لهذه الأسباب حزب الله تجاوز نصف الطريق في ربح المعركة مع «التكفيريين»؟

da7yeh-security-2

صحيفة الديار اللبنانية –
ابراهيم ناصرالدين :

اذا كان السؤال ماذا يفعل حزب الله لمواجهة الانتحاريين التكفيريين على الساحة اللبنانية، فان هذا السؤال لن يجيب عليه أحد لا داخل الحزب ولا في الدائرة المحيطة به، ومن السذاجة ان ينتظر احد قيام الحزب بتقديم شروحات او ايحاءات للذين يتساءلون عن «حب» أو عن «خبث» لماذا تأخر الرد؟ وما الذي ينتظره حزب الله لكي يتحرك؟ ولكن من قال ان الحزب لا يرد ولا يتحرك؟ وهل هناك من يظن انه يقف مكتوف اليدين ازاء مواجهة هذه القوة «الظلامية»؟ وهل ثمة من يشك ان لدى الحزب قدرات تؤهله لمواجهة هذا الخطر الداهم؟

اوساط مطلعة على «العقلية» التي يدير بها الحزب حروبه تشير الى ان ثمة من ينسى في غمرة لحظات القلق أن ما يحصل الان حرب من نوع آخر تحتاج الى الكثير من الجهد والوقت لكي تظهر نتائجها على أرض الواقع. وثمة من يتجاهل ان المجموعات التكفيرية ومن معها لا تخوض مواجهة «شريفة» مع عدو اعتاد على القتال «بشرف» حتى مع اسرائيل. وجل ما تفعله هذه المجموعات هو قتل المدنيين مجانا في حرب هي اكثر الحروب انحطاطا في تاريخ البشرية.

واذا كانت معايير الربح والخسارة تتحدد بالاهداف المرسومة للحرب ومدى تحقيق العدو لتلك الاهداف فانه يمكن دون اي تردد الاعلان عن انتصار حزب الله تقول الاوساط في هذه الحرب التي تهدف الى ارهاب «بيئة المقاومة» ودفعها «للثورة» على الحزب وقيادته، لكن النتائج كانت عكسية تماما، ومن يقترب من تلك البيئة «القلقة» يدرك ان اسباب هذا «الارتياب» المبرر انسانيا، لم يتحول في اي لحظة الى غضب او لوم لحزب الله على خياراته اللبنانية او السورية، لكن الغضب الموجود في الاوساط الشعبية سببه احجام حزب الله حتى الان عن استخدام قدراته الفعلية في الداخل لضرب اوكار تلك المجموعات، وثمة حالة متقدمة لدى بيئة المقاومة تريد اليوم قبل الغد من الحزب ان يكون اكثر شراسة في مواجهة هذا التحدي الجديد.

طبعا الخلاف هنا بين البيئة الحاضنة والحزب هو على الاسلوب وليس على المبادىء، لكن من قال ان حزب الله ليس شرسا في المواجهات التي يخوضها؟ واذا كان جمهور المقاومة قد تعود على قيام حزب باستعراض انجازاته الامنية والعسكرية مع اسرائيل، فعليه ان يدرك الآن ان طبيعة الحرب الدائرة اليوم مختلفة على كل المستويات وتحتاج الى ادارة مختلفة على المستوى الامني خصوصا ان هذا النوع من الحروب «طبق» لا يؤكل الا «باردا».

وتلفت تلك الاوساط الى ان حجم الضغوط على حزب الله راهنا ليست بالامر الهين خصوصا ان «اشرف الناس» بالنسبة الى الحزب هم خط احمر لم يسمح لاسرائيل بتجاوزه، لكن هذا الامر لن يدفع الحزب الى الوقوع في فخ «التسرع» والعمل بخطوات عشوائية نتيجة ردود انفعالية او هوجاء، فهناك خطط موضوعة ومرسومة ويجري العمل عليها وفق اجندة واضحة ستؤدي في نهاية المطاف الى تدفيع المتورطين بالتخطيط والتنفيذ اثمانا باهظة لا طائل لهم على تحملها، لكن هذا الامر يحتاج الى وقت وجهد استثنائي لان المواجهة ليست مع مجموعة هواة تريد «الانتقام» من حزب الله وانما مع متمرسين مدعومين من اجهزة استخبارات اقليمية ودولية تسهل لهم الكثير من المهمات اللوجستية.

وتشير تلك الاوساط الى ان حزب الله يعرف جيدا ان تجفيف هذا الارهاب ليس بالمهمة السهلة ولكن الحد من خسائره وتجفيف منابعه الرئيسية ليس مستحيلا، ولذلك ثمة معركتين متوازيتين يتم العمل عليهما، الاولى عسكرية، ويتم الحديث عنها «بخجل» لاسباب باتت معروفة، والاخرى أمنية، وهذه لا يمكن الحديث عنها، لكن بعض الاسئلة الحائرة قد تشفي «غليل» المتعطشين للاجوبة. ومنها مثلا هل لدى احد ما الرواية الكاملة عن كيفية اغتيال عمر الاطرش على الحدود السورية اللبنانية؟ وهل لدى احد اجوبة محددة عن طبيعة المعلومات التي قادت الى اعتقال الشيخ عمر الاطرش وجمال دفتردار وماجد الماجد؟ وعن كيفية الوصول اليه واعتقاله؟ وهل ثمة من يملك اجابات واضحة عن عدد العمليات الارهابية التي تم احباطها في مهدها؟ وهل ثمة معطيات واضحة عن رواية توقيف سيارة البويك المحملة بنحو 450كيلوغراما من المواد المتفجرة في البقاع؟ وهل من يملك أرقاما محددة لعدد الشخصيات المطاردة التي تتحسس راسها كل يوم وهي تعرف انها باتت مكشوفة وملاحقة وهي تبحث اليوم عن اماكن للتواري وبعضها يبحث عن تسويات؟ وهل من يملك اجابات محددة عن حجم الاختراقات التي تم تحقيقها داخل تلك المجموعات؟ وهل من يملك تصورا عن مستوى التعاون الامني الرفيع المستوى بين استخبارات الجيش وامن المقاومة، وحجم الانجازات المحققة حتى اليوم نتيجة هذا «التكامل» بين الجانبين؟ اسئلة هي غيض من فيض سيضاف اليها في الايام والاسابيع المقبلة دفعة جديدة، لا يعرف اجوبتها الا من يتلمس نتائجها بعيدا عن الاضواء، ولكن بامكان جمهور المقاومة ان يتخذ من «الصراخ العالي» لبعض الشخصيات «والمتوترة» مقياسا لمدى النجاحات المحققة على هذا المستوى.

هذا الصراع البعيد عن «الانظار» تضيف الاوساط لا يخفي طبيعة المعركة الحقيقية الدائرة اليوم، وهي ترتبط بحجم الانجاز المحقق والذي يغيب عن بال البعض، ومن خانته الذاكرة عليه ان يدرك ان حزب الله قد تجاوز منتصف الطريق في حربه على تلك المجموعات عندما اسقط مشروعها لاقامة «امارة اسلامية» انطلاقا من «بوابة» القصير السورية، فهذه الحرب الاستباقية اجهزت على المشروع الرئيسي الذي كان يفترض ان ينتقل الى لبنان بكامل تفاصيله الجاهزة وبقوة تتجاوز مخيلة بعض من يردد «كالببغاء» ان حزب الله يتحمل مسؤولية انتقال الارهاب الى لبنان، ولذلك فان ثمة معركة يصر حزب الله على انهائها في سوريا، وقد بدأ فعليا تنفيذ المرحلة النهائية والحاسمة للمعركة لأقفال ملف «الملاذ» الآمن لهؤلاء في الاراضي السورية بدءا من يبرود وانتهاء في الزبداني يضاف اليها ما تبقى من مساحات محاذية لمناطق عكار. وهذا في استراتيجية الحزب يوفر عليه خوض معركة قاسية لا يريدها على الاراضي اللبنانية مع بعض البؤر الامنية التي ستختنق بعد قطع «الاوكسيجين» عنها. لكن هل من ضمانة لعدم انتقال المواجهة المباشرة الى الاراضي اللبنانية؟

الجواب هو نعم تقول الاوساط، اذا كان السؤال يرتبط برغبة الحزب في نقل المعركة الى لبنان، ولكن ليس هناك اي ضمانة فعلية بعدم اقدام المجموعات «التكفيرية» على توسيع رقعة عملياتها على الاراضي اللبنانية، خصوصا انها باتت تشعر بان الخناق قد بدأ يضيق عليها، وهنا تكمن مخاطر جدية من اقدام هؤلاء على خطوات «انتحارية» تقودهم الى مواجهات مباشرة مع الجيش اللبناني في اربع نقاط ساخنة هي عرسال، ومخيم عين الحلوة، وطرابلس، ومنطقة الطريق الجديدة، وثمة محاولات «مشبوهة» حصلت خلال الايام القليلة الماضية تمثلت في تكرار عمليات رمي القنابل الصوتية في مناطق مختلفة في بيروت وهي تشبه سيناريوهات سابقة حصلت في الشمال وكانت مقدمة لمواجهات واسعة.

طبعا هذه السيناريوهات لا تغيب عن بال قيادة حزب الله تضيف الاوساط وهي تدرك طبيعة المخاطر المحدقة، ثمة تجربة سابقة نجحت فيها المقاومة في مفاجأة خصومها عندما ظنوا انهم يعدون لها المفاجأة في السابع من ايار، وان كانت الظروف مختلفة راهنا، لكن ثمة قناعة يجب ان يدركها الجميع بان هناك حرب فعلية تخاض على مستوى المنطقة ولبنان «تفصيل» صغير فيها، واذا كان الحزب ينتصر هناك فلا بد ان ينتصرهنا، واذا كان جمهور المقاومة مقتنع بهذه النتائج لكنه يحب ان يسمع هذا الكلام من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المقررة اطلالته في السادس عشر من الجاري، الا اذا اضطرته الاحداث الى اطلالة مبكرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.