الشيخ خاتون.. في أحداق العيون

ahmad-ismael-khatoun

 

موقع إنباء الإخباري ـ
الشيخ أحمد اسماعيل:

ما كنت أحسب أني سأرثيك وأنك ستعجّل الرحيل، ولعلمي بأنك تعبت من وعثاء الدنيا عذرتك وفي القلب غصة، ولأن قلبك الكبير حمل ما لا يحتمل فلا يحق لي الاعتراض.

فكم مرّ على هذا القلب من غصات موجعة؟ وكم تجرع ممن لا يقدرون قيمة الجواهر الذين لا يمسحون جوخا ﻷحد وتلهج ألسنتهم بذكر الله..

أيها الشيخ الذي يليق بك هذا اللقب.. وأنت أهله.. المتواضع الذي اقتبس تواضعه من تواضع اﻷنبياء، كنبي الله عيسى ومحمد ونحن في ذكرى مولدهما الشريف، وعالم علامة يفيض علماً دون أن يحدث ضوضاء الشهرة والتفاخر، وكأنه لا يعلم بمستوى علمه وفضله..

بفقدك أيها الحبيب ندرك معنى أن يُثلم في اﻹسلام ثلمة لا يسدها شيئ… بفراقك أيها الطيب نفتقد السيد عباس الموسوي من جديد.

كانت مشكلتك – ياأبا علي- أنك كنت تستوعب هموم المهمومين والمكلومين وتعبش ألآمهم ويتألم لهم قلبك، وتنسى همومك أنت دون أن تفرغ همومك ﻷحد، والذي يهوّن الخطب ان هذا هو قدر الكبار.

لقد آثرت الصمت الذي قد يقتل صاحبه، وأخترت السكوت على الكلام المباح، أنك مشغول بما هو أفضل وأحسن وأقرب الى الله، واخترت أن تكون كالنحلة المعطاءة التي لا تمنّ على أحد أنها قدمت له عسلا. وهنا أتذكر كلام ﻷمير النحل علي بن أبي طالب (كن كالنحلة اذا أكلت أكلت طيبا، وإذا وضعت وضعت طيبا، وإذا وقعت على غصن لم تكسره) وكنت كعبير الورد وزهر الياسمين وعطر النعناع بحديثك الشيق واﻷخّاذ.

بلدتك – جويا- كانت شاهدة بدورها على أنك لم تعش طفولتك كأقرانك، فعقلك الراجح تفتّح قبل أوانه، ومنعك من مزاولة حقك كطفل وشاب.. وكبرت باكراً واخترت الهجرة إلى النجف اﻷشرف لتجد في العلوم الدينية ضالتك، وتعرضت هناك لظلم الطاغية صدام، وكان لي شرف أن أكون معك في سجنك، ولما طاولك التسفير ساهمتَ مع السيد عباس في تأسيس حوزة اﻹمام المنتظر في بعلبك، ولما بدأتَ عملك كمسؤول لمنطقة البقاع أيضاً كان لي شرف أن أكون معك، وقد رأيت فيك وفاء اﻷخ وإخلاص المعلم وتسديد المسؤول.

وإن أنسى فلا أنسى وقوفك بجانبي يوم استشهاد أخي الشهيد عيسى، حين لازمتني طول النهار ولم تأتِ لرفع العتب، وكان لوجودك بقربي البسلم لجرح فقد اﻷخ ﻷخيه، وكنتَ اﻷخ الحقيقي الذي لم تلده أمي، وكأنك أردتَ أن تقول لي ذلك، وأنت المكثر من الصمت في عالم يكثر فيها الثرثارون.

حين أبحث في شخصيتك أرى فيها المعلم الوفي المخلص والمخلص، وحين أرى هامتك أستحضر سيرة العلماء فأراهم فيك وأراك فيهم.

فيا حبيب القلب، يكويني والله فراقك، ويوجعني والله رحيلك المبكر، اعذرني إن قصّرت بحضرتك، حتى حين كنت تنظر إليّ وأنت على سرير المستشفى كنت تبتسم بينما كان قلبك ينزف وجعاً، وكنت العارف أنك على وشيك الرحيل.. حتى في هذه الساعات أهديتنا من ثغرك بسمات تختصر حياتك الباسمة في دنيا اﻷلم..

ففي أمان الله أيها الشيخ الحبيب..يرعاك ربي في مقعد صدق عند بارئ النفوس. فهناك الموازين العدل، وموازين السماء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.