الاستقلال والاكتفاء الذاتي حسب رؤية الإمام الخميني(رض)

صحيفة الوفاق الإيرانية-

د. سيد محمود خواسته:

ان من اهم المكاسب التي تحصل عليها الدول المستقلة، خدمة لشعوبها ورقيها وتطورها، هو الاتكاء والاعتماد على النفس في كافة الحقول، لا سيما الحقل الاقتصادي، لأنه حجر الزاوية في المجالات الاخرى، كالمجال السياسي، العلمي والاجتماعي.

فالحربة التي تلوح بها القوى السلطوية، وتهزها لارعاب الدول على اختلاف مشاربها وانظمتها السياسية، وتضغط بواسطتها عليها، هي (الاقتصاد)، وما يتبع ذلك من حواش تتسم وترتبط به، بشكل مباشر او غير مباشر، كحقوق الانسان مثلا، التي يدعي سفاكو الدماء، وقتلة الابرياء، انهم يطالبون بها لاحقاق الحق ودحض الباطل، واشاعة حرية الانسان المغتصبة، هنا وهناك!

كالقاتل الذي يذرف الدموع ويمشي خلف جثمان المقتول الذي صرعه بيده، وخير دليل ومثال على ذلك، المستعمرة الانجليزية السابقة، والقوة الأمبريالية، العنصرية اليوم، امريكا، التي قامت على جماجم الهنود الحمر، سكان البلاد الاصليين، انقاض اكواخهم وخيمهم… فالزمرة الحاكمة فيها، سواء جمهوري وديمقراطي، وإن اختلفوا فيما بينهم، هاجسهم الاول والآخر، هو، استعباد الانسان، خاصة الانسان غير الابيض!

والدفاع عن اذيالها التي اوجدتها بالتعاون مع الاستعمار الانجليزي البغيض، كالكيان الصهيوني الغاصب… فهي تعتمد على معاقبة الشعوب، بقطع العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بالاتفاق مع الدول التي تدور في فلكها، وحضر ابسط الاشياء عن البلدان (المارقة)، ناهيك عن الاحتياجات المؤثرة على حياة الانسان مباشرة، كالمنتجات الطبية بكافة انواعها، وارتباطها بعلاج المرء، الذي يدعون انهم يدافعون عن حريته…

فالإنعتاق، اذن، من اغلال العبودية، هو الاستقلال بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بما في ذلك الاكتفاء الذاتي، حيث لا يمكن لاية دولة ان تستقل، حقيقة وواقعا، الا به، واتخاذه أساساً لبناء وإعمار البلد، والابتعاد عن الرق الحديث، الذي ارتدى ثوبا جديدا جميلا، وقناعا ذهبيا ناصعا، ولا فرق في ذلك بين استعمار جديد وقديم وشرق وغرب، وما الشعار الذي رفعته الثورة الاسلامية المباركة، بقيادة الامام الخميني (رض)، وهو (لا شرقية ولا غربية) الا نموذج ورمز الاستقلال الواقعي، بعد انهيار النظام الشاهنشاهي، شرطي وعصا القوى السلطوية، التي لا تزال تهيمن على كثير من الدول، بدعوى مساندتها اقتصاديا، سياسيا وعسكريا، وعند احتدام الوطيس، تفر تحت جناح الظلام، تاركة (دميتها) فريسة سهلة، تلتهما ذئاب وضباع المجموعات المتربصة بها، والتي وعدتها بحمايتها منها…

وبما ان الدول المغبونة، المفتونة بالحضارة الغربية وبالسلع الاستعمارية، هدفها الاول بقاء حكامها على عروشهم مهما كلف الأمر، لا تحرك ساكنا ولا تتفوه بحرف، ضد ما تمليه وتقوم به قوى الاستكبار العالمي، حتى ولو ادى ذلك، الى الوقوف بوجه أشقائهم المسلمين، والإستقواء بمن اعتدى عليهم وغصب اراضيهم، وأباد الحرث والنسل، اي، الكيان الصهيوني البغيض، الذي لم يطق الصمود امام (سيف القدس)، وارتد مستجديا الهدنة، لا يحز السيف البتار رقاب البهائم الصهاينة… فهل الاستقواء بكيان كهذا، لا يستطيع حتى حماية نفسه، مما اوصى به الدين الاسلامي القويم؟… و(فاقد الشيء لا يعطيه!). ان سماحة الامام الخميني (رض) لم يرد الاستقلال الكامل، لإيران والشعب الايراني المسلم فحسب، بل وأراده للمسلمين كافة، اولا ولجميع الشعوب المحرومة، الرازحة تحت نير الأمبريالية وأقزامها.

ثانية: ذلك لأن “… شعوب العالم المحرومة قد استيقظت من رقادها، ولن يمر وقت طويل حتى تنتهي هذه اليقظة، الى قيام ونهضة وثورة، تمكنها من النجاة من سلطة الظالمين المستكبرين.” (صحيفة الامام العربية، ج 21، ص 389). فاليوم وبعد مضي اثنين وأربعين عاما، على انطلاق الثورة الاسلامية المظفرة، نرى ان ايران تحولت الى قوة اقليمية عظمى، ليس في المجال السياسي والعسكري فقط، بل في مجالات أخرى كالطب والصناعة، والذي اخاف الغرب وأمريكا خاصة، هو الاكتفاء الذاتي في الصناعات العسكرية، على اختلاف وتنوع استخدامها، حيث شقت الطريق وتواصل التقدم فيه بخطى حثيثة، راسخة الى الأمام ، لبلوغ القمة في ذلك بإذن الله تعالى، ولولا تطورها هذا، لأصبحت لقمة سائغة، سهلة في حلقوم الأمبريالية الغربية، وعلى رأسها امريكا، وشتّان بين العهد البهلوي البائد، المظلم وعهد الثورة الاسلامية المشرق، كما اشار الإمام الخميني (رض) قائلا: “ألم تعلموا بأن بلدنا الاسلامي، كان في ذلك العهد، قاعدة عسكرية لأمريكا، التي كانت تراه مستعمرة لها؟ حتى كان كل شيء بدء من المجلس وحتى الحكومة والقوات المسلحة في قبضتها” (صحيفة الامام العربية، ج 21، ص 390)، موضحاً سماحته معالم الطريق، نحو رفعة ونمو البلاد وتطورها، بالقول: “اوصي الجميع بالإنطلاق وبالإتكال على الله تعالى، نحو تحقيق الهوية الذاتية والاكتفاء الذاتي، والاستقلال بجميع ابعادهما” (صحيفة الامام العربية، ج 21، ص 395)…

وما حل ببلدان العالم أجمع، ومنها ايران، على اثر جائحة كورونا، وامتناع قوى الاستكبار، عن مساعدة الدول الأخرى المنكوبة، في اللقاح المطلوب، بل وقيامها (اي القوى السلطوية) بنهب حاويات لقاح بعضها البعض، الا غيض من فيض، لدحض ادعائها وسلوكياتها الحيوانية ضد الانسانية جمعاء!…

وما قامت به ايران الثورة، بهمم رجالها الأشاوس، وشبابها المتحمس الغيور، وعلماء اطبائها واخصائيها، بإنتاج لقاحات متعددة، مؤثرة للقضاء والحد من (كورونا)، كلقاح “كوفو بركت” و “فخرا”، وتوفير الكمامات المتنوعة، والمواد المعقّمة بشكل واسع، وفي متناول الجميع، وإنتاجها داخليا، الا وميض برق يبهر العيون، ومكسب آخر يضاف الى مكاسب الثورة الاسلامية المجيدة، ومفجرها الفذ سماحة الامام الخميني (رض)، ودليل على الاستقلال الذي رفع ايران من الحضيض الى القمة…، “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون… ” (التوبة/ 105).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.