بأقل من “سعر التكلفة”

merkel-natanyaho

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
محمد عبيد:
لم تستطع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الثبات على موقفها من السياسة “الإسرائيلية”، وتعثر عملية التسوية، عندما قررت عدم المضي في صفقة بيع الكيان الصهيوني 3 سفن صواريخ، يزعم أنها ل”حماية” حقول الغاز في البحر المتوسط، وبالكاد مر قليل من الوقت حتى عادت عن موقفها الهش خاضعة .
لكن هذه العودة غير المحمودة عن الموقف من الكيان وعدوانه وسياساته، لم تكن مجرد تغيير في الموقف، بل جاءت على شكل تغيير مع “تخفيض” أقرته برلين على سعر الصفقة، التي تكاد تكون ب”سعر التكلفة” كما يقال، أو أقل، فبعد مفاوضات “مطولة” حسب ما يزعم في الكيان، بين الجانبين وافقت ألمانيا على بيع “إسرائيل” ثلاث سفن صواريخ ومنحتها تخفيضاً بقيمة 300 مليون يورو من سعر الصفقة الأصلي الذي حدد بتسعمئة مليون يورو .
حسم “تشجيعي” غير مسبوق، قدمته ألمانيا لكيان الاحتلال والتخريب والقتل، أثبت أنها ما زالت عاجزة ومكبّلة أمام عقدة “الذنب التاريخي” تجاه “الإسرائيليين”، الأمر الذي يلعب الكيان على وتره في كل مناسبة تحاول فيها برلين أن ترفع مستوى اللهجة ضده وضد جرائمه وسياساته .
لكن الأنكى في الأمر أن تغيير الموقف الألماني لم يكن إلا نتاجاً لاتصالات أجراها وزير الخارجية “الإسرائيلي” أفيغدور ليبرمان، أحد أكبر الجلادين الغارقين في الدم، وأحد الأشد تطرفاً في كيان العنصرية والتطرف .
مثل هذه “التنزيلات” تشجّع الاحتلال على المضي في إجرامه وتعنته، فهو يرى بأم العين أن العالم الغربي ليس إلا تابعاً ذليلاً ملتزماً تلبية رغباته ومطالبه، من دون حد أدنى من المواقف النابعة من الإنسانية المزعومة، أو الحقوق والحريات التي يدعي الحرص على حمايتها وصونها، الأمر الذي لا يحمل على الاستغراب، أو حتى التساؤل، في ظل الارتهان الغربي الكامل لمصالح الكيان .
أين هي الأحزاب الألمانية المزعومة من مثل هذه الصفقة؟ ولماذا لم نسمع منها موقفاً ولو مندداً بالقيمة المجحفة لها، بصرف النظر عن الطرف الذي تم التعاقد معه؟ وكيف تسمح قوى ديمقراطية وسلام وأحزاب “خضراء” أو من أي لون آخر بتمرير هذا الأمر؟
هذه الخطوة، وغيرها كثير من سياسات الغرب بشكل عام، تؤكد الحرص على تعزيز قوة الاحتلال من دون أدنى التفات إلى كيفية استخدامه إياها، وإلى أين يوجهها، وفي أي جرائم يوظّفها، فما حاجته إلى ثلاث سفن مذخّرة بالصواريخ الألمانية؟ إلا أن يستخدمها في إراقة المزيد من الدم الفلسطيني، ويوظّفها في إرهاب الدولة المنظّم الذي ينتهجه .
على أي حال، ليس من الوارد أن نرى تغييراً يذكر في سياسات الغرب، وهذا ناتج بالضرورة عن ضعف المستويين الرسميين العربي والفلسطيني على حد سواء، وعجزهما عن تشكيل حالة ضاغطة على المجتمع الدولي، بما يؤسس لعلاقات وسياسات متوازنة مع قضايا المنطقة، وعلى رأسها الصراع العربي – “الإسرائيلي”، وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية في هذا الاتجاه .
ومع انشغال العالم بعدد لا متناهٍ من الصراعات والأزمات والكوارث، ستمر هذه المسألة مثلما مر غيرها، من دون تعليق أو تنبه، وستمضي الأمور بشكل طبيعي، لكن غير الطبيعي، ما تحصل عليه “إسرائيل” من هدايا، وجوائز مجانية، على استمرارها في اقتراف الجريمة تلو الأخرى بحق الفلسطيني وقضيته .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.