الأزمة السعودية – اللبنانية: فرصة لتثبيت السيادة

موقع العهد الإخباري-

شارل أبي نادر:

في الظاهر، إستنادًا الى ردة الفعل الشعبية الأولية العفوية للّبنانيين، أو للتعاطي المصدوم وغير المتوازن للسلطات الرسمية اللبنانية، ولما ظهر لدى المسؤولين في الرياض من نشوة واعتزاز، بدا قرار المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول التطبيع مع العدو الاسرائيلي في قطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع لبنان ردًا على تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي عن عبثية الحرب على اليمن وعن كونها عدوانًا على شعب وعلى دولة، وكأنه انتصار تاريخي غير مسبوق ضد لبنان في معركة مصيرية لحماية حقوق الانسان وكرامة الشعوب ونشر وتثبيت الحرية والديمقراطية.

لكن في الواقع وفي الحقيقة، وإذا قاربنا الحدث بطريقة علمية وموضوعية، سيكون للحدث الأخير وما تلاه من إجراءات سياسية وديبلوماسية، نتائج إيجابية جدا لمصلحة لبنان، وسيكون هو المنتصر في هذه المواجهة الظالمة له وغير المتكافئة، وذلك على الشكل التالي:

في السياسة، سيكون امرا ايجابيا، لو قُدِّر للبنان ان تكتمل هذه المقاطعة، ومن كافة النواحي، وستكون فرصة تاريخية للتخلص من علاقة غير سوية، فيما لو امتد طويلا وبشكل حقيقي وكامل ، انقطاع خطوط التدخلات السعودية في شؤونه، والتي طالما كانت مفتوحة على مصراعيها منذ بدايات استقلال لبنان تقريبا، والتي لم تكن يوما الا مضرَّة للبنان ولعلاقات مكوناته الداخلية بين بعضها بعضا، ولسيادته ولمصلحته الوطنية والقومية.

طبعًا، لا يعني هذا الموضوع اطلاقًا تمني تثبيت هذه القطيعة إلى الأبد بين لبنان وأشقائه في المملكة، حيث أبناؤها بغالبتهم شعب مسالم وكريم وطيب، إنما مشكلة لبنان كانت في تدخلات العائلة المالكة الحاكمة، والتي طالما كانت تعتبر أن ما تقدمه أحيانًا من “مساعدات” للبنان، أو ما تؤمنه من فرص عمل لأبنائه، يؤهلها أو يعطيها الحق بفرض توجيهاتها وسياساتها عليه، والعمل دائمًا على استغلال هذا الأمر وتصويره منّة تستوجب الخضوع والانصياع لاملاءاتها مهما كانت.

لربما كان بالامكان التغاضي عن بعض هذه التدخلات لو كانت مناسبة للمصلحة اللبنانية أو للمصلحة العربية، ولكن، أن توجه سياستَك كدولة لبنانية، دولة شقيقة أخرى مثل السعودية، هي من ناحية منصاعة في توجهاتها وفي سياستها وبشكل كامل للتوجيهات الأميركية، التي لم تكن يومًا لمصلحة لبنان، ومن ناحية أخرى تتماهى وتتوافق سياستها بشكل كامل مع سياسة العدو الاسرائيلي لناحية إنهاء وطمس قضية فلسطين وما نتج عنها من اغتصاب للحقوق العربية والإسلامية بشكل نهائي، أو لناحية المسار الذي أخذه مشروع التطبيع مع “إسرائيل” مؤخرًا ودور الرياض الأساسي فيه، وما كُشف ويُكشف من تواصل واسع وقديم سعودي – إسرائيلي، فإن هذا الأمر سيكون طبعًا في غير مصلحة لبنان وسيكون مستهجنًا ومرفوضًا، وسيكون التخلص منه – اليوم قبل الغد – حاجة وطنية لبنانية.

الغريب في الأمر أيضًا، كان تظهير الأزمة المفتعلة بأسلوب سخيف وفاشل وغير عادل تم من خلاله عرض حجة وتبرير القرار السعودي وما ارتبط به من قرارات دول خليجية أخرى، لقطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع لبنان، وكيف تم إخراج ارنب كلام الوزير قرداحي في مناسبة إعلامية سبقت تعيينه وزيرًا، واعتبار كلامه قميص عثمان لاستهداف لبنان بضربة غير سهلة، في الوقت الذي يحتاج فيه الأخير للمساعدة والعون والدعم الطارئ للخروج من أزمة كبيرة، كانت السعودية ومشاركتها في مناورة الضغط الأميركي عليه لتأمين مصالح “اسرائيل”، أساسية ورئيسية في هذه الأزمة، وليتبين لاحقًا ما تم الادعاء به زورًا بأن السبب الحقيقي وراء هذا القرار هو نفوذ حزب الله في لبنان، وكأن الأخير، بما يحضنه من بيئة لبنانية واسعة، هو عبارة عن جالية من أصول أجنبية، تم تجنيسها مؤخرًا بضغط وبتمويل من ايران، وبغرض استهداف الامتداد الثقافي والاجتماعي والعائلي التاريخي لآل سعود في لبنان.

من هنا، وكيفما تطورت هذه الأزمة، فإن تداعياتها مهما كانت، ستكون أقل بكثير من تداعيات أن ينصاع لبنان للاملاءات السعودية، وأن يثبت لبنان على موقفه من خلال ثبات الوزير قرداحي على موقفه رافضًا الانصياع والاستقالة وتنفيذ الإملاءات السعودية، فهذا وحده يشكل مؤشرًا أساسيًا ونقطة بداية لفرض عمل من أعمال السيادة، يحتاجه لبنان بقوة حاليًا، في ظل هذه الهجمة الاقليمية والغربية عليه، لأسباب متصلة بحراك دولي يعمل لمصلحة فرض التطبيع مع العدو الاسرائيلي من جهة، باضافة ما استطاع من دول اليه، ومن جهة أخرى لناحية محاولة اخضاع لبنان أو ارغامه على القبول بأقل من حقوقه السيادية في حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة، خلال المفاوضات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي حاليًا.

أخيرًا، وربما من المفيد الإضاءة على هذه المقارنة، فإن لبنان اليوم وأمام هذه الأزمة، مدعو للصمود السياسي والديبلوماسي والاقتصادي بوجه التدخلات الخارجية، مع ما يمكن أن تحمله من ضغوط مختلفة، وتمامًا كما صمد بوجه الاحتلال وفرض تحرير أراضيه في أصعب مواجهة تاريخية ضد كيان غاصب يملك فارقًا كبيرًا من الامكانيات العسكرية والمالية، سيفوز باذن الله في هذه المواجهة الحساسة، والتي بنهايتها سوف يقطع كل شكل من أشكال التدخل الخارجي في سيادته، وسوف ينزع من مخيلة كل من تسول له نفسه التفكير بأنه دولة ضعيفة وفقيرة ويمكن ادارتها أو اخضاعها أو استهداف سيادتها وقرارها الحر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.