الطريق إلى دمشق معروف

صحيفة الوطن السورية-

د. بسام أبو عبد الله:

سأكتب بمحبة وحرص، ولكن أيضاً بصراحة من يحب، وبأسئلة من يريد أن يضع النقاط على الحروف، إذ إنه بعد سنوات عشر من هذه الحرب الفاشية على بلدنا وشعبنا، يخرج علينا البعض ليتحدث عن أن غياب الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، هي السبب الأساسي لما وصلنا إليه، وأن إقامة نظام ديمقراطي يقوم على أساس مكونات اثنية وطائفية ومذهبية سيكون هو الخلاص، أي العودة لطرح ما روج له الأخضر الإبراهيمي عندما كان موفداً أممياً بالقول إنه لا حل إلا بـ«طائف سوري»، وهو أمر رفض تماماً آنذاك لأنه كان وما زال يعني تفخيخ الوطن والشعب والدولة، وتسليم زر التفجير للقوى الخارجية المشتركة في العدوان علينا، لتستخدمه حينما لا تتيسر مصالحها، وحينما تطلق تصريحاً لا يعجبها، أو حين لا تنبطح بالشكل المطلوب، أو تسلم ما هو مطلوب تسليمه من كرامة وطنية، وسيادة واستقلال، ألا يرى هؤلاء ماذا يجري من حولنا في لبنان والعراق والسودان وليبيا واليمن؟ هل بقي أحد في الكرة الأرضية لم يتدخل، وهل هناك طرف لم يستجلب كل قوى الخارج للاستقواء على قوى الداخل؟!

هل يريد هؤلاء أن أذكرهم أن أكثر من 82 دولة وقفت مع مجموعات ادعت تمثيل الشعب السوري، وأرادت فرضها علينا عنوة، اقتداء بتجارب مثيلة في بلدان عربية أخرى، من أجل الهيمنة والسيطرة باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وهل أذكّر كل مرة بتصريحات رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بأنهم، أي في إمارة قطر، أنفقوا أكثر من 137 مليار دولار لتدمير سورية، وإسقاط نظامها السياسي، والإتيان بـنظام سياسي لقيط ينفذ ما يطلب منه من كل حدب وصوب، أما آن للبعض أن يتوقف عن استغبائنا تحت عنوان «المظلومين» الاثنية أو الدينية، ليقنعنا أن نضالاته اليسارية والثورية لا تستوي إلا في حضن الولايات المتحدة، والدول الغربية، وأن قضيته العادلة لن تتحقق أهدافها إلا بدعم برنارد هنري ليفي، وصهاينة العالم! على من يضحك هؤلاء، ولماذا يريدوننا أن نظهر بمظهر الظالم؟ وهم بمظهر المظلوم الذي لم يفعل شيئاً سوى أنه أبقى أبناء شعبه جميعاً يموتون برداً في الشتاء ويقفون بالطوابير أمام محطات الوقود، وهو يُهرب نفطهم وثرواتهم تارة نحو عصابات ترعاها تركيا ليتاجروا معاً، فلا فرق في النهب والسلب بين يسار ويمين، وتارة بالشراكة مع المحتل الأميركي لتمويل احتلاله، وبقاء قواته التي ستحقق الحلم الموعود لهؤلاء بالحذاء الأميركي! على من يضحك هؤلاء؟!

أليسوا هم من أطلق العنتريات في عفرين بأنهم سيسحقون جيش الاحتلال التركي، ورفضوا دخول الجيش العربي السوري إلى هناك لقطع الطريق على المحتل التركي، وإذ بالنتيجة تهجير عشرات الآلاف من أبناء سورية، وهزيمتهم هزيمة منكرة، هذا إذا لم يكن هناك إيعاز أميركي لهم بترك المنطقة لجيش الاحتلال التركي!

أما آن لهؤلاء التوقف عن ادعاء المظلومية، وهم الذين أغلقوا المدارس الحكومية، واحتلوا مساكن موظفي الدولة، وخطفوا المواطنين العزل، والشبان لإجبارهم على الخدمة في ميليشياتهم الممولة من سرقة النفط السوري، ثم أما آن لهؤلاء من أن يتوقفوا عن الحديث عن الديمقراطية والخيار الديمقراطي لأن أبناء الجزيرة السورية خبروا ديمقراطية هؤلاء التي تقوم على فرض «عبادة الفرد» مع الاحترام لعبد اللـه أوجلان، ونشر الجواسيس في كل مكان، والاعتقال التعسفي، والادعاء بتمثيل أبناء المنطقة بقوة السلاح ومال النفط المسروق، وبمحاولة تقليد تجربة العراق التي تحول فيها إقليم شمال العراق إلى مركز متقدم للموساد الإسرائيلي بهدف تجنيد الجواسيس ضد إيران وسورية وحركات المقاومة.

إن تجربة ما يسمى «الإدارة الذاتية» تجربة فاشلة بامتياز، فلا حريات ولا ديمقراطية، ولا تنمية، ولا تطور، بل مجرد شكل كرتوني مدفوع الأجر مدعوم أميركياً وغربياً في محاولة لتهديد وحدة سورية وسيادتها، ذلك أنه لمن المضحك والهزيل أن تأخذ قيادات ما يسمى «إدارة ذاتية» تطميناتها من قائد القوات الأميركية الوسطى الجنرال ماكينزي ومن أعضاء الكونغرس الأميركي، وبعض صغار موظفي الخارجية الأميركية، وكأن دمشق أبعد من واشنطن، أو كأن المستقبل سيبنى على وعود كاذبة، وأوهام خلبية، ومع ذلك لا يفهم هؤلاء ما يجري وما يدور، ويعودون للعب على الحبال بين موسكو وواشنطن كلما أطلق رئيس النظام التركي تهديدات باجتياح مناطق يسيطرون عليها، وغير قادرين على الدفاع عنها، ذلك أن التصريحات العنترية خبرناها في عفرين!

وكي لا يفهم أحد من مقالي هذا أنني ضد أي شكل من أشكال الحوار مع هؤلاء، فإن شرحي السابق هو من باب كشف الحقائق التي لابد منها كي لا نستمر بلعبة التكاذب كما في كل مرة، إذ إن الدعوة للحوار تحتاج لقناعة قبل أي شيء آخر، وإلى صدق ثانياً، وإلى التوقف عن ادعاءات المظلومية، وخاصة أن مدعي المظلومية ظلموا ملايين السوريين، وأبناء الجزيرة السورية، وكانوا سبباً في دخول المحتل التركي، وفي واقع بنوه على أحلام طفولية لا مستقبل لها، ولأنني أكتب للمرة العاشرة عن هذا الموضوع بصراحة ووضوح لأقول الأشياء كما هي، ومن دون تجميل للواقع، فإنني أؤيد أي حوار جاد ومسؤول، وأرى في الورقة التي نشرتها المبادرة الوطنية للكرد السوريين أساساً معقولاً للنقاش والحوار، ولكن مع طرح التساؤلات الآتية:

1-عندما نقول الإقرار بالحقوق القومية المشروعة للكرد السوريين، وبضمانات دستورية، وعلى قاعدة العدالة والمساواة! ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني الدخول في دهليز مرفوض تماماً، لأن المادة التاسعة في دستور عام 2012 تنص على: «يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، وتعدد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية».

هنا المادة واضحة «حماية التنوع الثقافي للمجتمع بجميع مكوناته، وتعدد روافده» أي كل المكونات بلا استثناء، وأما ما يخص اللغة الكردية والثقافة الكردية فهذا أمر مطلوب ومرحب به، لكن لمن يعنيهم الأمر، وليس لكل السوريين، مع التأكيد على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الجامعة، وبالتالي لا أعتقد أن هناك عقدة في هذا الأمر طالما أن المادة التاسعة واضحة تماماً، لأن الدخول في التفاصيل ليس أمراً مطلوباً في الدستور، وليس قضية دستورية طالما أن النص الدستوري واضح تماماً.

لا عقدة في سورية بالنسبة للغة والثقافة أبداً، لأننا مجتمع متعدد ومتنوع، ولكن تعلم أي لغة بما فيها الكردية مسألة يمكن أن تتم في مدارس محددة وحسب الحاجة، وقد صدر تصريح منذ فترة من وزير التربية السوري أنه لا مانع في ذلك.

2-فيما يخص قانون الإدارة المحلية فأنا أرجو من الذين يتحدثون عنه أن يقرؤوه بتمعن ليروا أن فيه كل الصلاحيات التي تحتاجها أي بلدية، أو مجلس محلي، وهناك تأكيد سياسي عالي المستوى من الرئيس بشار الأسد بأن اللامركزية هي عنوان للتنمية والتطور في المرحلة القادمة، ولكن: اللامركزية الإدارية وليس السياسية، أو الأمنية، أو العسكرية، كما يطرح البعض، وإذا كان هناك حاجة لأي تطوير في القانون فلا أعتقد أن الحكومة السورية ستمانع في ذلك.

3-جانب مهم آخر: أنه من أجل الحديث مع الحكومة السورية لابد أولاً من إخراج كل الكورد الأتراك والإيرانيين، الممسكين بالقرار الأمني والعسكري، فلهؤلاء دولهم وأوطانهم، وعليهم الذهاب إلى هناك لحل قضيتهم، وبالتالي فإن مسؤولية الحكومة السورية هي مع أناس موحدين سوريين يعرفون ماذا يريدون، ويطرحون مطالب معقولة، والأهم أن يعلنوا وقوفهم ضد الاحتلال الأميركي، كما هو الحال ضد الاحتلال التركي، إذ لا يمكن لك أن تصرخ في وجه محتل تركي، وأنت تجلس في حضن محتل أميركي، فهذه كذبة كبرى بالمنظار الوطني، وبمنظار صدق النيات والتطلع للمستقبل.

أعتذر عن قسوة الكلام، ولكنها الحقائق التي لا يمكن غض النظر عنها، والتي ن حتاج لوضعها أمامنا قبل الحديث عن المستقبل، فالكرد السوريون بالطبع جزء أساسي من مكونات شعبنا ومجتمعنا، وما صدر من تصريحات مختلفة حول الدعوة للحوار هي تصريحات إيجابية بشرط واحد هو التوقف عن الكذب والنفاق من قبل بعض عملاء أميركا، وترك المجال للوطنيين الحقيقيين، وما أكثرهم في سورية، وساعتئذ سيعرفون أن الحل والربط في دمشق، وأن الطريق المستقيم فيها، ويقود إليها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.