إعدام حكم الشعب

موقع إنباء الإخباري ـ
علا فحص:
ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية مليئة بالأحداث المتشابهة والمتناقضة واللامنطقية، و لذلك وكي لا تنذكر ولا تنعاد، إتفق أطياف السلطة اللبنانية ضمن اتفاق الطائف على تقاسم تشريعي يضمن حقوق كل طائفة .
فبقيت الرئاسة الأولى للموارنة
والرئاسة الثانية للسنة
والرئاسة الثالثة للشيعة
وتم توزيع سلطات على الرئاسات الثلاث وإعطائها امتيازات كانت حكرا’ً فيما مضى على الطائفة المارونية، على أن يحتفظ الدروز بمناصب رفيعة في الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للأرمن والأقليات الأخرى.
انتهت الحرب وبعدها بدأت مرحلة إعادة الإعمار كما أريد لها أن تكون، وبمعزل عن تقييم مرحلة إعادة الإعمار هذه وأبطالها، تمكن اللبنانيون من اجتياز ذاكرتهم الخاصة بالحرب واتفقوا على صيغة للعيش المشترك رغم كل خسارة نتجت عن الحرب.
تناسى اللبنانيون تلك المرحلة من تاريخ لبنان وانغمسوا في تحصيل قوتهم اليومي. برعت السلطة بتطييف كامل الشعب وجعله آحادي التفكير بسبب سياسات اقتصادية مجنونة وعمل يومي حثيث على تفقير طبقات الشعب تدريجياً.
وبالرغم من حالة اللا حرب في لبنان، إلا أن البلد مرّ بأزمات أمنية عديدة في فترة ما بعد الحرب منها بسبب العدوان الإسرائيلي ومنها بسبب موجة التكفير الداعشي الذي لم يرحم ملةً أو مذهباً.
وعلى الرغم من الالانقسام العامودي بين ساحات ١٤ و٨ آذار والاغتيالات الدموية التي طالت العديد من الشخصيات الوازنة في البلد، استطاع اللبنانيون اجتياز تلك المراحل دون الحاجة إلى إندلاع حرب أهلية جديدة.
استطاع اللبنانييون فعل كل ذلك، كما استطاعوا تحمل ما لا طاقة لأحد عليه في بلد مشهور بالواسطات والمحسوبيات و”مرّئلي تمرّئلك”.
بلع اللبنانيون ملاحم السلطة المتكررة في الفساد وتوجهوا نحو الإعتصامات والإضرابات لتحصيل الحقوق وتوجيه الأداء.
رفع اللبنانييون شعارات مختلفة قد لا يكون آخرها تغيير النظام وإصلاحه.
شعارات جمعت جميع اللبنانيين بمختلف أطيافهم تحت لواء المطالبة بالحقوق التي يكفلها الدستور لأي مواطن لبناني.
وعلى الرغم من كثرة الحشود المطالبة بإحقاق الحق إلا أن السلطة بقيت وكأنها غائبة تمارس مصالحها بالشكل الذي تراه مناسباً لها، متناسية تماماً أن مظاهر الاعتصام هي مؤشر واضح على وجود كارثة اجتماعية.
بقي الوضع كذلك إلى أن قامت السلطة بوضع قانون ضرائبي جديد، متغافلة عن ملفات الفساد التي طالت قطاعاتها بدءاً من ملف الكهرباء وليس انتهاءً بتلوث نهر الليطاني ومشكلة النفايات.
لينبري حزب الكتائب اللبنانية المدافع الذي قد يكون الأوحد على الساحة المطالب بإلغاء القانون الضرائبي الجديد، مشيراً إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الفئات الشعبية، الأمر الذي جعله بنظر الكثيرين حزباً وطنياً منقطع النظير على الساحة السياسية. رصيد وطني إضافي لحزب يحمل تاريخاً عريقاً ببراعة المواربة الوطنية التي وصلت في الحرب الأهلية اللبنانية إلى حد التصفية للوصول لسدة الرئاسة والتعامل مع عدو يجرّمه الدستور اللبناني وجميع مواده القانونية.
ولم يكن ذلك آخر المآثر للسلطة، بل وبسبب مصالح انتخابية، وللمحافظة على توازن التوافق السياسي تم فتح ملف اغتيال بشير الجميل، وتم نسف كل مبدأ عقائدي نادت به الأحزاب والحركة الوطنية وتم إصدار الحكم بالإعدام على حبيب طانيوس الشرتوني ونبيل العلم مخططي عملية الاغتيال ومنفذيها.
حكم بالإعدام على وطنيين بكافة المعايير والمواثيق الوطنية، وتم تجريمهما بسحب حقوقهما المدنية منهما واستصدار مذكرة جلب بحقهما.
هذا الأمر يعتبر من المنظور العقائدي البحت جريمة وطنية بكافة المقاييس واختلالاً أكيداً في المبادئ الوطنية البديهية.
فمن أجل إنجاح الإتفاق الانتخابي تم إعدام قضية وطنية. من أجل مصالح البقاء في السلطة تم إلغاء كل مبدأ وطني.
وبناءً عليه، لم يعد من الممكن الإيمان بأن أية قضية وطنية ستكون أولوية. فتشابك مصالح السلطة وتوارثها الحكم أولوية ولو على حساب الدستور نفسه من جهة وعلى حساب دماء الشهداء الذين دفعوا حياتهم لأجل مبدأ آمنوا به من جهة ثانية.
لم يعد ممكناً الثقة بأن من يحمل شذرات الحرية والمبادئ في داخله هو بمأمن عن أي قرار بالتصفية ينتج عن اتفاق المصالح هذا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.