انقلاب مجلس التعاون الخليجي على نفسه: مغازلة لقطر واعتذار لمصر

 

موقع قناة المنار:

 

عبداللطيف الزيانيساعات قليلة احتاجها عبد اللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للتراجع عن انتقادات  حادة كان وجهها إلى مصر في وقت سابق الخميس، على خلفية اتهام الأخيرة لقطربـ”دعم الإرهاب”… البيان الأول وصف اتهامات مصر بالباطلة والمجافية للحقيقة، تلاه آخر ينفي الأول ويعبر عن “دعم ومؤازرة جمهورية مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كافة المجالات”.

ماذا جرى خلال ساعات لينقلب مجلس التعاون الخليجي على نفسه ؟

التوتر مؤخراً بين القاهرة والدوحة  تفجر من جديد ، بعد إعلان مندوب قطر، خلال اجتماع المندوبين الدائمين بالجامعة العربية، تحفظه على بند يتيح لمصر توجيه ضربات عسكرية ضد مواقع تنظيم “داعش” في ليبيا، على خلفية قيام التنظيم المتشدد بذبح 21 قبطياً مصرياً ممن كانوا يعملون في الدولة العربية المجاورة.

ورد مندوب مصر، السفير طارق عادل، معتبراً أن “التحفظ القطري ليس مستغرباً، حيث يؤكد مرة أخرى خروج قطر عن الإجماع العربي”، وتابع بقوله: “وفقاً لقراءتنا في مصر لهذا التحفظ القطري، فإنه بات واضحاً أن قطر كشفت عن موقفها الداعم للإرهاب”، بحسب بيان للخارجية المصرية. وهو ما دفع بالدوحة لاستدعاء سفيرها من القاهرة.

 

المواقف الأخيرة استدعت توجيه المجلس الخليجي انتقادات “صادمة” إلى مصر. فأعرب عبد اللطيف الزياني، في بيان نشرته وكالات الأنباء العالمية، عن رفضه للاتهامات التي وجهها المندوب المصري لقطر، ووصفها بأنها “اتهامات باطلة تجافي الحقيقة”، وتتجاهل ما وصفها بـ”الجهود المخلصة، التي تبذلها دولة قطر، مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية، لمكافحة الارهاب والتطرف، على جميع المستويات، ودعم العمل العربي المشترك”، في لغة لم تشهدها العلاقات المصرية مع مجلس التعاون، وخاصة مع السعودية.

موقف الزياني أحدث صدمة في الشوارع المصرية والخليجية. أكثر من  29 مليون تعليقاً مصرياً خلال ساعات يشتم قطر، وخليجياً اندفع سعوديون وإماراتيون وبحرنيون للتغريد دعماً لـ”هاشتاغ” باسم “تصريح الزياني لا يمثلني”..

اجتهد مجلس التعاون لايجاد مخرج فكان ان نفى تبنيه رسمياً… إلا أن نفيه احتاج لساعات كانت كفيلة بإحداث بلبلبة وطرح تساؤل:  إلى اين ستصل العلاقات الخليجية-المصرية؟ وكثرت بموازاته التحليلات عن سياسات للقيادة السعودية الجديدة متمايزة عن سابقتها… خصوصاً وان مواقف مجلس التعاون تعبر عن مواقف المملكة العربية السعودية نفسها.

ساعات قليلة عاد الزياني ليصدر بياناً ثانياً، نفى فيه “ما تداولته وسائل الإعلام من تصريحات نسبت إليه حول العلاقات الخليجية – المصرية”. وقال إن دول المجلس تؤكد “وقوفها التام مع مصر وشعبها الشقيق في محاربة الإرهاب وحماية مواطنيها في الداخل و الخارج”. وشدد الزياني  على أن دول المجلس “تسعى دائماً إلى دعم ومؤازرة جمهورية مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كافة المجالات… باعتبار أن أمن واستقرار مصر من أمن واستقرار دول الخليج، خاصة في ظل الظروف الدقيقة والحساسة التي تمر بها المنطقة والعالم بأسره”.

والمثير للاهتمام أن اليبيان الاول لم تتناقله وسائل الإعلام في غالبية الدول الخليجية، ماعدا قطر، بعكس البيان الثاني، الذي سارعت وكالات الأنباء الرسمية الخليجية إلى تناقله، باستثناء قطر أيضاً.

فما حقيقة ما جرى؟

السعودية وكسب الود القطري والمصري

فؤاد ابراهيميعتبر الباحث والكاتب في الشأن السعودي فؤاد إبراهيم أن ما جرى أُريد منه  ايصال رسالة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “بأن الوضع لم يعد كما كان سابقاً، فقطر اليوم جزء من التركيببة الخليجية بعد عودتها الي بيت الطاعة الخليجي، وبالتالي فيبنغي على السيسي مراعاة التطور الجديد في العلاقة السعودية القطرية”.

ورأى فؤاد إبراهيم، في اتصال مع موقع المنار،  أن البيان الأول أتى “تضامناً شكلياً” مع قطر ازاء الاتهامات بدورها بدعم الارهاب. فيشير الكاتب السعودي إلى اعتبارات وتطورات تحرص على ابقاء قطر ضمن البيت الخليجي. يقول إبراهيم: “السعودية سعت لذلك كثيراً، وكان العمل عليه جدياً فقد زار محمد بن نايف قطر لتأكيد العلاقة بين بلاده والإمارة الخليجية”، في ظل ما تواجهه السعودية من تحديات في المنطقة، ومن التهديد الذي تراه في تطورات المشهد اليمني.

ورغم حاجتها الاقتصادية إلى الهبات الخليجية، إلا أن أنه لا يمكن التعاطي مع مصر على انها دولة تخضع  بسهولة للخليج، وفق ما يقول الباحث السعودي، مستحضراً ” تسريبات السيسي وحديثه عن أن دول الخليج كيانات غير حقيقية ويجب ان تدفع ثمن حماية مصر لها منذ حرب الخليج الثانية”.. ويضيف أن مصر تسعى بأن لا تكون محسوبة على محور محدد ولذلك انفتحت على روسيا، كما أنها حريصة على صورتها “المحاربة للارهاب” والتي ترضي بها الدول الغربية.

ويرى فؤاد ابراهيم أن البيان الأول أتى ارضاءً لقطر، تماماً كما اهتم الثاني بكسب ود مصر،  إلا أنه يرى أن هناك ضبابية تحيط بالعلاقات المصرية-السعودية بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة.

ضغوط قطرية وراء البيان الأول.. والثاني أتى كاعتذار

أسامة الدليلبالمقابل، يرى رئيس قسم الشؤون الدولية في “الأهرام العربي” أسامة الدليل أن بيان الزياني الثاني لم يكن نفياً للبيان الأول بقدر ما كان اعتذاراً عن “تقدير غير موفق للموقف”.

ويكشف الدليل، في حديث لموقع المنار، أن البيان الثاني أتى بعد مشاورات داخل الخارجية المصرية، التي شعرت بصدمة جراء البيان الأول. وشملت المشاورات “التباحث حول سُبل الرد ودراسة الرد والتباحث مع الأطراف المعنية لطلب تفسير لهذا الموقف”، كما أنها اتت مترافقة مع اتصالات دبلوماسية مع عدد من السفراء، مستوضحة عن خلفيات البيان.

يعتبر الدليل أن ما نشر عن بيان الزياني الأول، أتى نتيجة ضغوط قطرية. وبعد ساعات “أتى البيان الثاني ليُنهي الأزمة ويقطع الطريق على أي رد مصري مقابل”.

ويؤكد الصحافي المصري ان الاتهامات المصرية التي فجرت الأزمة ليست يتيمة، بل تدعمها معلومات كشفت عنها وثائق بريطانية رسمية مسربة، وتقارير للصحافة الأجنبية، التي تتحدث يومياً عن دعم قطر للجماعات الارهابية. ويجزم الدليل أن قطر بامكانياتها المادية “لا يمكن ان تناطح الدولة المصرية بحكم المكانة والدور”.

إذاً…هما بيانان متناقضان، سواء أكانا مغازلة ود طرفين متصارعين، أم اعتذار عن خطأ… فهل هو ضعف سعودي بدأ يتكشف؟ أم أنه تخبط في إدارة ملفات منطقة تعيش على صفيح ساخن؟

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.