المستوطن والجندي

quds-settlers-guns

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
محمد عبيد:
في فلسطين المحتلة، المبتلاة بأبشع أشكال القهر والقتل والاستعمار، تأخذ الوقائع والأحداث مساراً تصاعدياً وتصعيدياً، فيما يحاول المجتمع الدولي أن يجد تفسيراً أو حلاً لهذه المعضلة المزمنة، التي يدرك أنها لن تجد طريقها إلى الحل إلا عبر بوابة وحيدة، هي إنهاء الاحتلال الجاثم على صدور الفلسطينيين، وتمكينهم من تقرير مصيرهم، واستعادة حقوقهم كاملة، وبناء دولتهم المستقلة ذات السيادة .
وبينما يتخبط العالم المتقدم، عاجزاً عن إيجاد الحلول، فإنه مستمر في البحث عن وسيلة جديدة لتخدير الفلسطينيين على وجه الخصوص، في تواطؤ يخدم مصلحة الكيان الماضي في مخططات السلب والتهويد والتوسع، يخرج في الغرب من يدين دفاع الفلسطيني عن نفسه، ومن يحاول التفريق بين المستوطن المدجج بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، وجندي الاحتلال الذي لا يختلف عنه إلا بالملبس .
هناك محاولات “إسرائيلية” وغربية لمساواة المستوطن المتطرف الذي يستهدف الفلسطيني بالتعذيب والقتل، بالفلسطيني الأعزل الذي لا يجد ما يدافع به عن نفسه، وفي هذا تجنٍ على الحقيقة والواقع، ومشاركة في دعم الاحتلال ودعايته، وتمكينه من الإفلات بجرائمه ضد الإنسانية، لكن هذا لا يجب أن يمر ولن يمر على كل ذي ضمير .
المستوطنون صعدوا عدوانهم بشكل غير مسبوق خلال الأعوام القليلة الماضية، فقتلوا المدنيين الفلسطينيين وحرقوا مساجدهم ودنسوا أديرتهم، واعتدوا على منازلهم وخربوا محاصيلهم الزراعية ومصادر رزقهم، وكانوا في كل جريمة يرتكبونها إما يحظون بغطاء وحراسة من جيش الاحتلال، أو يشاركون الجنود في ارتكاب جرائمهم .
تكفي جرائم ارتكبها المستوطنون الأحد الماضي، لتشكل مثالاً بسيطاً ودليلاً دامغاً على هذا الواقع، فقد دهس مستوطن طفلاً فلسطينياً جنوبي الخليل، فيما اعتدى مستوطن آخر في ريف مدينة جنين شمالي الضفة على راعي أغنام كان يرعى قطيعه في أرضه، ورش مستوطنون مساحات من الأراضي الزراعية في بلدة يطا في الخليل بمواد كيماوية ما تسبب في تلف محاصيلها، ورغم أن هذه الاعتداءات قد لا تعطي صورة عن الجرائم الهائلة التي يرتكبها المستوطنون بحق الفلسطينيين، إلا أنها كافية لوضع حد لكل المتأثرين بالدعاية الصهيونية .
بالنسبة للفلسطينيين لا فرق بين مستوطن وجندي، فكل منهما يرتكب الجرائم، ويشارك في تطبيق مخططات الاحتلال، ويبذل الجهود لاقتلاع الفلسطيني من أرضه وتجريده من حقوقه، كما أن كلاً منهما صورة طبق الأصل للآخر، فقلما تجد مستوطناً ليس جندي “احتياط” في جيش الاحتلال، وقلما ترى مستوطناً يتنقل من دون سلاحه .
ورغم أن الاحتلال نجح في حمل الغرب على تبني دعايته القائمة على تزييف الحقائق، إلا أن ذلك لا يعني الاستسلام للكيان ومخططاته، ولا يعني التوقف عن محاولة نشر الرواية الحقيقية المثقلة بمعاناة الفلسطيني المستهدف في كل جوانب حياته، والملاحق بتهم مختلقة، تحاول أن تصمه ب”الإرهاب”، من عدو ينتهج إرهاب الدولة المنظّم، ولا يتورع عن ارتكاب أي جريمة مهما كانت فظيعة ومرفوضة .
الاحتلال آخذ في التصعيد أكثر فأكثر، فيما يجد كل الدعم من الولايات المتحدة والغرب، وليس أمام الفلسطيني إلا الاستمرار في المواجهة غير المتكافئة، والصمود في وجه هذا العدوان الشامل، والإصرار على استعادة حقوقه غير القابلة للتصرف والمساومة والمقايضة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.