إلى أين يمضي ترامب ؟!

 

صحيفة البعث السورية ـ
عبد اللطيف عمران:
يقدّم ترامب بقراره العجائبي الغريب حول الجولان، مسوغات كبرى وعديدة لقبول ما قام به الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي حين ألقى بميثاق الأمم المتحدة أرضاً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك – أيلول 2009، ويمحو ترامب من الذاكرة استهجان البعض انفعال القذافي تجاه استبداد الولايات المتحدة بالمجتمع الدولي، وتجاه ضعف المنظمة الدولية الأممية، وعجزها عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والالتزام بالقانون الدولي.

حقاً لقد كان القذافي حينها واقعياً ورؤيوياً، هذا ما تؤكّده اليوم حماقة ترامب وجنونه الذي يمحو من الذاكرة ابتسام الحضور والغرائبية أمام فعلة القذافي وحديثه الذي تجاوز 95 دقيقة في حين يقتصر العرف على 15 فقط. وقد يكون القادم مع ترامب ومنه أعظم ليس على مستوى القضايا العربية والإسلامية فقط “القدس والجولان و…”، بل على المستويات كافة الإقليمية والدولية، السياسية والقانونية والاجتماعية والأخلاقية.

بالمقابل، لم يكن ما قام به ترامب تجاه الجولان، وقبله تجاه القدس، أمراً غير متوقّع، فقد أوضح الرجل قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وخلال معركته الانتخابية، بنود برنامجه الانتخابي والرئاسي أيضاً المبني على تنفيذ أكبر مما يحلم به قادة العدو الإسرائيلي، فهو صهيوني، بكل معنى الكلمة، يمضي في تنفيذ المشروع الصهيوني في المنطقة والعالم، منطلقاً أوّل ما ينطلق منه إلى تحطيم المشروع الوطني والعروبي المقاوم للمشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني الإحلالي والإبادي أيضاً، فقام بالتدريج منفّذاً وعوده الانتخابية وفق التالي:

1- إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. 2- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني. 3- مواصلة العقوبات وتشديدها على محور مقاومة المشروع الصهيوني. 4- إلغاء كثير من الاتفاقات الأمريكية مع المجتمع الدولي والتمرّد على قرارات مجلس الأمن التي وقّعت عليها بلاده ومنها القرار 497 لعام 1981 الذي اتخذ بالإجماع بأن الجولان أرض عربية سورية محتلة.

ومن اللافت للنظر أن قرار ترامب بالاعتراف بضم الجولان لقي اعتراضاً واستنكاراً من المجتمع الدولي أشد وأوسع وأعم من قراره الأخير بشأن القدس. وهذا موضوع آخر طويل وشائك يستحق الحديث بالتفصيل؟!!.

على أيّة حال، حين يخطىء عدوّك في حساباته، ويرتكب حماقة يستنكرها العالم أجمع، ففي هذا بعض من المعطيات الإيجابية التي تدلّ على أنك لا تزال قادراً على دفعه أن يعض على أصابعه من الألم والندم، أو ليعض قريباً وذلك لأسباب عديدة منها:

– إن البنود الأربعة السابقة التي تمضي إدارة ترامب فيها لم تَحلْ دون هزيمة العصابات الإرهابية التكفيرية في المنطقة وخصوصاً في سورية والعراق وفي هذا ضربة للمشروع الصهيوأمريكي ولأذنابه.

– تنفيذ هذه البنود لم يضعف المشروع الوطني العروبي المقاوم بل زاده صلابة وتصميماً ووعياً بأن الخطر الأكبر على شعوب المنطقة هو الخطر الصهيوني، ولذلك يجب أن تبقى فلسطين والأراضي العربية المحتلة هي “القضية المركزية” للعرب وللمسلمين.

– لم يستطع حلفاء أمريكا التقليديون في المنطقة والعالم إقناع شعوبهم وحكوماتهم بالاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم لا في موضوع الاتفاق النووي مع إيران، ولا في تشديد العقوبات، وأتى الإجماع الدولي برفض قرار ضم الجولان ولاسيما من الدول الأوروبية في مجلس الأمن ومن اليابان وكندا… إلخ استنزافاً لاستراتيجيات ترامب الخائبة.

– بدأت شعوب المنطقة و”حكوماتها” تدرك أن ما جرى بشأن القدس والجولان مقدمة للاعتراف بضم أراضٍ عربية أخرى ولاسيما الضفة الغربية، ومقدمة أيضاً لخرائط جديدة محرجة تحت الطاولة ستظهر قريباً في معمعان “صفقة القرن”.

– ازداد وسيزداد أكثر اقتناع الشارع والرأي العام العربي والعالمي أن ما سمّي ربيعاً عربياً هو ربيع صهيوني تلمودي، لا تسقط معه نظرية “قصور العامل الذاتي” عند العرب، لكن تتقدم عليه في الوقت نفسه معطيات ومحددات “نظرية المؤامرة”.

– سيتأكد للعرب والعالم أن أمريكا تخون رعايتها التاريخية المزعومة لـ “عملية السلام”، ما سيؤدي إلى نسف الرهان عليها في الواقع وفي المستقبل، وما سيدفع الأجيال الطالعة إلى القناعة بأن كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة كانت اتفاقات خيانة وذل واستسلام وتطبيع… وما سيجعل عند هذه الأجيال من المقاومة ثقافة ونهجاً خياراً استراتيجياً ووحيداً. وما سيقنعها بضرورة رمي هذه الاتفاقات في مزبلة التاريخ.

ما سبق جميعه يؤكد أن الجيش العربي السوري بصفته “العقائدية” الراسخة هو ليس فقط جيشاً وطنياً بل جيش الوطن والأمة أيضاً، وأن أي استهداف لهذا الجيش أو تعرّض له ولا سيما من العصابات التكفيرية ومشغليها هو إساءة إلى حقوق الوطن وقضايا الأمة. وما ينطبق عليه ينطبق على المؤسسات الوطنية والقيادة السياسية أيضاً ممثلة بسيادة الرئيس بشار الأسد.

إذن، ترامب يمضي في برنامجه إلى خذلان لا شك، وقد وقّع قراره هذا مع إعلان المحقق الخاص بشأن التدخل في الانتخابات الرئاسية الاحتمال الكبير لبراءته… هو يمضي مهموماً فقط بولاية ثانية له ولصديقه نتنياهو، فالمسألة يبدو فيها أن البعد الانتخابي الشخصي لكلا المجرمَين هو همّ أساسي، لكن قضايا الوطن وحقوق الشعب وأراضي الأمة ليست معروضة للمساومة لا بالاستسلام، ولا بالتطبيع، ولا بصفقة القرن، وسنرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.