متى تتعافى القارة السمراء من داء الانقلابات؟

صحيفة البعث السورية-

هيفاء علي:

كانت القارة السمراء، الأسبوع الماضي، على موعد مع انقلاب جديد، لكن هذه المرة في النيجر غربي أفريقيا، إذ احتجز جنود من الحرس الرئاسي رئيس البلاد محمد بازوم داخل القصر في العاصمة النيجرية نيامي، ومنعوا الوصول إلى المقرّات الوزارية، ومهّدت هذه الخطوة لإعلان مجموعة من العسكريين عزل أول رئيس يحكم البلاد دون انقلاب.

وشهدت النيجر أول انتقال سلمي للسلطة بتولي محمد بازوم الرئاسة عام 2021 بعد فوزه بالانتخابات، كونها تواجه كغيرها من الدول الأفريقية شبح الانقلابات منذ استقلالها عن فرنسا بحدوث 4 انقلابات ناجحة مقابل العشرات من محاولات الانقلاب الفاشلة، التي كان آخرها في آذار من العام الجاري.

وعلى مدى العقود الماضية، اتخذت القارة الأفريقية طابع عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وتمثل ذلك بأعداد الانقلابات التي وقعت في دولها الـ49، لأسباب عديدة ومختلفة.

مع حلول عام 1975، كانت دول القارة الأفريقية قد حصلت على استقلالها وتستعدّ لمرحلة جديدة، محمّلة بآمال العيش بنعيم الديمقراطية والانتفاع من موارد أراضيها الخصبة الممتدة، لكن طموحات الشعب اصطدمت بإرادة السلطات الحاكمة والعسكر المسيطرين على مصير غالبية بلدان القارة.

وحافظت أفريقيا على موقعها المتدني في سلَّم النهوض الاقتصادي، ويمكن تلخيص سبب ذلك بعاملَين أولهما سوء إدارة النخب الوطنية الأفريقية الحاكمة للفائض الاقتصادي، والثاني يتمثل في عمليات السلب والنهب التي تقوم بها القوى الدولية لموارد أفريقيا وثرواتها الطبيعية.

لكن من الواضح أن مرور السنوات لم يغيّر من واقع أفريقيا المتأزم شيئاً، وانعكس ذلك على أعداد الانقلابات في بلدان القارة، إذ شهدت بين عامي 1960 و1990 أكثر من 200 انقلاب، بمتوسط بلغ نحو 4 محاولات سنويّاً، ورغم انخفاض وتيرتها في الألفية إلا أنها استمرت بواقع محاولتَين كل عام، تراوحت بين محاولات ناجحة وفاشلة.

كما شهدت القارة الأفريقية 6 انقلابات ناجحة في فترة 2001-2010، وهو العدد ذاته الذي سُجّل فترة 2011-2020، فيما ضربت المنطقة خلال عام 2022 وحده 4 انقلابات، اثنان منها في دولة واحدة هي بوركينا فاسو في كانون الثاني وأيلول.

وكانت السلطة في عام 1980 بيد المؤسّسة العسكرية في 43 دولة أفريقية، أما التقديرات الأخيرة فتشير إلى أن 18 رئيس دولة من قادة الدول الأفريقية الحاليين عسكريون أساساً، أو وصلوا إلى الحكم جراء حركات التمرد، لتتحول ظاهرة الانقلابات العسكرية إلى وباء مستشرٍ في أنحاء القارة الأفريقية، وباتت جغرافيا القارة السمراء بؤرة للنزاعات السياسية والإرهاب.

وخلصت دراسة أجراها مركز “إنترريجونال” للتحليلات الاستراتيجية إلى 4 أسباب تقف وراء هذه الظاهرة المتنامية، والتي تواصل زعزعة الحكم والاستقرار في أفريقيا:

أولاً- تدهور الأحوال الأمنية وهشاشة الدول الأفريقية، حيث صنّف تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على أنها واحدة من بؤر التطرف العنيف الجديدة على مستوى العالم. وفي عام 2021 سجّل 34% من قتلى الإرهاب حول العالم في هذه الدول، بينما استنزفت النزاعات المسلحة 20 دولة أفريقية بينها النيجر وجنوب السودان وبوركينا فاسو وغيرها، وتأتي 11 دولة أفريقية ضمن الدول الأكثر هشاشة في العالم التي تشهد صراعاً عنيفاً أو حرباً أهلية، راح ضحيتها ملايين الأشخاص.
ثانياً- المعاناة من تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية: رغم مواردها الغنية والهائلة، حيث يعاني غالبية سكان القارة فقراً مدقعاً، أظهر تقييم للأمم المتحدة صادر في أيار أن نحو 350 مليوناً من أبناء القارة الأفريقية يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعيش أكثر من 55% من سكانها تحت خط الفقر، فيما يشير تقرير أممي إلى أن الفقر كان عاملاً رئيسياً في انضمام الأفراد إلى الجماعات المتطرفة في أفريقيا جنوب الصحراء.
ثالثاً- الافتقار للحكم الرشيد، حيث يغلب على الأنظمة الحاكمة في الدول الأفريقية طابع الاستبداد، إذ تتخذ من نظام الحكم الشخصي مبدأ لها، وتمارس القمع والعنف للوصول إلى أهدافها، إذ تعدّ مسؤولة عن 75% من النزاعات التي تحدث في القارة.
رابعاً- هو دور القوى الخارجية في تفشي ظاهرة الانقلابات بالقارة، إذ تدعم هذه القوى بعض الانقلابات في دول أفريقية خدمةً لمصالحها.
وفي محاولة لمواجهة هذا الداء، قرّرت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، أواخر العام المنصرم، إنشاء قوة إقليمية مشتركة وظيفتها ردع الانقلابات العسكرية في حال حدوثها. وكان قد اتفق قادة الدول على أن يبحث مسؤولون عسكريون آلية تشكيل القوة الإقليمية في كانون الثاني الماضي، بينما لم يُعلن رسمياً حتى تاريخ اليوم عن إنشاء هذه القوة.

ورغم أن الانقلابات في أفريقيا القاعدة لا الاستثناء، كان ردّ “إيكواس” على جميعها هو فرض العقوبات على منفذيها، هكذا وجّه المرصد العالمي التابع للمعهد الدولي للسلام انتقاداً لمجموعة “إيكواس” على طريقة تعاملها مع وباء الانقلابات.

وكانت مجموعة “إيكواس” قد فرضت في أيلول الماضي عقوبات تدريجية على المجلس العسكري الحاكم في غينيا، بسبب رفضه إعادة السلطة إلى المدنيين، إذ كان الكولونيل مامادي دومبيا قد أطاح بالرئيس ألفا كوندي في أيلول 2021، وعيّن نفسه قائداً للبلاد.

وشدّدت “إيكواس” بدعم من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، الحصار على المؤسّسة العسكرية في مالي بفرضها عقوبات دبلوماسية واقتصادية قاسية، تضمنت إغلاق الحدود مع مالي وتعليق التجارة باستثناء السلع الأساسية، بالإضافة إلى تجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا. جاء ذلك رداً على اقتراح المجلس العسكري في مالي إجراء انتخابات رئاسية في كانون الأول 2026، وهو الأمر الذي رفضته “إيكواس” بشكل قاطع لأنه يعني أن حكومة عسكرية انتقالية غير شرعية ستأخذ الشعب المالي رهينة خلال السنوات الخمس المقبلة، وفق تعبيرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.