إيقاف البطاقات المصرفية في لبنان: مخاطر نقدية وإقتصادية

موقع العهد الإخباري-

د. محمود جباعي:

فرضت الأزمة الاقتصادية والمالية الكبيرة التي يعيشها لبنان منذ عام 2019 واقعاً نقدياً جديداً بالغ الخطورة، يبدأ من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار مروراً بتحول الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد نقدي بنسبة كبيرة، حيث عمد المودعون منذ بدايات الازمة الى سحب ما امكنهم من ودائعهم لحمايتها من قيود المصارف الاستنسابية على السحوبات ـ بسبب عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول الذي ينظم عملية السحوبات والتحويلات بشكل علمي وقانوني ـ والى تخزينها خارج المصارف، وخاصةً تلك التي تعد رساميل قادمة من الخارج، والتي تقدر بحوالي 8 مليارات دولار سنوياً. كل ذلك خلق اقتصادا نقديا موازيا ساهم في ارتفاع معدلات التضخم المالي، ما فرض فيما بعد قيودا مصرفية مشددة اكثر على السحوبات، ومن ابرزها اعتماد البطاقات المصرفية الائتمانية والالكترونية كوسيلة للدفع في التعاونيات الكبرى وغيرها من المؤسسات الاستهلاكية الاخرى، علماً ان هذا الإجراء هو علمي ومهم لضبط حركة دوران النقود، ولمنع التضخم اذا ما ترافق مع اجراءات اخرى تتعلق بتنظيم عملية السحوبات وتأمين المؤونة اللازمة للشركات التي تقبل الدفع بهذه الطريقة.

توقف قبول الدفع بشكل كامل بالبطاقات الائتمانية

منذ عدة ايام اعلنت التعاونيات الكبرى ومعها العديد من المؤسسات التجارية الاخرى عن قبول الدفع عبر البطاقات الائتمانية بنسبة 50% فقط من حجم المشتريات، وفرضت على المواطن دفع نسبة الـ 50% الاخرى بشكل فوري ونقدي. كذلك قررت الحاق المدفوعات الالكترونية ايضاً بهذا القرار، علماً ان البطاقات الالكترونية هي التي يتم حجز المشتريات فيها عن بعد عبر الانترنت، ما يعني ان هذه القيود ستنسحب على كل انواع البطاقات المصرفية، مع الإشارة الى ان هذه المؤسسات التجارية ايضاً تعاني تماماً كما الافراد، فاموالها ايضاً عالقة في المصارف حالها كحال كافة المودعين الافراد، وهي بالتالي اذا لم تحصل على ثمن مبيعتها من المصارف نقداً، لن تستطيع تأمين مشترياتها من الشركات المستوردة التي تفرض بيع بضائعها نقداً، لانها بحاجة الى هذه الاموال لاستعمالها في عملية الاستيراد، ما يجعل العملية معقدة جداً، لا سيما وان مرجعها النهائي يعود الى مصرف لبنان الذي عليه ان يحرر المبالغ المطلوبة منه للشركات كبديل عن قبولها لتلك المبالغ من الزبائن بشكل الكتروني او عبر بطاقات الدفع المصرفية المختلفة.

المودع والمواطن هما ابرز الخاسرين

ان لتوقف عملية الدفع عبر البطاقات المصرفية ضررا كبيرا على المودعين والموظفين، فهم لا يستطيعون استيفاء كل مستحقاتهم الشهرية من المصارف نقداً، بل هم مجبرون على تحويل جزء كبير من مستحقاتهم الى بطاقات مصرفية بعد فرض المصارف كوتا محددة على السحب بالليرة والدولار، وفقاً للتعاميم المختلفة لمصرف لبنان، وخاصة التعميم 158 الذي يفرض تحويل مبلغ 200 دولار شهرياً على سعر 12000 ليرة للدولار اي ما قيمته مليونان و 400 الف ليرة يستعملها المودع في عملية الشراء لحاجاته الاساسية من التعاونيات الكبرى وغيرها، وكذلك التعميم 161 الذي يفرض تحويل جزء من المستحقات الى البطاقة المصرفية، وهذا يبين ان كل مودع او موظف يريد استعمال هذا المبلغ في الشراء عليه ان يحول نصفه الى كاش كحد ادنى، وبالتالي عليه بيعه على شكل “شيك بنكير” بنسبة خسارة تصل الى حدود الـ 20 % بعد توقف الشركات عن قبول كامل المبلغ، ما يضع المودع من جديد تحت ضغط المزيد من الخسارة لامواله وهذه المرة بشكل جديد وصورة جديدة .

الخلاصة

يتحمل مصرف لبنان والمصارف كل المسؤولية عما يحصل لانهما المسؤولان عن تأمين المبالغ للشركات والمؤسسات المستوردة، وعليهما اعادة النظر في ما يحصل، حيث ان عملية الدفع عبر البطاقات المصرفية تعتبر صحية جداً للوضعين النقدي والاقتصادي، فهي تساهم في تحريك العجلة الاقتصادية عبر تحريك الطلب من جهة وفي السيطرة على حجم المبالغ المتداولة مما يمنع التضخم من جهة اخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.