تركيا وداعش ورقصة الغاز الطبيعي

caspian-sea-map1

صحيفة البناء اللبنانية ـ
إبراهيم علوش:
ليس أبو عمر الشيشاني القائد العسكري العام لداعش وللهجوم الداعشي على “عين العرب”، في الواقع، شيشانياً، إلا من جهة الأم، أما من جهة الأب، فإنه: 1) جورجي، 2) مسيحي ارثوذكسي، واسمه الحقيقي طرخان باتريشفيلي، كما أنه كان، بصفته الجورجية تحديداً، رقيباً في الجيش الجورجي في وحدة استخبارية، وقد شارك في الحرب الروسية-الجورجية في صيف عام 2008 كجاسوس مكلف باستطلاع مواقع طوابير الدبابات الروسية وإرسال إحداثياتها لوحدات المدفعية الجورجية، حسب مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في 19 تشرين ثاني 2013 تناولت سيرة وشخصية السيد طرخان باتريشفيلي بعدما لمع نجمه في قيادة الهجوم على مطار منغ العسكري في حلب قبلها بأشهر.

الإسلام، طبعاً، يجب ما قبله، واعتناق أي دين خيار شخصي بالنهاية، مع أنه ليس من الواضح متى وكيف تحول السيد طرخان باتريشفيلي للإسلام؛ وكذلك يجب أن نحترم رغبة المرء بتغيير اسمه كما يشاء لو تساءلنا مثلاً لماذا لم يتبنَ باتريشفيلي لقب “أبو عمر الجورجي”، بما أنه ولد في جورجيا من ابٍ جورجي! أما المشاركة بصفة استخبارية في حرب ضد روسيا، فيما كان ديفيد خزرشفيلي، وزير الدفاع الجورجي آنذاك، يحمل الجنسية “الإسرائيلية”، وفيما كان الكيان الصهيوني يقف بقوة مع جورجيا ضد روسيا، فمسألة مختلفة تماماً لا بد من التوقف عندها، خاصة أن السيد طرخان باتريشفيلي ما برح يفاخر بدوره في تلك الحرب كما تنقل عنه بعض المواقع التكفيرية.

الأغرب هو اللحظة التي تحول فيها باتريشفيلي إلى تكفيري في السجن بعد الحكم عليه بثلاث سنوات في بلده جورجيا بتهمة شراء وتخزين السلاح ليطلق سراحه بصورة غير مفهومة بعد ستة عشر شهراً فقط، في بداية عام 2012، وليتجه إلى مصر ردحاً من الزمن، حيث التقى شخصيات إسلاموية وخليجية وتركية مختلفة اقنعته بالتوجه لسورية بدلاً من القوقاز لقتال الروس كما كان يأمل، بعدما تم إقناعه أن حزب البعث في سورية حليفٌ لروسيا و”كافر” مثلها وقتاله مثل قتالها، لتنتهي به الحال في سورية في آذار 2012 على رأس “لواء المهاجرين” المكون من عناصر اجنبية. هنا يصبح السؤال أيضاً: كيف اصبح الرقيب فجأةً قائد لواء، أو حتى قائد كتيبة؟! وكيف تأهل لمثل هذا الدور وهو قابعٌ في السجن؟!

العبرة هي أن السيد طرخان باتريشفيلي الجورجي، وغيره من عشرات آلاف العناصر الإرهابية التكفيرية الأجنبية، لم تهبط على سورية من السماء إنما تم استقطابها عبر شبكة إسلاموية-خليجية، كما تم تأطيرها وإمرارها لسورية وللعراق في تركيا وعبرها على مدى سنوات، وها هم الآن على ابواب “عين العرب” وبلدات الأنبار والحسكة وريف حلب، وعلى أبواب بغداد وغيرها. وإذا كانت سيرة باتريشفيلي تكشف عمق الصلة بين الحرب على روسيا في جورجيا والحرب على سورية، فإن أحد ابعاد تلك الصلة هو تركيا العدو التقليدي لروسيا، والمستعمر التاريخي للعرب عامة وللهلال الخصيب خاصة، على مدى قرون.

وإذا كانت استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم تهدد النفوذ التركي في محيط البحر الأسود بشكلٍ مباشر من الشمال، فإن استعادة روسيا لأبخازيا المطلة على البحر الأسود من جورجيا عام 2008 طوقت النفوذ التركي من الشرق. والمسألة لا تتصل بالأوزان النسبية للدول في الحقل الجغرافي-السياسي فحسب، بل بخط انبوب الغاز “نابوكو” الذي كان يفترض أن يبدأ من بحر قزوين عبر جورجيا، وفي خط آخر من العراق، ليتصل الخطان في تركيا ثم للنمسا عبر خط غازي يقارب طوله الأربعة آلاف كيلومتر، أغلبها في تركيا، في محاولة لتحرير أوروبا الغربية من الاعتماد على الغاز الروسي، وبالتالي محاولة تحجيم روسيا سياسياً واقتصادياً. فمحور المعركة يبقى: من سيسيطر على المناطق التي تقع فيها منابع ومسارات خط “نابوكو” الغازي الذي يمثل مشروعاً استراتيجياً يمس توازنات القوى الدولية؟ وأي الخطين الغازيين سيفرض نفسه: خط “نابوكو” برعاية تركية، أم خط “المسار الجنوبي” الروسي المنافس الذي يفترض أن ينقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود وبعض بلدان أوروبا الشرقية إلى النمسا؟

الصراع الدولي والإقليمي على أشده، وتركيا وروسيا قطبا نقيضٍ فيه، وخط “المسار الجنوبي” الروسي الذي بدأ تشييده في نهاية عام 2012 كان مجبراً على المرور في المياه التركية في البحر الأسود إذ كانت أوكرانيا تعيق مروره عبر مياهها. أما بعد سيطرة روسيا على القرم، فإن ذلك لم يعد مشكلة، أي أن السيطرة على القرم لا تهمش تركيا غازياً فحسب، بل تفتح خطاً أقصر لـ”المسار الجنوبي”، مما يفسر ضرورة إشعال معركة أوكرانيا بالنسبة للغرب، ولماذا يعض بوتين على القرم بالنواجذ فيما يطالب بحكم ذاتي فقط للمناطق الروسية في أوكرانيا.

تركيا التي ترفض السماح للأكراد أن يرسلوا التعزيزات لإنقاذ “عين العرب” من الحملة الداعشية التي يقودها طرخان باتريشفيلي الجورجي لا تكتفي بذلك، بل تستمر بالمتاجرة وشراء النفط من “داعش”، فحزب العمال الكردستاني أو الاتحاد الديموقراطي الكردي التابع له قوة غير مضمونة أيديولوجيا بسبب توجهها اليساري، وغير مضمونة سياسياً بسبب اعتبارها أقرب مما يجب للدولة السورية. والمطلوب هو إما أن يطالب الأكراد السوريون بالحكم التركي أو أن تفرش “داعش” بحراً من دمائهم فوق مناطقهم حتى يصبح “إنقاذهم” من قبل تركيا “مطلباً دولياً”.

من الواضح أن “داعش” وأخواتها كانت حتى اللحظة أداة للسياسة الخارجية التركية، ومنه وعد السيد طرخان باتريشفيلي الجورجي بالعودة مع زملائه لـ”الجهاد” ضد روسيا إذا بقوا احياء، كما يظهر أحد فيديوهاتهم على موقع يوتيوب، وإذا كانت الأحزاب الانفصالية الكردية المستفيد الأول من تفكك الدولة العراقية، فإن لتركيا حسبة مختلفة مع حزب العمال الكردستاني يفرضها تأمين خط “نابوكو”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.