الأسد فوبيا!!

basharassad

صحيفة الوطن السورية ـ
د. بسام أبو عبد الله (مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية):
منذ بداية الأزمة في سورية حاولت الأطراف التي خططت، ونفذت لضرب سورية، وتدميرها، أن تشحن غرائز الناس، وعواطفهم ومشاكلهم باتجاه عنوان واحد هو شخص الرئيس بشار الأسد في محاولة تُتبع عادة في ما يسمى (إعلام الحرب)، الذي يشكل أحد ركائزه موضوع (الشخصنة)، وهذه القضية تساعد كثيراً في تحميل شخص مسؤولية كل ما يحدث (وهو هنا السيد رئيس الجمهورية) بهدف إبعاد الأنظار عن الهدف الحقيقي وهو الوطن أي سورية هنا.
فالحديث عن استهداف الوطن (سورية) قد لا يشكل مغناطيساً جاذباً لكل القوى التي يفترض أن تُجند في المشروع لتدمير بلدها بيدها من حيث تدري، أو لا تدري، وكل ذلك تم تحت يافطة إسقاط الرئيس، على حين إن الهدف المضمر والحقيقي هو إلغاء سورية من هذه المنطقة الحساسة، وإنهاء دورها، والقضاء على هويتها، وتفتيت مجتمعها.
وعلى الرغم من أن كثيرين انساقوا وراء هذا العنوان الذي روج له البعض في الداخل، والخارج من خلال التصويب على شخص الرئيس، دون محاكاة الصورة الشاملة الحقيقية للصراع الذي يجري على الأرض السورية، وفهم المصالح الحقيقية للقوى الداخلية والخارجية من وراء هذه الشخصنة، مع الإشارة إلى أنه ليس المطلوب من السوريين جميعاً أن يحبوا رئيس الجمهورية، أو يصوتوا له.

الأهداف الحقيقية للطرح المغرض
ولكن هذه المسألة لا بد من أن نقاربها، ونواجهها ليس بهدف الدفاع الأعمى كما يفعل بعض المحبين، والغيورين، أو بعض المنافقين، وإنما بهدف كشف وتعرية الأهداف الحقيقية لهذا الطرح وفهم أبعاد ما يريده المغرضون، وهنا أود الإشارة إلى بعض النقاط المهمة:
1- جرى استهداف شخص السيد رئيس الجمهورية ليس من منطلق مفهومي الديكتاتورية والديمقراطية، التي روج لها الإعلام النفطي، أو حتى الغربي، فالمضحك في هذه المسألة أن الإعلام الذي هاجم الرئيس الأسد جزء منه تموله مشيخات وممالك تعود للعصر الحجري، ويقودها حكام أقل ما يقال عنهم إنهم يعيشون في (عصر العبودية)، ويقودون شعوبهم بمنطق العصور الوسطى، وبمنطق (الطغاة)، وجزء آخر أراد أن يهيئ الرأي العام الأوروبي، والغربي لحرب جديدة، وتدمير دولة أساسية في المنطقة، ومجتمع عاش على التسامح، وأنتج حضارات كثيرة، تحت الحجة التقليدية، نشر الديمقراطية، والحريات، والحرص على الجانب الإنساني، وإنهاء الديكتاتورية، والأكثر طرافة في الموضوع أن الجزء الثاني (أقصد هنا الإعلام الغربي) أراد أن يقنع بعض السوريين أن عليهم تدمير وطنهم، من أجل القضاء على الديكتاتورية، حتى لو كان الثمن آخر سوري، وآخر منشأة سورية، دون أن يرى هؤلاء نماذج الناتو الديمقراطية التي بدأها في العراق أو يتابعوا ما يجري في ليبيا.
2- عندما يحصل خلاف سياسي بين أي طرفين، فلا شك أن الجدال والنقاش، والحوار يجب أن يتم بشكل سياسي، ولكن بعض من خرج إلى الشارع في الداخل السوري في بداية الأحداث استخدم ألفاظاً نابية لا تليق بعادات وتقاليد مجتمعنا بحق شخص السيد رئيس الجمهورية، وانساق بغرائز، وحالة هستيرية مترافق مع إعلام مجنون لتصوير الأمور، وكأن ذهاب رئيس الجمهورية، سيحول الحياة في سورية إلى جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار، دون أن يدرك البسطاء من السوريين أن الخارج، وبعض المتورطين يقودهم إلى المقصلة.
وللأسف فإنه حتى بعض المسؤولين، والقيادات السورية انساقت وراء هذا الطرح وهربت من المواجهة بطريقة انتهازية ومارست سياسة (النأي بالنفس)، ووضع قدمٍ هنا، وقدمٍ هناك للنجاة بأنفسهم، لأن البعض من هؤلاء اعتاد أن يأخذ دون أن يعطي، واعتاد أن يلقي المسؤولية تارة نحو الأدنى وتارة نحو الأعلى، وكأنهم أصنام لا دور لهم في مرحلة حساسة من تاريخ سورية.
3- الطريف في الأمر أنه بعد حديث الرئيس باراك أوباما عن ضرورة (تنحي الرئيس الأسد) فإن التابع الأوروبي والتابع الأعرابي، والتابع التركي والتابع الداخلي رددوا هذه الإيماءة الأميركية كالببغاوزات، واعتمدوها كليشة جاهزة لأي بيان في ختام أي اجتماع حتى لو كان الاجتماع عن قضايا البيئة، مع ضخ إعلامي هدفه ضرب الروح المعنوية للسوريين، وللجيش العربي السوري، ورافقه تكثيف للقتل والاغتيال، والتدمير وذلك للقول لأبناء الشعب السوري إن مشكلتكم هي السيد رئيس الجمهورية.

أمريكياً: هدف الديمقراطية للتمويه والتسلية
4- وكي أكون أكثر وضوحاً وجرأة في هذا الشأن، فإنه ليس مطلوباً من الخارج أن يحب الرئيس بشار الأسد فهذا شأنهم، والدول تسعى إلى مصالحها وليست جمعيات خيرية، فأميركا كانت أوضح الأطراف في صراعها مع الرئيس الأسد وسورية، إذ يتمثل هدفها الذي أعلنته منذ نيسان 2011 بفك التحالف مع إيران وحزب الله، وحركات المقاومة، ولم تتحدث أميركا إلا عن هذا الهدف الإستراتيجي، وأما الحديث عن الديمقراطية فقد كان للتمويه والتسلية، إذ إن أميركا كانت ولا تزال الداعم الأكبر عبر تاريخها للدكتاتوريات (إيران الشاه، الخليج، تشيلاي، أميركا اللاتينية، مصر، تونس… إلخ) فمات الذي تحول فيما يخص سورية؟
أما الأعراب فآخر من يحق لهم الحديث عن الديمقراطية إذ إنهم مجرد ممولين لمشاريع الغرب وفقاً لمهنتهم الأساسية التي وجدوا من أجلها.
على حين إن السوريين الجدد، وجماعات المعارضة من حقهم أن يتحدثوا وبما يريدون لكن التحدي الأساسي معهم سيكون عبر صندوق الاقتراع، وإلا فإن أي شخص منهم سيصل للسلطة يوماً ما، فإنه من حق أي دولة أن تطلب منه التنحي إذا لم يعجبها وينساق مع مصالحها ومن ثم فإن ما نتحدث عنه هنا أن مقام رئاسة الجمهوري هو قضية سيادية سورية وهي من حق الشعب السوري وحده، الذي بإمكانه أن يصوت لهذه الشخصية أو تلك وفقاً لقواعد الديمقراطية التي يبشروننا بها.

أنظمتهم «كاملة الأوصاف» ولم يبق غير النظام السوري
5- وصلت الهستيريا الغربية والإعلامية إلى حد أن شركة (آروتش) البريطانية صممت لعبة فيديو عن الأحداث في سورية، تمثل فيها أطراف الصراع الدائر، ولكن المهزلة أنه في حالة سورية وخلافاً لقواعد ألعاب المحاكاة العسكرية يمكن للاعب اللعب فقط إلى جانب الطرف المعادي لسورية، والرئيس الأسد، دون منحه فرصة لاختيار الجانب الذي يرغب فيه.
هذه اللعبة الرقمية تكشف بوضوح بالغ حقيقة هؤلاء، وحقيقة ظاهرة (الأسد فوبيا) التي تشكلت عندهم بعد 21 شهراً من هذا الصراع العالمي مع سورية، وشعبها وجيشها، دون أن يسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً عن سر صمود هذا الرجل، الذي قال في آخر كلمة له: «إن المنصب زائل، ولكن الوطن باقٍ» دون أن يسألوا أنفسهم: هل يعقل أن كل هذه الدول أنجزت أنظمة سياسية كاملة الأوصاف، ولم يبق غير النظام في سورية؟
القضية باختصار شديد: إن الرئيس الأسد هو رمزٌ للوطن الذي ننتمي إليه، انتخبه الشعب، والشعب هو من يقرر من يختار، ومن يريد.
ولذلك فإن عقدة هؤلاء مع الرئيس الأسد مستمرة منذ زمن بعيد فهي (الأسد فوبيا) و(يوسف العظمة فوبيا) وباختصار هي (سورية فوبيا)، ذلك أن الشعب السوري لن ينتخب إلا أسداً، أي أسد سوري وهم كثر، فهو لم يعتد على (النعاج)، وإذا فهم هؤلاء هذه المعادلة فسوف تُحل عقدتهم النفسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.