الهبة السعودية والجيش الوطني!

hossein-khalil-lebanon-army

موقع إنباء الإخباري ـ
د. حسين خليل:
منذ الإعلان عن الهبة السعودية العسكرية للبنان، و البالغة قيمتها حسب المقرر 4 مليارات دولار( 3+1)، حامت الشكوك و التساؤلات حول سبب هذه الهبة وماهيتها وأهميتها الإستراتجية وخطورتها على الكيان الصهيوني ووجهة استعمالها ووقت تسليمها، وما الثمن بالمقابل.
ولكن كان من الواضح بأن هذه الهبة أتت بعد تصاعد الخلاف الداخلي بين القوى السياسية في البلاد في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان وفي ظل السياسة الحكومية الميقاتية حول الأزمة السورية وما سمي بالنأي بالنفس وإعلاان بعبدا ومعارضة قوى 14 آذار لمشاركة حزب الله في القتال الدائر في سوريا، وما رافق هذا الخلاف والانقسام من أحداث أمنية واستفاقة للخلايا الإرهابية النائمة والتي ضربت بعنف في أكثر من منطقة، موقعة المزيد من الضحايا و الأضرار المادية، وما كان من أحداث في طرابلس وعبرا و البقاع الغربي وعرسال، والتي تصدى لها الجيش وتعامل معها وفق إمكانياته المتاحة وجهوزيته المبتورة.
فالجيش اللبناني خاض أكثر من معركة ضد الإرهابين وأمراء المحاور (والذّين بات معروفاً لاحقاً من وقف خلفهم ودرّبهم وموّلهم) والخارجين على القانون. و في كل مرة، كان يظهر ضعف هذا الجيش وباقي القوى الأمنية الشرعية عتاداً وتدريباً، حيث وضعت هذه القوى الشرعية ومن خلفها الدولة اللبنانية في إمتحان المخطوفين العسكريين الصعب والذي ـ لحدّ الآن ـ لم يجد طريقه للحل، فكان لا بد من إعادة السعي لتسليح هذا الجيش لمواجهة الإرهاب الداهم.
وكان سابقا قد حُكي عن هبة إيرانية للجيش، وذلك في معرض ما يسمى “الجهوزية العسكرية” في وجه الجيش الإسرائيلي على الحدود بعد الانسحاب الإسرائيلي من الحنوب والبقاع الغربي عام 2000. وتكررت هذه الهبة الإيرانية بعد عدوان تموز 2006، إلا أن الخلاف الداخلي لم يكتب لهذه الهبة ـ وفي المناسبتين ـ النجاح، بحجّة أن إيران تحابي فئة معينة ومن لون معين في لبنان. بالطبع هذا السبب الظاهري، ولكن السبب الرئيسي لرفض الهبة الإيرانية هو معارضة إسرائيل ـ وبشدّة ـ لها، وعرقلة القوى الغربية لإتمامها، وضغطها على الحكومة اللبنانية والأفرقاء السياسيين لرفضها، تماشياً مع المصلحة الإسرائيلية، وتطبيقاً للحظر المطبق على إيران.
وتابعت الدولة اللبنانية سعيها لتسليح الجيش… ولكن.
ومع تطور الأحداث وتمادي الإرهاب بأبشع أشكاله، من قتل وذبح واغتصاب وسبي، وتهديم للمدن والحضارة وتهجير للأهالي وانتهاك للأديان والأعراف والإنسانية، في سوريا والعراق وبلدان “الربيع العربي المزعوم”، ومع خطر وصول نيرانه للبلدان المجاورة ومنها لبنان، وفي أجواء الحديث عن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العالم، أُعلن عن الهبة العسكرية السعودية “المكرمة” لمساعدة الجيش اللبناني في قطع يد هذا الإرهاب، ومعه كل المجموعات الإرهابية، ومنع تمدده إلى لبنان وانتشاره.
ولكن ما كان مبيتاً أنّ على الجيش اللبناني القضاء على “كل الأرهاب” بنظر الغرب، ومنه بالطبع حزب الله، في مقابل وعود غربية بالمساعدات المالية وبالتمديد للرئيس ميشال سليمان، فكانت الأسئلة تتسابق:
هل ستكون هناك مواجهة عسكرية بين حزب الله والجيش اللبناني؟ هل ستكون هناك فعلاً أي مساعدات؟ هل أن إسرائيل ستسمح بتلك المساعدات؟ ما هي نوعية المساعدات وأهميتها الإستراتحية؟
فعل الخلاف ما فعل في الحياة السياسية اللبنانية، على حميع مفاصل الدولة، وعطّلها، فلا تعيينات إدارية ولا انتخابات نيابية ولا “شي ماشي” واندرج الخطاب السياسي ما بين الخشب والذهب.
وجاءت استقالة حكومة الرئيس ميقاتي لتزيد من هذا الخلاف وليعيد كل فريق حساباته وتنقلاته في ظل أي تطور ومستجد داخلي وخارجي.
هذا الخلاف والتباعد في المواقف السياسية استمرا، ولكن الأمور لُجمت مع حكومة الرئيس سلام، التي شكلت وحُكمت بالتماسك وعدم التفجير من الداخل، كما سابقتها، لمواجهة الفراغ الرئاسي المحتمل ولتمديد نيابي مرجح، وهذا ما حصل بالفعل. عند هذا الحد وقف التصعيد الداخلي وكان علينا الإنتظار .
إنتظرنا وانتظرنا، ولكن الأحداث والتطورات المحلية والإقليمية والدولية لم تنتظر، بل تسارعت وتصعّدت بشكل دراماتيكي، حيث استمرت صراعات المنطقة واندلعت حروب جديدة هنا وهناك، في ظل أجواء اتفاق إيراني – غربي يسابق الزمن ما بين مؤيد ومعارض، مما زاد من حالة الإنقسام والاصطفاف الطائفي والمذهبي في البلاد والتي بلغت أوجها مع ارتفاع لهجة الخطاب السياسي بين حزب الله ومناصريه من جهة وبين تيار المستقبل ومؤيديه من جهة أخرى على خلفية أحداث اليمن ومن خلفها الصراع الإيراني – السعودي.
وهكذا تصل اليوم بشائر الهبة السعودية لصب الزيت على النار ولإظهار أن المملكة السعودية يالفعل هي الحريصة على لبنان وشعبه، اعتقاداً منها أن هذا الأمر سوف يؤدي إلى إضعاف جماهيرية الحزب وانفضاض الحلفاء والمؤيدين من حوله، خصوصا أبناء الطائفة الشيعية والتيار الوطني الحر ومن بقي يواليه من السنة والدروز.
فهل تكون طليعة هذه الهبة السعودية مقدمة لمواجهة عسكرية بين الجيش اللبناني وحزب الله؟!!
عدنا للانتظار..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.