الشهيد الحريري عشية اغتياله: أقطع أصابعي العشرة ولا أوقع على دم المقاومة وأنا وكتلتي جميعنا لسوريا

mostafa-nasser

صحيفة السفير اللبنانية ـ
حكمت عبيد:

للوهلة الأولى، بدا وكأن شاهد الإدعاء لدى المحكمة الخاصة بلبنان مستشار الرئيس رفيق الحريري الزميل مصطفى ناصر، هو شاهد للدفاع أيضاً.

وبأناقته المعتادة وحضوره الهادئ، أضاء ناصر في شهادته النوعية، أمس، على مجمل العلاقة التي كانت تربط الرئيس الحريري بـ «حزب الله» وبالتحديد أمينه العام السيد حسن نصرالله ومعاونه السياسي الحاج حسين الخليل.

في الشكل، حاول الادعاء أن يحصر أجوبة شاهده بنعم أو لا، حتى تأتي في سياق يخدم فيه قضيته، وأهمّها حقيقة العلاقة بين الطرفين (الحريري وحزب الله) في طريق البحث عن حقيقة مَن اغتال الحريري.

أما في المضمون، فإن ما كشف عنه الشاهد من فحوى لقاءات الطرفين، باعتباره الشاهد الوحيد عليها والمؤتمن من قبل الطرفين على مضمونها، مسح الكثير من الغبار عن هذه النقطة المركزيّة في سيناريو الادعاء، وبالتالي في مضمون القرار الاتهامي.

وقد حاول الادّعاء اللعب على بعض المفردات لتحميل كلام شاهده، خلاف المضمون الفعلي لأقواله؛ خصوصا عندما نقل الشاهد ناصر قول نصرالله للحريري بأنني «لست زعيماً مثلك فأنا مسؤولاً أمام حزب وعليّ العودة إليه لتثبيت ما نتفق عليه من النقاط». فسأل الادعاء ما إذا كان ثمة «تردّد» لدى نصرالله في قبول مواقف الحريري من موضوعي سلاح المقاومة والانسحاب السوري، أو أنّه كان «حذراً» تجاه الحريري، ما اضطر الشاهد إلى أن يعيد ما قاله بوضوح أشد: «المسألة ليست حذر أو غير حذر، هذه نوايا، الموقف كان: مراجعة قيادة مجلس شورى الحزب».

ومن أهمّ ما جاء في إفادة شاهد الادعاء من لاهاي هو إعلانه أنّ الحاج حسين الخليل، زار الحريري في قريطم ليل الجمعة – السبت في 11 شباط 2005، وغاية الاجتماع الذي سبق استشهاد الحريري هي تسهيل مهمة خليل لترتيب زيارة الحريري إلى دمشق، لانهاء اشتباك بدأ عشية التمديد للرئيس اميل لحود.

وعندما حاول ناصر الاستدلال على إيجابية الحريري في هذا المجال من خلال المقابلة التي أجراها الحريري مع الزميل عماد مرمل في «السفير»(صبيحة يوم الاستشهاد)، قاطعه الادعاء ليسأله عن مضمون اللقاء بين الخليل والحريري، فأوضح ناصر أن البحث تناول إمكانية أن يتقبل الحريري أسماء قريبة من سوريا (ودائع) ضمن لوائحه الانتخابية في بيروت»، وأشار الى أن الحريري في بداية نقاشه مع الخليل كان رافضا لـ«الودائع»، مكتفيا بادراج محمد برجاوي كنائب يمثل المقاومة في العاصمة، ولكن بعد المحاولات المتكررة للخليل، وافق الحريري أن يسمي السوريون من يمثل أحد مقاعد الأرمن في بيروت، واعتبر خليل أن ذلك لا يكفي، فأصر الحريري على موقفه، على خلفية أن «الحقبة السابقة انتهت وأنا وكتلتي جميعنا لسوريا».

وقال ناصر إنه لفت نظر الخليل إلى أن الحريري كسر مبدأ رفض «الودائع» وهذه نقطة ايجابية يبنى عليها، ولما اصر الخليل على تنازل اضافي، اقترح ناصر اسمه كخيار قريب بين الطرفين، لكن الحريري قال له: «دعك من ذلك»، فكانت النتيجة أن سافر الحاج حسين إلى دمشق للتحضير للزيارة، واستشهد الحريري يوم الاثنين.

وكان الشاهد عرض مضمون الحوار بين نصرالله والحريري بعد التمديد للرئيس إميل لحود وصدور القرار 1559، فقال إن حوار الطرفين بهذا الخصوص بدأ بعد التمديد للحود، وبادر الحريري لذلك ولطلب التحالف «لأن البلد لا يحتمل أي فراغ».

وعن مسألة «التردد» لدى نصرالله للقبول بمواقف الحريري، قال ناصر: السيد نصرالله أجاب الرئيس الحريري «بأن صورة رفيق الحريري لدينا هو كمن يحمل سيف القرار 1559 ويهدد به، وقدومك للتحالف الانتخابي، يبدأ بنقاش حيال موقفك بشأن المقاومة. وكلما اتفقنا على ملف، أعرض ما نتفق عليه على مجلس الشورى لشرح الموقف للحزب».

وأشار ناصر إلى أنّ الطرفين اتفقا على تفسير الحريري لبند سلاح المقاومة وللقرار الدولي، فـ «حزب الله» لم يكن ليحلم بأن يأتيهم شخص بصدق وقوة الحريري، ويتحدث بوضوحه.

ولدى عرض ناصر لمضمون الحوار بين الطرفين بشأن «الارتدادات المذهبية الناجمة عن الاحتلال الأميركي للعراق»، قاطعه الادعاء ليعيد التركيز على حال الثقة بين الجهتين، فأعاد ناصر التأكيد على وصول الطرفين لفهم مشترك للقرار 1559.

وعن البندين المتبقيين من القرار 1559 بعد التمديد للحود، وهما سلاح الميليشيات وانسحاب الجيوش الأجنبية، نقل ناصر عن الحريري تفسيره للبندين خلال جلسة حوار بينه وبين نصرالله: «أنا رفيق الحريري أوافق وأشرعن، كرفيق الحريري وكرئيس وزراء، في حال فوزي بالانتخابات النيابية أن يبقى سلاح المقاومة حتى آخر ثانية قبل توقيع اتفاق سلام في المنطقة. وأنا لن أوافق على اتفاق سلام مع إسرائيل إلا آخر دولة عربية وبعد التوقيع السوري».

كما نقل ناصر عن الحريري: «أقطع أصابعي العشرة ولا أوقع على دم المقاومة».

وعن الموضوع السوري نقل ناصر عن الحريري: «أصر على أن يبقى الجيش السوري في البقاع كما ينص اتفاق الطائف وليس كما ينص القرار 1559، وسأوقع مع رئيس وزراء سوريا على اتفاقيّة شرعنة هذا الوجود في البقاع، فأنا لا أريد أن تنهزم سوريا في لبنان. أما بعد توقيع اتفاق السلام، فسيصبح السلاح بعهدة الحكومة وأنا مسؤول عنه».

ورداً على سؤال، قال ناصر: «نعم، نصرالله كان يتوجس سراً من نية من أصدر القرار 1559، فسعى الحريري لطمأنته، وعرض تفسيره للقرار بوضوح».

وحاول الادعاء حشر شاهده بأقوال أدلى بها الأخير أمام المحققين الدوليين بتاريخ 11 آب 2010، نقل فيها عن نصرالله قوله للحريري: نخشى التحالف معك عن بُعد، فأنت كمن يبدو آت لتنفيذ «القرار» ضدنا، وحكوماتك السابقة يملؤها الفساد». ثم تبع الادعاء رئيس الغرفة القاضي دايفيد راي الذي اقتطع من الافادة قول ناصر: «ينبغي على الحريري أن يقنعه بأنه ليس أميركياً وليس فاسداً حتى يمضي بالتحالف معه ويتمكن من إقناع الحزب». فأوضح ناصر: «نعم، قال له كل الحكومات التي ألفتها فاسدة وأنت آت ضدنا، فاتفقا على بدء الحوار وانتهيا بأن رأي الحريري بشأن موضوع السلاح، رأي يناسب الحزب، وتابعا الحوار…»، مؤكداً أن أبواب الحوار فُتحت على خلفية موقف الحريري بأنه مع سلاح المقاومة حتى توقيع السلام.

ورداً على سؤال للقاضية ميشلين بريدي بشأن اعتبار الحريري المقاومة ورقة من أجل التفاوض، أوضح الشاهد بأن هذا الموقف قاله الحريري وقصد به مرحلة ما بعد «السلام»، «فعندها السلاح سلاحي، فليس لدينا ورقة نفاوض عليها غير سلاح المقاومة، فتوقيع اتفاقية السلام، مسؤولية الحكومة، وهي تتصرف به».

ووصف ناصر ردة فعل نصرالله بالإعجاب والراحة والموافقة والدهشة، «ومن هنا بدأ الحوار السياسي يصب في مصلحة التحالف النيابي وتشكيل حكومة».

وكان الادعاء قد حاول استدراج ناصر في بداية الجلسة الى تفاصيل تقنية من نوع دوره في ملف «إليسار» ومجلس إدارة «تلفزيون لبنان» بصفته ممثلاً لحصة الرئيس الحريري. كما حدد ناصر بناء على طلب الادعاء على خريطتين موقعي الأمانة العامة للحزب قبل تدميرها في تموز 2006 ومنزله في محلة تلة الخياط، وبرر الادعاء هذا الإجراء «لأسباب سيعلن عنها لاحقاً».

وشهدت جلسة الأمس بدء الاستجواب المضاد الذي استهله محامي الدفاع عن المتهم حسين عنيسي المحامي المصري ياسر حسن الذي سأل الشاهد عن علاقته الحالية بالرئيس سعد الحريري، فأكد ناصر «إنني لا أزال مستشاراً لدى الشيخ سعد طالما أنه لم يبلغني بغير ذلك، وأنا ألتقي بصورة دائمة مع مدير مكتبه وأقرب الناس إلي هو الشيخ نادر الحريري». وعرض بعض مهامه مع الحريري وبينها متابعة ملف علاقته بإيران وأحياناً مع جهات داخل السعودية. وكشف عن دوره في استصدار رخصة لصحيفة «المستقبل» من الجهات المعنية في السعودية بمساعدة عبد الرحمن الراشد ومالك صحيفة «الشرق الأوسط» الأمير فيصل بن سلمان، نجل الملك الحالي.

www.assafir.com

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.