سيناريو أمريكي جديد لتوريط إيران

نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” يوم الخميس الماضي مجموعة من الوثائق السرية، قالت أنها حصلت عليها عند مقتل أسامة بن لادن في باكستان في عام 2011، وادعت الـ”سي آي إيه” أن الوثائق تحتوي على معلومات تفيد بوجود علاقة بين “تنظيم القاعدة” وإيران.

ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية من نشر هذه الوثائق في هذا الوقت بالتحديد، خاصة أنها تتزامن مع تقهقر قوات تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق وإنهاء عواصمه وتواجده من كلتا الدولتين إلى غير رجعة، كما تتزامن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الإيرانية طهران والتي حملت نتائج إيجابية على جميع الأصعدة لاسيما الاقتصادي منها وهو ما لاتريده واشنطن أن يحدث.

الجميع يعلم أن للجمهورية الإسلامية الإيرانية دور فاعل ومؤثر في طرد الجماعات الإرهابية المسلحة من سوريا والعراق، وما قدمته إيران في محاربة الجماعات الإرهابية المسلحة علة مدار الأعوام القليلة الماضية لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية بكل إمكاناتها وعتادها الحربي وقواعدها أن تقدم ولو جزء بسيط منه على مدار عقود من الزمن، وما جرى في كل من أفغانستان والعراق خلال العقود الماضية يشهد على هذا الكلام، إذا لماذا تريد واشنطن اليوم تفهيم العالم بأسره أن للقاعدة علاقة مع طهران في وقت يشهد فيه الرأي العام العالمي موجة غضب تجاه “داعش والجماعات التكفيرية الآخرى” ؟!.

الأسباب

أولاً: أمريكا بعد أن عجزت عن محاصرة إيران على الرغم من كل العقوبات الإقتصادية التي وجهتها ضدها والتهديدات المستمرة لرئيسها ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران واتهامها المستمر بدعم جماعات إرهابية، مع كل هذا لم تستطع واشنطن تقويض دور إيران الفاعل والمؤثر في دحر الجماعات الإرهابية من دول مجاورة لها على عكس ادعاءات الولايات المتحدة.

هذا الدور الإيجابي لإيران على ما يبدو لم يعجب واشنطن لأنه بشكل أو بآخر أثر على مخططاتها التقسيمية للمنطقة من جهة وفضح زيف إدعاءاتها بمحاربة الإرهاب نظرا لنتائجها الغير مجدية في هذا المجال وما حدث في العراق يشهد على ذلك، لذلك كان لابد لها من تلفيق تهم جديدة لطهران علها تجدي نفعا.

ثانياً: الولايات المتحدة الأمريكية من خلال نشر هذه الوثائق تريد أن تبدأ سيناريو جديدة تستطيع من خلاله توريط إيران أمام الرأي العام العالمي بأحداث 11 أيلول، وربما إبعاد الشبهات عن السعودية التي دفعت لها بما فيه الكفاية للعمل على توجيه الرأي العام إلى بلد آخر، ولكن منطق الأمور والأرقام والأحداث لا يمكن أن تقنع الرأي العام بإدعاءات واشنطن، وفي هذا الإطار كتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تغريدةٍ على موقع تويتر، مساء الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2017: “رقم قیاسي سخیف عن حجم تأثیر الدولارات النفطیة: الأخبار الكاذبة لـ(سي آي إيه) ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حول وثائق منتقاة لتنظيم القاعدة متعلقة بإيران لا يمكنها إلغاء دور حلفاء الولايات المتحدة في (هجوم) 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ثالثاً: الوثائق الجديدة غير مبنية على أي سند سوى أنها صادرة عن وكالة الاستخبارات الأمريكية ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حيث تعرف الأخيرة بأنها مجموعة ضغط مشهورة بمواقفها المعادية جداً لإيران، وتتزامن هذه الاتهامات الجديدة مع اتهام حزب الله بالإرهاب، وبالتالي اتهام ايران وحزب الله بالارهاب لتبرير أي فعل يقومون به ضدهم.

رابعاً: أمريكا تعتقد أن العديد من عناصر القاعدة مسجونين في ايران وبالتالي هم يريدون الضغط على ايران لمعرفة هويتهم أو لكي يحصلو عليهم وبالتالي اتهام ايران بنظر أمريكا مفيد في هذا الاطار، من جهة أخرى تعتقد أمريكا أن ايران حمت الأمن القومي لها من خلال اعتقال هؤلاء لذلك هم يريدون تغيير المعادلة، لكن أمر مهم آخر يجب التنويه إليه بأن الطبيعة الفعلية لهذه العلاقات لا تزال تثير الجدل بين الخبراء، نظراً للخلاف العقائدي بين إيران والحركات السنية القريبة من تنظيم القاعدة.

في الختام، اللهاث الأمريكي إلى توريط إيران بملف ساخن جديد لن يجدي نفعا، لأن القوى العالمية الكبرى بدأت تدرك تماما خفايا اللعبة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت تبني علاقات قوية مع إيران وفي مقدمة هذه القوى روسيا والصين وغيرها، ولكن على مايبدو تسعى واشنطن للضغط أكثر على طهران في إطار حرب نفسية جديدة تتمكن من خلال الولايات المتحدة الوصول إلى صيغ جديدة للتفاوض مع إيران، إلا أن الأخيرة اعتادت على هذه الألاعيب وتعرف تماما كيف تعالجها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.