بيتروف وبّخه الاتحاد السوفياتي وكرمته الأمم المتحدة… حكاية رجل ربما كان أنقذ العالم!

Stanislav Petrov - RUSSIA

موقع إيلاف ـ
نصر المجالي:

في عام 1983 كان الضابط الروسي ستانيسلاف بيتروف مكلفًا برصد اي هجمات قد تشنها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، وفجأة تلونت شاشة الرادار امامه باللون الأحمر، وما كان عليه سوى إعلام قيادته بوقوع هجوم اميركي والذي يعني اشتعال الحرب العالمية.

لم يحظ الضابط السوفياتي الابطال ستانيسلاف بيتروف بالتكريم كالأبطال إلى اللحظة من جانب بلاده روسيا بعد مرور ثلاثين عاماً على إنقاذه العالم من كارثة نووية كادت تقع، بل إنه تم توبيخه وإحالته إلى التقاعد المبكر مقابل 200 دلار شهرياً.

ولا أحد كان يعرف ما كان يمكن تصوره لو أن الضابط السبق بيتروف لم يتجنب ضغطة على الزر الأحمر، وبذلك تجنب كارثة عالمية محققة منه إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بفترة وجيزة.

الحكاية أعادها إلى الأذهان مجدداً تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية أجرت خلاله مقابلة مع الضابط السوفياتي السابق بيتروف الذي كان في العام 1983 يتسلم موقعاً حساساً كضابط مناوب لدى القوة العسكرية في الإتحاد السوفياتي، وكان عمله عبارة عن مراقبة شاشة رصد عن طريق الأقمار الصناعية تحذر من أي هجوم صاروخي على الإتحاد السوفياتي.

تجنب كارثة

وقال تقرير (بي بي سي) إنه منذ ثلاثين عاما، وبالتحديد في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 1983، أنقذ العالم من كارثة نووية محتملة. ففي الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، تمكنت أنظمة الإنذار المبكر التابعة للاتحاد السوفيلتي من رصد هجمة صاروخية أطلقتها الولايات المتحدة.

إذ أظهرت قراءات الحاسوب إطلاق عدة صواريخ، فيما كان بروتوكول الجيش السوفياتي هو الرد على مثل هذه الهجمة بأخرى نووية.

إلا أن الضابط ستانيسلاف بيتروف، الذي كانت مهمته تسجيل الهجمات الصاروخية التي يطلقها العدو، قرر عدم نقل خبر تلك الهجمة إلى الرتب التي تعلوه، ووصفها آنذاك بأنها إنذار كاذب.

وكان ذلك بمثابة مخالفة للتعليمات التي كُلف بها، وتقصيرا في أداء واجبه. وكان أسلم حل لذلك هو أن يقوم بتمرير المسؤولية إلى الجهة التي ترأسه، وقد يكون هذا القرار أنقذ العالم.

وبعد 30 عاما من تلك الواقعة، قال بيتروف للخدمة الروسية في بي بي سي : “كانت لدي كل البيانات التي تجعلني أقول بأن هجمة صاروخية قادمة. ولو كنت أرسلت تقريري إلى رؤسائي، ما كان لأحد أن يراجعني بكلمة حيال ذلك.”

وكان بيتروف، الذي تقاعد من الخدمة العسكرية برتبة مقدم ويعيش حاليا في بلدة قريبة من العاصمة الروسية موسكو، ضمن فريق تلقى تدريبا على أعلى مستوى في قواعد الإنذار المبكر التابعة للاتحاد السوفياتي القريبة من موسكو، وكان تدريبه صارما وتعليماته واضحة.

وتركز عمله على تسجيل أي هجمات صاروخية ونقل تلك المعلومات إلى القيادة العسكرية والسياسية السوفياتية. ففي المناخ السياسي الذي كان يشهده عام 1983، كان حدوث هجمة انتقامية أمرا حتميا.

إلا أنه عندما حانت اللحظة، تسمر في مكانه. وأضاف قائلا: “انطلقت صافرة الإنذار، إلا أنني جلست لبضع ثوانٍ أحملق في تلك الشاشة الحمراء الضخمة التي تحمل كلمة “إطلاق”.

تحذير عال

وأظهر نظام التحذير تأكيدا على أن هذه المعلومة يمكن الاعتماد عليها “بدرجة عالية”، لذا لم يكن هناك شك في أن الولايات المتحدة قد أطلقت أحد صواريخها.

وتابع بيتروف: “بعد دقيقة واحدة، خمد الإنذار مرة أخرى. وما لبث أن أتبع ذلك الصاروخ بآخر، ثم ثالث ورابع وخامس، لتتغير شاشات الكمبيوتر لدينا من إنذار “بالإطلاق” إلى “هجمة صاروخية”.

وبينما كان بيتروف يروي وقائع تلك الحادثة التي من المؤكد أنها مرت على ذهنه مرات ومرات، كان يدخن سيجارة روسية من نوع متواضع.

وتابع بيتروف قائلا: “لم تكن هناك قاعدة تدور حول المدة التي يسمح لنا فيها بالتفكير قبل نقل المعلومة عن هجوم صاروخي إلى قياداتنا. إلا أننا كنا نعلم أن كل ثانية من التباطؤ في اتخاذ القرار ستكون مؤثرة، فالقيادات العسكرية والسياسية كانت في حاجة لإخطارها دون أي تأخير.”

وأردف قائلا: “كل ما كان يجب علي فعله هو أن أهرع إلى الهاتف وأتصل عن طريق الخط المباشر بالقيادة العليا، إلا أنني لم أستطع التحرك. لقد كنت في موقف لا أحسد عليه”.

وعلى الرغم من أن طبيعة الإنذار كانت تبدو واضحة، إلا أن بيتروف كانت تساوره بعض الشكوك حياله.

رصد صواريخ

فإلى جانب خبراء تكنولوجيا المعلومات مثله، كان الاتحاد السوفياتي يضم خبراء آخرين يعملون أيضا على مراقبة قوات الصواريخ التابعة لأميركا. حيث وردت تقارير عن مجموعة من فنيي رادارات الأقمار الصناعية تخبره بأنها لم ترصد أية صواريخ.

ولم يكن أولئك الفنيين لم يكونوا سوى أفرادا من خدمة الدعم، بينما ينص البروتوكول على أن القرار يجب اتخاذه بناء على قراءات الكمبيوتر، لذا فقد كان هو المسؤول عن اتخاذ ذلك القرار بصفته الضابط المناوب.

إلا أن الطريقة التي ظهر بها ذلك الإنذار قويا وواضحا هي التي جعلت الشكوك تساوره. وقال الضابط المتقاعد: “كان هناك ما يقرب من 28 إلى 29 مستوى أمني”.

بعد التحقق من الهدف، كان لابد أن يمر بكل تلك النقاط، ولم أكن متأكدًا بما فيه الكفاية إذا ما كان ذلك ممكنا في تلك الظروف”.

وحينها، هاتف بيتروف الضابط المناوب في القيادة العليا للجيش السوفييتي وتحدث إليه عن وجود خلل في النظام. ولو أخطأ، لوقعت أولى التفجيرات النووية بعد دقائق من ذلك.

وعلق بيتروف مبتسما: “أدركت بعد مرور ثلاث وعشرين دقيقة أنه لم يحدث شيء، وهو ما جعلني أشعر بارتياح كبير.”

لم يكن واثقاً

واليوم وبعد مرور 30 عاما على تلك الواقعة، يعترف بيتروف أنه لم يكن واثقا بنسبة 100 في المئة أن ذلك الإنذار كان كاذبا.

وقال إنه كان الضابط الوحيد من أفراد فريقه الذي تلقى تعليما مدنيا، مضيفا أن جميع زملائه في الفريق كانوا عسكريين محترفين تعلموا كيفية توجيه الأوامر وتنفيذها.”

لذا، فهو يعتقد أنه لو كان ضابط آخر مناوب في تلك الوردية، لكان الإنذار قد أطلق ضد تلك الهجمة.

وبعد عدة أيام، تلقى بيتروف توبيخا رسميا على ما حدث في تلك الليلة، ولم يكن ذلك بسبب ما قام به، بل بسبب أخطاء رصدت في سجله اليومي.

ولم يتحدث بيتروف عن تلك الواقعة لعشر سنوات، وقال: “كنت أرى أنه من المخجل أن يقع نظام الجيش السوفييتي في مثل هذا الخطأ.”

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، نشرت تلك القصة في الصحف، وتلقى بيتروف على إثر ذلك العديد من الجوائز العالمية، مع أنه لا ينظر إلى نفسه على أنه قام بعمل بطولي. ويعلق قائلا: “تلك كانت وظيفتي، لقد كانوا محظوظين لأنني كنت في تلك الوردية دون غيري من الزملاء.”

رواية أخرى

وفي رواية أخرى تابعتها (إيلاف) عبر محركات البحث تبين انه في الأول في سبتمبر في العام 1983 فجر الإتحاد السوفياتي طائرة كورية مدنية ظنوا إنها طائرة عسكرية قتل فيها 269 شخص مدني ومن بينهم كان عضو كونغرس أميركي.

هذا الحادث زاد سخونة التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي اصابه هاجس توقع أي رد فعل عسكري من الولايات المتحدة في أي وقت بإستخدام قوة نووية!.

بعد عدة أسابيع من تلك الحادثة وفي تاريخ 23 من سبتمبر تحديداً، مرض ضابط المراقبة المناوب في ذلك اليوم وأضطر يومها بيتروف أن يعمل مناوبة إضافية، فجأة باتت الشاشة أمامه باللون الأحمر، صاحبها صوت إنذار كفيل بإيقاظ الميت من قبره.

الجهاز كان ينذر بإنطلاق خمسة صواريخ من أميركا بإتجاه الإتحاد السوفيتي! كل ما كان على بيتروف عمله هو أن يضغط الزر الأحمر أمامه ليشعل الحرب العالمية الثالثة، ينتهي معها العالم بأسره.

ذهول تام

لمدة خمسة عشر ثانية كان في حالة ذهول تام، ولأن بيتروف كان قد تدريب على أن يصبح ضابط وعالم، أخذ بعض الوقت ليحلل الوضع أمامه فظهر له أنه من الصعب أن ترسل أميركا خمسة صواريخ دفعه واحدة (ربما كانوا سيرسلون رقم أكبر بكثير) ثم حاول فحص معلومات الرادار بدقة أكبر وعندها لم يجد دليل واضح على إن المعلومات كانت نتيجة خطأ.

لم يرد بيتروف أن يتجاهل تلك الصواريخ ويدعها تدمر بلاده ولم يشأ أيضاً أن يضغط على الزر ويبدأ حربا كبرى بسبب خطأ فني! عندها إتخذ قراره المصيري بأن لا يضغط على الزر بإتباع حدسه ولحسن الحظ العالم إنه إتخذ هذا القرار وعليه أنقذ العالم من موت ملايين من الأرواح البريئة لأنه بالفعل كان خطأ فني في الجهاز.

لسوء الحظ بيتروف لم يحظى بالتقدير الأبطال لدى القيادات السوفياتيه بل إنه وبّخ و عنف فيما لو كان الإنذار حقيقي وأصيب الإتحاد السوفياتي بإصابات قاتله دون أن يتحرك بشيء.

وعليه تم إرغامه على التقاعد المبكر مقابل راتب يعادل 200 دولار فقط، طبعاً لم يعرف شيء عن ذلك إلا بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي بفترة وتم تكريمه من قبل الأمم المتحدة على ذلك القرار ورشح أيضاً للحصول على جائزة نوبل للسلام.

وأخيراً، فإنه ربما لم يعمل بيتروف شيء بعدم ضغطه على الزر الأحمر، لكن ذلك كل ما كان يجب أن يعمله لينقذ العالم من حرب لا يمكن تصور نتائجها.بيتروف وبّخه الاتحاد السوفياتي وكرمته الأمم المتحدة… حكاية رجل ربما كان أنقذ العالم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.