اللبنانية التي يحتلها إلى خلف هذه الحدود.. وهو الأمر الذي يرفضه كيان العدو.. لما لذلك من تداعيات سلبية على الاحتلال، وإيجابية على جبهة المقاومة..
على انّ المقاومة التي باتت تدرك حجم مأزق الكيان نتيجة ازدياد تآكل قوته الردعية، وتفاقم أزمته الداخلية، قرّرت منذ فترة وجيزة، إقلاق راحة العدو، والتلاعب بأعصابه ومعنويات جيشه ومستوطنيه، من خلال سلسلة التحركات التي تظهر ضعف جيش الاحتلال وتآكل قوته الردعية وارتباك قادته من ناحية، وتؤكد تنامي قوة الردع لدى المقاومة وانتقالها إلى وضع استراتيجيتها الهجومية موضع التنفيذ العملي من ناحية ثانية، وذلك من خلال الخطوات التالية:
ـ مناورة وحدة الرضوان بالذخيرة الحية في عرمتى، والتي شكلت محاكاة لعملية العبور إلى الجليل المحتلّ…
ـ نصب خيمتين، واحدة داخل الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا، وأخرى في محاذاتها في المناطق المحررة، وعدم تجرّؤ كيان العدو على القيام بمحاولة إزالتهما، ولجوئه إلى الدبلوماسية عبر الأمم المتحدة وواشنطن لمعالجة الأمر لأنه لا يريد مواجهة مع المقاومة.
ـ إقدام رجال المقاومة على نزع كاميرات العدو التي وضعها على السياج الذي أقامه على الأراضي اللبنانية المحتلة.
ـ نشر إعلام المقاومة فيديو لعملية قامت بها وحدة الرضوان في المقاومة، تحاكي فيها اقتحام موقع لقوات النخبة في جيش الاحتلال، وفرض سيطرتها عليه بعد تحريره خلال دقائق معدودة.
ـ أخيراً قيام إعلام العدو بنشر فيديو يظهر فيه رجال المقاومة يقومون بدورية على الحدود وهم بكامل أسلحتهم…
من هنا يبدو من الواضح أنّ زمام المبادرة في الصراع مع الاحتلال بات بيد المقاومة، مما دفع معهد واشنطن الى القول انّ حزب الله يمارس سياسة حافة الهاوية، الأمر الذي جعل قادة العدو في حالة ردّ الفعل والارتباك، والذي يزيد منها ويفاقمها أزمة الكيان الداخلية التي باتت تقضّ مضاجع أربابه في واشنطن، الذين أصبحوا قلقين على الكيان المصطنع الذي أقيم بدعم الغرب، من التفكك والانهيار من الداخل، في ظلّ مقاومة باتت تملك من القوة والجاهزية والاستعداد لتحقيق النقلة النوعية والتاريخية في العبور إلى فلسطين المحتلة انطلاقاً من الجليل المحتلّ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.