تموضع بن سلمان الجديد: الدوافع والإنعكاسات

مركز دراسات غرب آسيا:

تمر السعودية في مرحلة انتقالية حساسة تحاول فيها التوازن في ظل نظام دولي متغير نحو التعددية القطبية وصراعات دولية كبرى وفشل في حروب المنطقة، لضمان عملية التوريث.

أدى صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة وهو يمثّل الانتقال الى الجيل الثالث في العائلة السعودية، إلى بعض التحولات السياسية الأكثر أهمية في المملكة منذ إنشائها في عام 1932. بعد تسلم والده سلمان بن عبد العزيز آل سعود العرش في المملكة عام 2015، سرعان ما ظهر محمد بن سلمان باعتباره الفاعل السياسي المهيمن في البلاد، بعد تهميش ابن عمه محمد بن نايف، فأصبح ولي العهد في عام 2017.

في الداخل، قاد ابن سلمان حملة على كافة مراكز القوى في البلاد، ابتداء من المنافسين في العائلة المالكة، الى اللوبي الديني الحليف، ثم الطبقة الأوليغارشية الممسكة بمفاصل البلاد الاقتصادية، انتهاء بالجيش الذي تمكن من الإمساك بزمام أموره، ومنع أي مخططات تمرد او انقلاب من قبل مراكز القوى الآنفة الذكر.

خارجيا، أعادت السياسة الاقليمية السعودية إحياء العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل مصر التي تشكل صمام أمان لنظام الحكم في المملكة، وتمكن من المساهمة في تشكيل تكتل إقليمي، قوامه بالإضافة الى السعودية؛ مصر والامارات، مدعوما بدولة الكيان المؤقت، ومؤخرا تركيا. قاد هذا التكتل الإقليمي في بداياته ثورة مضادة للدولة العميقة في ليبيا وتونس واليمن، والدولة العميقة التي أعاد الأمريكيين تركيبها في العراق بعد غزو 2003، وساعد في لبنان على تعطيل نتائج الانتخابات النيابية لعام 2018، التي فاز فيها تحالف حزب الله والقوى السياسية المؤيدة له.

على الصعيد الدولي، اعتمدت السياسة الخارجية السعودية التكيّف مع تعدد الأقطاب الدوليين في المنطقة، فعززت المملكة علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، بالصين وروسيا. لقد ربطت الرياض نفسها بمشروع الحزام والطريق الصيني، من خلال مجموعة واسعة من المشاريع المتكاملة، وخطوط المواصلات البرية والبحرية التي تمر عبر الموانئ المصرية وقناة السويس، وبدرجة أقل بالهلال الداخلي لأوراسيا – حسب نظرية الجغرافيا السياسية للأمن القومي الروسي – ولو من بوابة أوبك+، والتنسيق السياسي في الملف السوري.

تركز هذه الورقة على العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، في ظل المكانة الدولية المتناقصة للنفوذ الأميركي في المنطقة والعالم، وشبكة العلاقات والملفات الإقليمية التي تعالجها السياسة الخارجة السعودية بناء على تموضعها الجيوسياسي الجديد.

معالم التموضع الجديد

-داخلياً

قدم بن سلمان نفسه على أنه مصلح، وسيدفع المملكة العربية السعودية نحو مستقبل جديد، لا سيما فيما يتعلق بالدّين، من خلال التحدي الأساسي المتمثل بالميثاق التاريخي الحاكم بين رجال الدين الوهابيين وعائلة آل سعود. تعهد محمد بن سلمان بإعادة السعودية إلى “الإسلام المعتدل”، مدعيا أن تحول الرياض نحو التطرف جاء نتيجة للثورة الإيرانية، وأن التطرف جاء أيضا من الرغبة الأمريكية في أن يكون هناك شركاء إقليميون مثل السعودية يستخدمون الدين كآلية لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والشرق الأوسط خلال الحرب الباردة.

تظل السيطرة السياسية أولوية قصوى لمحمد بن سلمان، رغم أنه أطلق سراح عدد من السجناء السياسيين وتخفيفه الضغط اتجاه أفراد العائلة المالكة، ومع ذلك، لا يزال قمع التهديدات المحلية يأخذ الأولوية، كما يتضح من الإعدام الجماعي في 12 مارس / آذار لـ 81 سجينًا بتهم الإرهاب، كما أن القلق بشأن المعارضة المحلية يترجم بالإجراءات القوية غير المسبوقة، التي تشنها الحكومة السعودية للسيطرة على أي معلومات عبر الإنترنت وخارجه تتعارض مع الخط الرسمي. تمتد هذه السيطرة إلى التجريم العابر للحدود لتفاعل المنظمات والافراد مع الحكومات الأجنبية وكيانات المجتمع المدني، لا سيما تلك الموجودة في الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة.

في السنوات الأخيرة، قام صناع القرار السعوديون بتغيير مكانة الدين في المجال العام الخاضع للسيطرة المشددة من خلال تغييرات شاملة من أعلى إلى أسفل، وصلت إلى الحد من الدور التاريخي للسلطات الدينية في ترسيخ حكم العائلة المالكة. من المؤكد أن هذه التطورات تمثل في نهاية المطاف رغبة محمد بن سلمان في ترسيخ السلطة المطلقة والقضاء على مراكز القوى البديلة القادرة على تحدي حكمه. لا يزال تحالف محمد بن سلمان مع المؤسسة الدينية الرسمية سليماً ولم يسع إلى إصلاح العقيدة الوهابية بشكل جذري، رغم الحد من ترويج أفكار محمد بن عبد الوهاب في البلاد. بدلاً من ذلك، سعى إلى إعادة توظيف هذه الموارد لتناسب مصالح النظام بشكل أفضل وسط السياقات المحلية والإقليمية والعالمية المتغيرة. تمتد هذه الحملة للقضاء على مراكز القوة والسلطة البديلة وإسكات الأصوات المعارضة إلى ما هو أبعد من الدين وتشمل الدولة بأكملها، كما يتضح من استهداف النظام لأبناء العائلة المالكة والنخب الأخرى والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق المرأة والقضاة وغيرهم.

في 22 شباط/ فبراير 2022، ولأول مرة في تاريخها، أقامت المملكة العربية السعودية احتفالات لإحياء ذكرى عطلة رسمية جديدة تُعرف باسم “يوم التأسيس”. تقوم الدولة برعاية نزعة وطنية جديدة. يحاول النظام نقل الهوية الشعبية من الهوية الإسلامية البحتة إلى الهوية الوطنية السعودية. هذا الدافع نحو القومية موجه بشكل أساسي نحو الشباب السعودي – يقدر أن أكثر من 50٪ من السكان تحت سن 25 – ومن هنا تنطلق السرديات المستحدثة، إذ تُعد رؤية 2030 حجر الأساس للخطاب والهوية القومية الجديدة، وتشكل وعد الدولة لشبابها بمسار اقتصادي واجتماعي جديد.

-إقليمياً

ساد المنطقة في أعقاب الربيع العربي صراع على النفوذ بين عدد من الدول الإقليمية السنية الطامحة لتوسيع نفوذها، ووراثة النظام العربي المنهار، متمثلة في التحالف التركي القطري، فيما مثل سعي السعودية والامارات لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، فقادتا معركة القضاء على حكم الاخوان المسلمين في مصر، ومحاربة نفوذهم على مستوى المنطقة.

تغير الخطاب السعودي والسياسة الخارجية كليهما بشكل كبير منذ نهاية إدارة ترامب. في قمة العلا، بداية 2021، بدأت المملكة العربية السعودية عملية مصالحة مع قطر – وتقارب مع عُمان والكويت – بينما ابتعدت عن مواقف جارتها المتشددة في المسألة القطرية – الإمارات العربية المتحدة. منذ ذلك الحين، كثفت الرياض من مشاركتها مع العراق وجهودها لاستعادة العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل مصر والأردن والمغرب وباكستان، وتعززت باستعادة بعض الدفء في العلاقة مع تركيا مؤخرا، كما واصل ولي العهد تعزيز الروابط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع روسيا والصين، بهدف تنويع خيارات المملكة، في ضمان أمن نظام الحكم على المدى الطويل.

دولياً

فهمت المملكة العربية السعودية بعد أحداث الربيع العربي والابتزاز الأميركي طوال عقدين من الزمن منذ بداية الالفية الحالية، انه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كحامٍ رئيسي للنظام السعودي. بدافع الإحباط، قوّت الرياض مكانتها الدولية من خلال تعزيز شراكاتها الدولية مع المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، وهما الصين وروسيا، ولكن ليس بهدف الاستغناء عن حلفها التاريخي مع الولايات المتحدة والغرب.

يُظهر محمد بن سلمان استقلالية نسبية عما يعتبره غطاء حماية أمريكا غير الموثوق به ويبحث عن شركاء أمنيين بديلين، وليس لديهم الكثير من الشروط والمتطلبات، لكن هذا لا يشكل تهديدًا للحلف بين آل سعود والمؤسسة السياسية الحاكمة في واشنطن. على سبيل المثال، كانت الاتفاقية العسكرية الموقعة بين المملكة العربية السعودية وروسيا في آب/ أغسطس 2021 موضوع تحذيرات مبالغ فيها عن فك التحالف بين البلدين، مثل تلك التوقعات في صحيفة وول ستريت جورنال بأن “العلاقة قد وصلت إلى نقطة الانهيار”. ولكن لا يوجد دليل على أن محمد بن سلمان مستعد لتحمل التكاليف الهائلة لتحويل البنية التحتية العسكرية والتي تعتمد على الولايات المتحدة إلى أنظمة أسلحة روسية أو صينية، ناهيك عن النفوذ الأمريكي المتجذر في القطاعين العام والخاص..

ليس لدى محمد بن سلمان أي خطط للتخلي عن علاقاته بالولايات المتحدة، وليس من المرجح أن يكون قلقًا بشكل مفرط بشأن الخلافات العرضية مع البيت الأبيض حتى الآن. ربما ستنجح في عام 2024 إدارة أخرى أكثر تفضيلا بالنسبة لولي العهد. إن استثمار محمد بن سلمان الأخير في شركة الأسهم الخاصة الجديدة لكوشنر هو دليل في هذا الصدد. أشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن الصفقة تمت في النهاية باستثمار المملكة 2 مليار دولار، في شركة صهر الرئيس السابق ترامب، Affinity Partners، وعن استثمار مليار دولار في شركة وزير الخزانة السابق في حقبة ترامب ستيفن منوشين – ليبرتي ستراتيجيك كابيتال – هذا قدر كبير من المال، حتى بالمعايير السعودية.

لا يتمتع ولي العهد ولا الرئيس الأمريكي برفاهية الابتعاد عن العلاقة التي صمدت وخدمت البلدين بشكل جيد لأكثر من 75 عامًا. الحقيقة البسيطة هي أن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من غير المرجح أن تنكسر في أي وقت قريب على الرغم من الفوارق في بعض الأحيان. إنه اعتماد مشترك وليس تحالف، لا يستطيع أي من البلدين إنهاءه، وقد صمد في وجه الكثير من العواصف منذ بدايته في الحرب العالمية الثانية، مثل الحظر النفطي لعام 1973، وأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ومقتل خاشقجي.

بعد هذه المقدمة، سنذهب الى قراءة أوسع للعلاقات السعودية ع نقاط الاحتكاك الرئيسية في المنطقة والعالم، وهي:

أولا، العلاقات السعودية – الامريكية

قاد بايدن الإدارة الأمريكية الثالثة على التوالي التي سعت إلى تقليص الالتزام بالعمل العسكري في المنطقة. سعى القادة السعوديون إلى التكيف مع هذا التحول الأمريكي الجديد، من خلال تعزيز مجموعة أكثر تنوعًا من العلاقات الاقتصادية والأمنية العالمية. لكن يبدو أن بايدن قد تولى منصبه وهو معتاد على تدفق النفط الى الأسواق العالمية كنمط مستمر ومستدام اعتمد عليه أجيال من الرؤساء الأمريكيين؛ صداقة خاصة مع المملكة العربية السعودية تقوم على مبيعات الأسلحة والتنسيق الأمني وإنتاج النفط.

بعدما كانت الولايات المتحدة تنسحب من مشاكل السياسة اليومية لحلفائها في المنطقة، ومن البلدان التي تواجه فيها مقاومة عسكرية، وتتعرض فيها للاستنزاف مثل العراق، فرضت الازمة الأوكرانية نفسها على صعيد موارد الطاقة، وطرق تدفقها، ما أعاد الاهتمام الأمريكي الى منطقة الخليج بشكل خاص، بهدف تلبية احتياجات حلفائها الأوروبيين من الغاز، وإنهاء اعتمادهم على الغاز الروسي، إلا أن محمد بن سلمان كان ينوي إعطاء الأولوية لمصالح المملكة في أسواق النفط العالمية ومع القوى الغربية وغير الغربية الأخرى للمساعدة في تعزيز سيطرته على البلاد، كما يبدو أنه يريد اعترافًا من بايدن بأنه هو الوريث الشرعي للعرش.

أوضح دليل على التغيير في علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، هو تجنب محمد بن سلمان والتظاهر بأن محمد بن سلمان هو ولي العهد الذي يعمل فقط في وظيفة بيروقراطية في إحدى الوزارات البارزة في المملكة، ومن الممكن استبعاده من المناقشات الثنائية بين رئيسي الدولتين. لقد أساءت هذه الإستراتيجية إلى بن سلمان وأضعفت حظوظه وموقعه نسبيًا.

استغل بايدن وإدارته فكرة إعادة ضبط العلاقات الثنائية لمعالجة تداعيات السنوات الأولى من نشاط ولي العهد؛ مقتل جمال خاشقجي، منتقد النظام الذي خلصت الولايات المتحدة إلى أنه قُتل بأمر من ولي العهد، وسجن نشطاء حقوق الانسان، والفشل في الحرب على اليمن. جعل ذلك محمد بن سلمان معرضا لانتقاد دائم من قبل السياسيين الأمريكيين، انعكس في القلق بشأن الفشل في الحملة العسكرية الطويلة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، ووضع مبيعات الأسلحة للسعودية تحت رقابة دائمة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، فيما يعطي الانطباع أن الولايات المتحدة تبحث عن وريث بديل.

أولويات السياسة الإعلامية لبايدن في المنطقة خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية- إنهاء التدخل الأمريكي المباشر في اليمن وإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران – عززت الشكوك السعودية بشأن إلتزامات الولايات المتحدة بأمن المملكة. حلت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران ووكلائها محل السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتبارها الهدف الرئيسي للغضب في المملكة العربية السعودية، وتسبب الانكفاء العسكري الأمريكي وتقليص الالتزام الدفاعي تجاه الشركاء القدامى في المنطقة بقلق سعودي كبير، مع أنه عمليا لم تتغير السياسة الامريكية الأمنية التاريخية تجاه السعودية ودول الخليج الأخرى، إذ لم تقم الولايات المتحدة بعد عاصفة الصحراء 1990 بالقتال نيابة عن الرياض، ولكنها كانت تخوض حروبها الخاصة في المنطقة بالتنسيق مع المملكة. على العكس من ذلك عملت السعودية بالتعاون مع الامارات على إثارة الانقلابات العسكرية والحروب الاهلية في المنطقة بعيْد أحداث الربيع العربي، عندما شعرت بالخطر على نظام الحكم في الرياض، بسبب تهاوي الأنظمة العربية المحيطة الحليفة لها في المنطقة، وخاضت حربا على اليمن، بعد حصولها على دعم وموافقة إدارة أوباما عليها، باستثناء سوريا التي يبدو أن قرار إشعال الحرب الاهلية فيها تم بتخطيط مسبق بين الولايات المتحدة والسعودية، ودول خليجية أخرى، في سياق استراتيجية أوسع لقلب ميزان القوى في منطقة الشام لصالح الكيان المؤقت، بعد انسحابه من جنوب لبنان عام 2000، وهزيمته المذلة في حرب تموز 2006.

-ماذا تريد الولايات المتحدة من المملكة؟

1-الانضمام الفاعل الى المعسكر الغربي في مواجهة روسيا.

2-إبطاء وتيرة العلاقات مع الصين وروسيا.

3-تطبيع العلاقات مع الكيان المؤقت.

4-زيادة ضخ النفط في الأسواق الدولية، لخفض الأسعار.

5-تغيير شخص ابن سلمان كوليّ للعهد، فشخصيته المتهورة والعنيفة الطامحة والمستقلة نوعا ما عن السياسة الامريكية، على عكس اسلافه ممن يوصفون بالحكماء من ملوك وأمراء آل سعود، الذين حجّم ولي العهد نفوذهم داخليا وخارجيا، من الممكن أن تقوض العلاقات بين البلدين، في حال جلوسه على كرسي الملك في الرياض، مضافًا الى الفشل الذريع في اليمن وتأثيره على الدور الوظيفي للسعودية.

6-اقناع النسق السياسي السعودي، ان واشنطن تمتنع عن خوض حروب السعودية، وباقي دول الخليج في المنطقة، لا سيما مع إيران، وفي اليمن، كما يطالبهم القادة في الرياض وأبو ظبي على وجه الخصوص، فالولايات المتحدة لم تفعل ذلك مسبقا، ولن تفعله مستقبلا.

الحسابات السياسية الامريكية الحالية

1-يخشى بايدن من خسارة الديمقراطيين للانتخابات النصفية للكونغرس، مما يعقد تطبيق سياساته داخليا وخارجيا.

2-تخشى الولايات المتحدة من خسارة الحكومات الأوروبية المتحالفة معها في مواجهة روسيا للانتخابات في بلدانها، بسبب ارتفاع أسعار النفط والتضخم وانخفاض النمو الاقتصادي نتيجة العقوبات الأوروبية – الامريكية على روسيا، لصالح حكومات أكثر ميلا الى التراخي في التعاطي مع موسكو، ومراعاة مصالحها، في الوقت الذي يحرز فيه الجيش الروسي تقدما ميدانيا في أوكرانيا.

3-يخشى النسق السياسي الأمريكي المزيد من تعزيز النفوذ الصيني في منطقة الخليج للاقتصاد العالمي، بسبب السعي السعودي لتعميق الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع الصين.

ماذا تريد المملكة من الولايات المتحدة

لقد استهانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتأثير سياساتها المشبعة بالتسلط والابتزاز بعد 11 سبتمبر في الشرق الأوسط على مكانتها في الرياض وخصوصًا أسلوب ترامب في طلب المال عبر المنبر والتهكم على شخصية الملك السعودي. ابتداء من الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، الذي أسقط نظام صدام حسين كحاجز سياسي وجغرافي، لأي تمدد للدور الإيراني التحرري في المنطقة، ودور الولايات المتحدة في الثورات العربية 2010-2011، والاتفاق النووي الإيراني، وعدم رد واشنطن على هجمات حلفاء إيران في اليمن على البنية التحتية النفطية السعودية، إذ تعد ذكريات تلك الأحداث هي مفتاح نقاط مرجعية لصناع القرار السعوديين اليوم. لقد ضعفت في الذاكرة السعودية، الصور الأيقونية للقوات الأمريكية وهي تحرر الكويت في عام 1991 والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبد العزيز بن سعود يلتقيان على ظهر السفينة يو إس – إس كوينسي في عام 1945.

ليس أدل على تراجع الثقة الرسمية السعودية في توجهات واشنطن، وحتى في مكانتها المالية الدولية، من خفض الرياض 36.7٪ من حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية في عامين، كما تراجعت المملكة العربية السعودية إلى المركز الثامن عشر بين أكبر حاملي الأوراق المالية الأمريكية في شباط/ فبراير الماضي، بعد أن كانت في المرتبة 17 نهاية عام 2021 وخلال كانون الثاني/ يناير 2022.

-الحسابات السياسية السعودية

1-استغلال حاجة واشنطن للنفط السعودي من اجل استقرار أسواق الطاقة، ودعم حلفائها في الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا، لتحصيل تنازلات في دعم ابن سلمان لوراثة كرسي الحكم، وملف مقتل خاشقجي، وملفات حقوق الأنسان والديمقراطية، وغيرها.

2-إلزام الولايات المتحدة بنص مكتوب (اتفاقية)، تضمن بموجبه واشنطن بشكل عملي أمن المملكة ونظام الحكم فيها، من أي استهداف خارجي، أي التعامل مع الجيش الأمريكي بصيغة المرتزق.

3-عدم الارتهان لمواقف نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي من السياسة السعودية، بسبب الخلل الحاصل في الحياة السياسية الامريكية حاليا.

السياق السعودي الحالي

وسط التقارير التي تشير إلى تدهور صحة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد تشكل جولة محمد بن سلمان الإقليمية والدولية خلال الشهر الجاري – حزيران/ يونيو – اختبارًا لجدارته بتولي الحكم في المملكة العربية السعودية، حيث يعتزم ولي العهد زيارة مصر والجزائر، ثم قبرص واليونان وتركيا. في هذا السياق، من المرجح أن يسعى محمد بن سلمان لإظهار جدية جهوده الدبلوماسية واستدامتها، لا سيما حين يزور أنقرة والقاهرة والجزائر، حيث من المتوقع ان يضغط على الأخيرة لتقليص علاقتها بإيران، في محاولة لإيصال رسالة على صعيد المنطقة، لصانعي السياسة في طهران، أن المرور الى المنطقة يتم عبر الرياض، ورسالة الى الولايات المتحدة بأن الدور السعودي الوظيفي لا يزال فعالاً.

من المرجح أن تستمر المصالحة المزدهرة بين أنقرة والرياض طالما أن محمد بن سلمان قادر على كسب ما قد يكون إلتزامات أمنية إقليمية، إضافة الى عقود لتطوير الصناعات الدفاعية في المملكة، من الحكومة التركية، ومن المتوقع أن يواصل أردوغان تركيزه على الفوز بفرص لتوسيع التجارة والاستثمار.

أما في القاهرة، فمن المرجح أن يدفع محمد بن سلمان الحكومة المصرية إلى إجراء مفاوضات مع الجزائر للتوصل إلى نتيجة ترضي الطرفين في ليبيا، إضافة الى تأكيد المزيد من الدعم السعودي للاقتصاد المصري، ودفع الحكومة المصرية لتعزيز انخراطها في السياسة الدفاعية الإقليمية.

السياق الأمريكي الحالي

من المستبعد عودة الولايات المتحدة للانخراط في التحديات العسكرية لدول المنطقة وتعقيداتها، ولكن من ناحية أخرى بسبب حاجة المعسكر الغربي لمصادر الطاقة في المنطقة، من المتوقع أن تعمل الإدارة الامريكية على تعزيز التواجد العسكري البحري الأمريكي والاوروبي على طول القوس الممتد من مضيق هرمز مرورا بمضيق باب المندب الى قناة السويس، لحماية طرق الملاحة النفطية والغازية. والنشر الواسع للقطع البحرية العسكرية يوجه رسالة الى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية أنها ما زالت تحظى بالحماية الامريكية المعززة أوروبيا، وأنها لن تسمح باستهدافها من الخارج، لا سيما من إيران واليمن، وانها سوف تفعّل العديد من إجراءات مراقبة نقل الأسلحة، وعلى وجه الخصوص مكونات الصواريخ الباليستية، والمكونات الالكترونية التي تسمح بترقيتها الى صواريخ دقيقة، وهذا الامر ينطبق أيضا على المسيّرات، ويضاف إليها نظام أمني إلكتروني مضاد للصواريخ، التي يحتمل أن تستهدف البنية التحتية لهذه البلدان، كما يتوقع ان تزيد الولايات المتحدة دعمها التقني، لتسريع بناء شبكة عسكرية إقليمية مضادة للصواريخ والمسيّرات.

السياقات الحالية في ظل الازمة الأوكرانية

قال بايدن في 31 مارس/آذار إن حجم الإصدار المرتقب سيكون “أكبر إصدار من الاحتياطي الوطني الخاص بنا عبر تاريخنا”، وقد تم التخطيط له ليكون بمثابة “جسر في زمن الحرب لمدة ستة أشهر. وهذا يعني بيع مليون برميل نفط يوميًا في كل شهر. في نهاية الأشهر الستة، من المتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بحجم مساوٍ تقريبًا. وأضاف بايدن إن عائدات البيع سوف تُستخدم لإعادة تخزين الاحتياطي عندما تنخفض الأسعار.

قدرت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها لسوق النفط لشهر مارس/آذار، أن العجز بين هدف أوبك بلس والإنتاج الفعلي في فبراير/شباط بلغ 1.1 مليون برميل في اليوم.

تم تشكيل تحالف أوبك والدول المنتجة من خارج أوبك بقيادة روسيا في أواخر عام 2016 كرد على الزيادة المفاجئة في إنتاج النفط الأمريكي، التي أسفرت عن تآكل حصة أوبك في تجارة النفط العالمية وكشف عن عجزها في إدارة سوق النفط دون مشاركة روسيا. وفقًا لتقرير صادر عن مجلة (MEES)عملت أوبك، التي يهيمن عليها منتجو النفط في الشرق الأوسط مع السعودية كالزعيم الفعلي، على مقاومة دعوات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعليق تحالفها مع روسيا.

سُئل وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في محضر حديثه في اجتماع أوبك+ عن سبب عدم استجابة المملكة للدعوة بزيادة النفط لأسباب أخلاقية، فقال: “عندما ندخل غرفة اجتماعات أوبك، يترك الجميع سياسته عند الباب الخارجي”. وأضاف عبد العزيز، أن “سبب نجاحنا في الحفاظ على أوبك بلس هو أننا نناقش هذه الأمور، وهذه القضايا بنهجٍ منعزل تمامًا، حيث نركز أكثر على الصالح العام، بصرف النظر عن السياسة”.

زار عاموس هوشستين (Amos Hochstein)، كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لأمن الطاقة، السعودية في أوائل أبريل/ نيسان لمناقشة آخر التطورات، وأصر في إحدى المقابلات مع تلفزيون بلومبرج على أن العلاقة بين الرياض وواشنطن استراتيجية، إلا أنه مع ذلك، لم يتفق مع تقييم أوبك لحالة السوق، وقال: “لا بد أن يكون لدي رأي مختلف… فأنا أرى دليلاً ماديًا على أن السوق تعاني من نقص يقدر بنحو مليوني برميل يوميًا، إن لم يكن أكثر، من الإمدادات الروسية إلى السوق العالمية. هذا واضح بالنسبة لي. يمكننا أن نرى ذلك… من الواضح أن البعض في أوبك ربما لا يرى نقصًا في الإمدادات”. وأردف: “لقد فعلوا، في نهاية الأمر، ما كانوا يريدون القيام به… أعلنوا أنهم سيواصلون زيادة الإنتاج، ونحن لا نعتقد أن هذا صحيح”.

مؤخرا، في 2 حزيران/ يونيو قررت منظمة أوبك+ زيادة الإنتاج بأكثر من 640,000 ألف برميل يوميا، أو ما يعادل 7% من الإنتاج العالمي، للشهرين القادمين، فيما أبدت الولايات المتحدة امتعاضها من قرار أوبك، واعتبرت أن الكمية لن تكون كافية لتغطية احتياجات السوق العالمية، ولن تخفض الأسعار كما هو مطلوب.

مستقبل العلاقات الامريكية – السعودية، قانون الثابت والمتغير

الثابت

بسبب الموقع الجيوسياسي المهم للخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، كنقطة التقاء بين شرق آسيا وأوروبا، واحتياطات النفط الأكبر عالميا في هذه المنطقة، إضافة الى وجود الكيان المؤقت كذراع عسكرية غربية لضبط الطموحات السياسية للقوى الفاعلة – سواء كانت كيانات سياسية مقاومة، أو دول، أو حتى شخصيات قيادية – في مناهضة الهيمنة الغربية، والتحرر والاستقلال في القرار الوطني، والبيئة الإقليمية السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية التي تبنيها. كل ذلك يجعل من السعودية ظهيرًا ماليًا وسياسيًا ونفطيًا هامًا للكيان المؤقت من خلال لعب أدوار متنوعة تهدف لحمايته من المد التحرري المتمثل بمحور المقاومة.

المتغير

هل يمكن أن تعود العلاقات الامريكية – السعودية الى سابق عهدها؟ لا يبدو الجواب على هذا السؤال صعبا، لعدة أسباب هي:

-أن العلاقات القائمة على النفط مقابل ضمان أمن النظام منذ لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت عام 1945، قد شاخت وتراجعت أهميتها بعد اكتفاء الولايات المتحدة ذاتيا من مصادر الطاقة على أراضيها، رغم احتفاظ الأمريكي بالاهتمام بأسواق وأسعار النفط بعد الحرب الأوكرانية بشكل متزايد، والدور السعودي الهام في هذا المجال.

-شخصية ابن سلمان المنبوذة من صانعي السياسات في الولايات المتحدة، فالمشكلة بين البلدين ليست استراتيجية، بل تكمن في شخص ولي العهد نفسه.

-الصورة والسردية الإعلامية عن المملكة وتأثيرها على المجتمع السياسي في الولايات المتحدة، والذي شكّل تصورات مسبقة في أذهان النخب السياسية الامريكية عن شخصيات الحكم والنظام في السعودية، بحيث أصبح من الصعب تغييرها أو محوها.

-الصورة الذهنية السيئة للذكريات الأليمة، لأكثر من عشرين عاما من أساليب التعامل الأمريكي المسيء مع المملكة، منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2000، وعدم مراعاة مصالح دوائر الامن القومي الإقليمية لنظام الحكم في الرياض، بسبب دعم إدارة أوباما لأحداث الربيع العربي، وتوقيعها الاتفاق النووي مع إيران، لحقه الازدراء المتعمد والعلني والمهين من قبل الرئيس ترامب، في أحاديثه عن الملك وولي عهده، وأخيرا دعم بايدن لاتهام بن سلمان بقتل خاشقجي، ووعده بـ: “جعل السعودية دولة منبوذة كما يجب ان تكون”، وتجاهله لمنصب ابن سلمان كولي للعهد.

-سياسات ابن سلمان الهادفة لضمان استمرار نظام الحكم في المملكة، والتي تعتمد على تعدد نفوذ الأقطاب الدوليين في المنطقة، بما يضر مصالح الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحول واشنطن فيه جهودها الاستراتيجية باتجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمكافحة الصعود الصيني، كما تساعد السياسات السعودية الاقتصادية والعسكرية، الصين على الالتفاف خلف خطوط المواجهة التي تحاول الولايات المتحدة رسمها.

تشكل تطلعات الاقتصاد المعرفي لرؤية السعودية 2030 وسيلة أخرى لنفوذ الولايات المتحدة، إن لم تكن مصدرًا مباشرًا للضغط، بسبب حجم الحصة الامريكية – تبعا لنفوذها السياسي – في الاقتصاد السعودي بشكل عام، وفي مشاريع رؤية 2030 بشكل خاص، كما لا تزال الجامعات الأمريكية هي الهدف الرئيسي للسعوديين الذين يسعون للدراسة في الخارج: 55٪ من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الخارج بمنح ممولة من الحكومة كانوا مسجلين في مؤسسات أمريكية في عام 2019 – مقارنة بـ 0.4٪ فقط في المدارس الصينية – مما قد يفسح المجال مستقبلا لراسمي الاستراتيجيات في واشنطن، بتحويل حكم اسرة آل سعود من الملكية المطلقة الى الملكية الدستورية المقيدة، أما في الحد الأقصى، من المحتمل ان تستبدل الحكم الملكي في السعودية، بحكم جمهوري، مما يعني استبدال حكم آل سعود بنظام آخر قائم على الانتخابات والسلطة الشعبية، وإن كان هذا مستبعدا في المدى المنظور.

ثانيًا العلاقات السعودية – الإيرانية

على الرغم من المرونة التي تبديها الرياض في التعامل مع طهران، إلا أنها في نفس الوقت تواجه حلفاء إيران بكل شراسة في المنطقة – حزب الله في لبنان، حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وأنصار الله في اليمن، وفصائل المقاومة العراقية في العراق، فضلا عن دعم النظام البحريني في قمع الرفض الشعبي لسياساته، وفوق ذلك قطع الطريق على الأنظمة العربية التي تجد لها في مكان ما مصلحة في استئناف أو تطوير العلاقات مع إيران، مثل مصر والجزائر، كأنها تريد ان تقول للسياسيين الإيرانيين أن نفوذي ممتد في كامل المنطقة العربية، ولا ينبغي لكم تجاوزها، حتى في حال تطور العلاقات بين البلدين في المستقبل الى الأفضل.

الاستراتيجية السعودية

-تهدئة التوترات لكسب الوقت، ريثما يكتمل انشاء البنية الأمنية والعسكرية لما يطلق عليه مسمى الناتو العربي – الإسرائيلي.

-تعزيز المخزون الصاروخي الباليستي، بعدما أنشأت الصين مصنعا لإنتاج الصواريخ في المملكة.

-بناء مفاعلات نووية يمكن تطويرها مستقبلا لإنتاج أسلحة نووية بمساعدة خارجية – باكستان مثلا – بهدف موازنة ما تعتقده تهديدا نوويا إيرانيا.

-تعزيز الشراكة السعودية مع الصين، لموازنة الشراكة الإيرانية – الصينية، ومنع طهران من الاستحواذ على التوجهات الصينية في الخليج.

-حصار فصائل المقاومة العربية، السنية والشيعية سوية.

-الموافقة على هدنة في اليمن لعزلها عن التطورات السياسية والعسكرية القادمة في الجغرافيا الشامية، بهدف التخلص من النفوذ الإيراني، والتي تعمل السعودية على تنفيذها لا سيما في لبنان، بالتنسيق مع حلفائها الإقليميين.

ثالثًا، العلاقات السعودية – التركية

بعد عقد كامل من توتر العلاقات بين تركيا والسعودية، بسبب دعم أنقرة لثورات الربيع العربي، لا سيما حركة الاخوان المسلمين على مستوى المنطقة، خاصة في مصر واليمن، وبعد عام من الجهود الدبلوماسية المكثفة لتطبيع العلاقات وفتح صفحة جديدة، يبدو أن العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية قد تحسنت بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في 28 أبريل الماضي.

بالغ المحللون ووسائل إعلام في التأكيد على العوامل الاقتصادية في هذه المصالحة على حساب الظروف الأمنية الجيوسياسية والإقليمية، التي عادة ما تكون لها اليد العليا في تشكيل العلاقات بين الرياض وأنقرة، حيث تحتل السياسات الإقليمية لإيران والولايات المتحدة مكانة فريدة في هذه الديناميكيات.

الحسابات السياسية الأساسية للطرفين

-التركيز بشكل خاص على دور أنقرة في العراق وسوريا، كعامل موازن للنفوذ الإيراني في الدولتين.

-من المرجح أن يؤدي التقارب بين الرياض وأنقرة إلى زيادة نفوذهما الجماعي في السياسة العراقية.

-تؤدي المصالحة بين تركيا والسعودية إلى تعريض موقف إيران ونفوذها للخطر في سوريا، لا سيما في أعقاب انشغال روسيا في أوكرانيا وشرق اوروبا.

-كشف أردوغان عن خطة لبناء مشاريع جديدة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في شمال سوريا من شأنها أن تسمح بعودة نحو مليون لاجئ سوري، ويُعتقد أن دول الخليج العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قد يكون لها دور في هذه المشاريع.

-تجفيف الموارد المالية للميليشيات الكردية ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا سيزيد من قوة أنقرة في سوريا ويحرم إيران من وكيل مهم.

في النهاية، من شمال العراق إلى الحرب في اليمن، قد يؤدي تعاون كبير وفعّال بين أنقرة والرياض إلى تعريض حلفاء إيران في المنطقة للخطر.

رابعًا، العلاقات السعودية-الإسرائيلية

تتزايد مظاهر التقارب الأمني والاقتصادي الإسرائيلي مع السعودية، بالتزامن مع ما تشهده المملكة من تغييرات في العديد من الاتجاهات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يتوقع أن تشمل العلاقة المباشرة مع كيان الاحتلال. تعتقد الرياض أن إقامة علاقات رسمية مع تل أبيب يساعدها على تحقيق أهداف استراتيجية، أولها ان هذه العلاقات ستعزز الاتصالات مع الولايات المتحدة، وهي مصلحة سعودية عليا، كما أن لها تأثير على مكانة ابن سلمان في الداخل، وثانيها ان الاتفاق مع الكيان الإسرائيلي يحسن صورة المملكة ومكانتها الدولية بسبب حرب اليمن ومقتل خاشقجي، وغيرها من الخطوات السياسية غير المحسوبة جيدا.

صحيح أن السعودية ليست في عجلة من أمرها للانضمام إلى عربة التطبيع، وتذويب العلاقات مع الكيان المؤقت، وهي تعرف السبب. لأنه بالنسبة للمملكة العربية السعودية من الصعب الدخول في تحالف مع اليهود، كدولة تضم أقدس مدينتين في الإسلام، وكدولة عربية كبيرة لا يناسبها أن تظهر بمظهر المذعن لاتفاق سلام مع كيان الاحتلال، بل تحتاج الى إخراج صورة الاتفاق بشكل مناسب لها، وهي التي كانت وضعت أساس “المبادرة السعودية” كي تظهر بأنها ممسكة بزمام الأمور في المنطقة، وفي العلاقة مع تل أبيب، رغم أنها رأس السهم في مثلث يضم الإمارات والبحرين، وتم الاتفاق على إقامتهما لعلاقات مع إسرائيل بالتشاور الوثيق مع السعودية، وموافقتها، ورحبت العائلة المالكة بصمت بهذا التقارب، ولكنها ما زالت غير مستعجلة للانضمام الى قطار التطبيع.

يمكن تعداد مجموعة من مجالات التعاون بين الطرفين في التالي:

-تبادل المعلومات الاستخباراتية.

-بجانب الاجتماعات السرية للمسؤولين السعوديين والصهاينة، فإن لقاءات تعقد بينهما على هامش المؤتمرات الدولية، مما يعطي بداية للتغيير والعلاقات المفتوحة بين الجانبين.

-شملت اللقاءات السعودية الاسرائيلية قادة الرأي في المؤسسات الدينية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي، وزيارة المدونين والصحفيين السعوديين للكيان المؤقت، لكن اللافت أن أحاديث في المملكة باتت تتناول العلاقة مع إسرائيل بصراحة، وليس بغموض، والأكثر إثارة للاهتمام أن رجال دين سعوديين بدأوا يعبرون بصورة إيجابية تجاه إسرائيل، بل يخاطبونها بشكل علني في منشوراتهم، ويهنئون المستوطنين بأعياد الفصح اليهودية.

-يُسمح للأجانب الذين لديهم جواز سفر إسرائيلي، أن يدخلوا السعودية دون استصدار تأشيرة دخول إليها، دون مشاكل، ولم يعد اليهود يواجهون مشاكل إن ظهرت عليهم علامات اليهودية مثل كتب الصلاة بالعبرية والمظاهر الخارجية، مع أن هذه المشاهد كانت في السابق سببا للمتابعة والتحقيق في المطارات السعودية.

-من المتوقع أن تؤدي اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في أواخر أيار/ مايو المنصرم، إلى زيادة كبيرة في التجارة بالفعل بين البلدين. بالنسبة للكيان المؤقت، تكمن الأهمية في اتفاقية ربط التجارة الحرة مع جميع دول الخليج، خصوصًا إذا أدى النمو في التجارة بين الإمارات والكيان المؤقت إلى زيادة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. بعد تغيير في متطلبات الدخول في المملكة العربية السعودية، يقوم رجال الأعمال الصهاينة بإبرام الصفقات في المملكة، بما في ذلك في مجال الزراعة الصحراوية.

-هناك عدد من الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الصهاينة يقيمون العلاقات التجارية مع نظرائهم في السعودية في عدد من المجالات، بدءا من البنية التحتية والمياه والاتصالات والحوسبة والبرمجيات وحتى التقنيات وصولا لصناعة النفط.

-تشمل مجالات التعاون الاقتصادي الاسرائيلي- السعودي، الشركات التي تبيع تقنيات المدن الذكية للمشاريع في المملكة، على سبيل المثال وليس الحصر في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وتجري المبيعات مباشرة من خلال الحيازات أو الشراكات الخارجية، وبعضها من خلال وسيط ثالث.

الحسابات السياسية للطرفين

يهتم الكيان المؤقت بالمكانة الدينية للمملكة العربية السعودية في العالم العربي، وقوتها الاقتصادية، وجاذبيتها الاقتصادية الهائلة بالنسبة الى الولايات المتحدة. تأمل كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل في استخدام علاقة بعضهما البعض مع الولايات المتحدة لبناء تحالف دولي، كمحور لضبط إيران وتحقيق التوازن بينها وضمان مصالح الأمن القومي لكل من البلدان الثلاثة.

تسعى السعودية من تقاربها مع إسرائيل، وصولا لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية كاملة مع مرور الوقت إلى تشكيل تكتل سياسي أمني ضد إيران. في السياق الدولي الأوسع، غالبًا ما ينخرط الكيان المؤقت في تحالف إقليمي عندما يكون الراعي العالمي لكلا الشريكين – عادةً الولايات المتحدة – لا يحظى بالثقة الكافية من قبل إسرائيل أو الطرف الشرق الأوسطي الآخر، لمستوى فهمه للتهديد والرد عليه. عندما اعتبرت الولايات المتحدة أن الاتفاق النووي مع إيران هو “موجة المستقبل” الحتمية، أصبح هذا التحالف الإقليمي أكثر تماسكًا، وحتى في حال فشل الاتفاق، فإن هذا التحالف الإقليمي لن يضعف بل على العكس سيتعزز لأن مصدر التهديد بالنسبة لأطرافه ما زال قائما.

أربعة أمثلة تاريخية رئيسية ستفيد في إظهار هذا النمط إسرائيليا، كالتالي:

-الشراكة الاستراتيجية الإسرائيلية الأردنية ضد المقاومة الفلسطينية، التي بلغت ذروتها في أواخر الأربعينيات.

-التحالفات الإقليمية ضد المد القومي الذي قاده عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات.

-مبادرة السادات والتعاون الإسرائيلي المصري في إحباط “الاستراتيجية الشاملة” لجيمي كارتر عام 1977.

-الشراكة الإسرائيلية – المصرية – السعودية – الخليجية المتشكلة حديثا في مواجهة النفوذ الإيراني، وحركات المقاومة السنية والشيعية، وعدم الكفاءة الأمريكية المتصورة.

يمكن تفسير الجمع بين إسرائيل والدول العربية، وعلى رأسها السعودية بمكانتها المركزية بين الدول العربية، في الأسباب التالية:

-في المقام الأول، الخوف المشترك من قوة إقليمية حازمة هي إيران وحفاؤها في محور المقاومة.

-عجز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخسارتها لحروب لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة.

-انهيار الانظمة العربية منذ “الربيع العربي” وتهديد الإخوان المسلمين.

-التصور الإقليمي السائد للاتفاق النووي أنه انتصار لإيران، واسترضاء لمجموعة 5 + 1 التي تضم دولا أوروبية رئيسية لها مصالح مع طهران، إضافة الى روسيا، مع تصورات راسخة أخرى عن حجم النفوذ الإيراني الكبير في العراق، وصمود حليفها بشار الأسد في سوريا، ودعمها العميق لحكومة صنعاء في اليمن، والشبكة المتزايدة والأكثر نشاطًا من حلفائها الغير دولتيين، وحجم بنيتهم التحتية العسكرية والاجتماعية والسياسية.

خامسًا، العلاقات السعودية اليمنية

كان الهدف من قبول الرياض بالهدنة في 2 نيسان/ أبريل الماضي، هو خروج دول تحالف العدوان الخليجي بالتحديد، من دائرة التدخل المباشر، ومن دائرة الضوء، وتحييد بنيتها التحتية من الاستهداف الصاروخي لقوات صنعاء. من ناحية أخرى أدى تشكيل المجلس السياسي الجديد الى ترجيح احتمال تقسيم اليمن لدولتين منفصلتين تماما من حيث نظام الحكم، والنظام الاقتصادي، ونظام القيم، وبالتالي الأهداف السياسية. إن الحديث الدائر في بعض الأوساط السعودية عن الانسلال من الصراع الدائر وترك اليمنيين لخوض حرب استنزاف طويلة سيؤدي إلى إدامة خطرها.

 

الحسابات السياسية السعودية

يمثل المجلس الرئاسي بشكل رئيسي النفوذ الثلاثي: الأمريكي – السعودي – الاماراتي، ويضم أربع قيادات مما يسمى الشرعية، وأربع قيادات للمليشيات التابعة للإمارات، ويشير الى التالي:

-اعتماد السعودية والامارات على القوى العسكرية الوازنة، وجعل قادتها أعضاء في مجلس رئاسي حاكم، لزيادة الفعالية.

-المجلس الرئاسي أشبه بمجلس لأركان حرب، وليس مجلسًا سياسيًا لإدارة دفة الحكم.

كانت الدوافع وراء القبول بالهدنة، وتشكيل المجلس الرئاسي، هي:

-صعوبة هزيمة أنصار الله في المدى المنظور.

-الخطر الناشئ على امدادات النفط من المنطقة، في حال استمرار الحرب على اليمن، وامتلاك قوات صنعاء للتكنولوجيا العسكرية اللازمة لاستهداف كافة سلسلة توريد الطاقة عبر مساحة المنطقة، في وقت يواجه فيه العالم الغربي تحديات وجودية على هذا الصعيد.

-سيطرة أدوات العدوان المحليين على أهم المناطق الاستراتيجية؛ كافة منابع النفط والغاز؛ موانئ ومنشآت التصدير الأساسية؛ الموانئ التجارية الاستراتيجية، واستغنائهم عن الارتباط بصنعاء.

-تمتع المناطق خارج سيطرة صنعاء باستقلال نقدي، من خلال مصرف مركزي منفصل، ما يسهّل للقوى السياسية المرتبطة بدول العدوان الاستغناء عن الارتباط بصنعاء، وعن أي نوع من أنواع الوحدة السياسية معها.

-إضافة لكونها الميناء الرئيسي الذي تدخل عبره معظم الواردات اليمنية الغذائية والنفطية وغيرها، بما فيها ما يصل الى صنعاء، جعل عدن هي بوابة الاتصالات الدولية – انترنت، هاتف – لكامل اليمن، بما فيها شمال البلاد، لذلك تم استهداف شبكة الاتصالات في مناطق سيطرة صنعاء عدة مرات قبل الهدنة.

-إبعاد شمال اليمن (صنعاء) عن خطوط الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب، وخليج عدن وبحر العرب.

-عودة الشركات العالمية الكبرى للتنقيب المكثف عن النفط والغاز – تحت إشراف السعودية – ورفد السوق العالمية بكميات مستقرة وكبيرة من مصادر الطاقة اليمنية.

-جعل مناطق شمال اليمن (صنعاء) محاصرة، ومقاطعة من قِبل جيرانها في حوض البحر الأحمر والقرن الافريقي ودول الخليج العربية (سياسة الاحتواء).

-محاولة جعل شمال اليمن نموذجًا لنظام سياسي فاشل، ومتخلف اقتصاديًا وعلميًا، وتصويره على أنه دولة ثيوقراطية من القرون الوسطى، كي لا يتحول الى نموذج لشعوب المنطقة.

-حاجة القوى الغربية لإبعاد قوات صنعاء عن منابع النفط، والاستئثار السعودي – الاماراتي بمصادر الطاقة في اليمن.

– خروج السعودية والامارات، بصورة من حقق أهدافه من الحرب على اليمن، أو على الأقل بصورة غير المهزوم.

-إعادة تشكيل صورة الصراع على أنه نزاع أهلي يمني – يمني.

-استمرار الحرب في الداخل بأياد يمنية، لاستنزاف حكومة صنعاء، من دون أن تطال التداعيات الرعاة الخليجيين لمرتزقة العدوان.

اليمن، والعلاقات السعودية الامريكية

لا يمكننا إغفال دور الولايات المتحدة في شن الحرب على اليمن، ولا إيقافها. كان بايدن أثناء حملته الرئاسية، قد وعد بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة”، ونشر المعلومات الاستخباراتية التي تثبت تورط محمد بن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي. ولكن الآن، وبسبب المخاوف من ارتفاع أسعار النفط، يخالف بايدن حكمه بعدم التعامل المباشر مع بن سلمان، بدلاً من ذلك، يخطط للسفر إلى المنطقة للقاء ولي العهد مباشرة – وإن تأجل ذلك الآن – وإضفاء الطابع الرسمي على التزام أمني أمريكي مع السعوديين والشركاء العرب الآخرين.

تحول بايدن مثير للقلق، ويمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على سياسة الولايات المتحدة واليمن. (على سبيل المثال، إذا ضعف الضغط الأمريكي لإنهاء الحرب، فمن المرجح أن يدفع السعوديون والإماراتيون وكلائهم لتصعيد القتال، بمجرد انتهاء الهدنة أوائل أغسطس 2022).

الإجراءات الأمريكية الحاسمة في إنهاء الحرب على اليمن

تعكس القوات التي يقودها مجلس القيادة الرئاسي المعين حديثًا وحدة غير مسبوقة بين المعسكر المناهض لأنصار الله، ومن المرجح أن المجلس، وكذلك داعميهم السعوديين والإماراتيين، يتوقون لاختبار قوتهم الجديدة.

يستدعي قرار صلاحيات حرب اليمن الجديد المقدم في الكونغرس سلطات الحرب الدستورية، بموجب قانون صلاحيات الحرب لعام 1973، لإنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية غير المصرح بها في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. في حالة إقراره، سيمنع القرار الجيش الأمريكي من تقديم المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي والصيانة وقطع الغيار للطائرات الحربية السعودية التي تقوم بعمليات هجومية ضد قوات صنعاء والمدنيين في اليمن. إذا تم تمرير قرار سلطات الحرب، فسيؤدي ذلك بشكل فعال إلى إعاقة القوات الجوية الملكية السعودية، مما يحد بشكل كبير من قدرة السعوديين على مواصلة القتال. حرص محمد بن سلمان على تجنب الإذلال بسبب عدم قدرته على تشغيل سلاحه الجوي، ويمثل هذا الاحتمال عاملاً رئيسيًا في قراره الواضح بتشجيع وكلائه في المجلس الرئاسي على تجديد وقف إطلاق النار.

تحليل القرار الأمريكي يتصل بالانشغال في أوكرانيا وأزمة أسعار النفط وتعرض المنشآت النفطية السعودية لهجمات واسعة، وكذلك الحاجة لسحب الورقة اليمنية القوية من يد محور المقاومة.

سادسًا، تداعيات التموضع السعودي الجديد على لبنان

الاستراتيجية الأساسية للملكة العربية السعودية هي إعادة توظيف الاصطفافات الاقليمية للأطراف المناوئة للنفوذ الإيراني في المنطقة والتي كانت تخوض حربا بالوكالة عبر غرب آسيا وشمال افريقيا.

في أوائل شهر نيسان/ ابريل الماضي، عاد سفراء السعودية والكويت واليمن تباعا إلى لبنان، بعدما غادروه وكذلك فعل سفيري الإمارات والبحرين، منذ أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إثر أزمة دبلوماسية بين بيروت والرياض.

لبنان، كجزء من الجغرافيا السياسية لبلاد الشام

يشكل لبنان محل اهتمام سعودي نظرًا لدوره الريادي والفعّال في محور المقاومة، وتعمل المملكة على مستويين رئيسيين في مواجهة حزب الله، وهما؛ المستوى الإقليمي؛ والمستوى المحلي اللبناني.

المستوى الإقليمي

يعد الهدوء النسبي الذي تشهده جبهات القتال المتعددة في المنطقة من سوريا الى العراق الى اليمن، والمباحثات الجارية بين السعودية وإيران من اجل خفض التصعيد المباشر بين الطرفين، فرصة للمملكة وحلفائها في المنطقة، لإعادة توجيه الموارد – لا سيما بعد هدنة اليمن – لترتيب البيئة السياسية الإقليمية المحيطة بسوريا ولبنان، من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية بينها وبين الأردن ومصر والعراق – الذي يواجه هجوما إقليميا استثماريا من قبل مصر والامارات والسعودية لتقليص النفوذ الإيراني فيه- تولد هذه الشراكات نفوذا سعوديا معززا في هذه البلدان.

في الصورة الإقليمية العامة تشكلت الاتفاقات التطبيعية بين الامارات والكيان المؤقت من جهة، ومشروع الشام الجديد بين مصر والأردن والعراق من جهة ثانية، وتحالف شرق المتوسط الذي يضم مصر والأردن والكيان المؤقت، إضافة الى عدد من دول المنطقة منها اليونان وقبرص – وهما متحالفتان عسكريا وسياسيا واقتصاديا مع تل أبيب – وهي تكتلات سياسية تحيط بسوريا ولبنان، ومع ان السعودية ليست جزءا رسميا في هذه الاتفاقيات، إلا انها تقف في الخلفية، وتستفيد منها في تنفيذ اجندتها تجاه بيروت ودمشق.

يبرز الأردن كطرف يطمح لتوسيع حدوده باتجاه الجنوب السوري الغني بالموارد المائية والأراضي الزراعية الخصبة، وهو ليس مجرد طموح، فبقاء الأردن كدولة فقيرة بالموارد يدفعه للاعتماد على ضم الجنوب السوري، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف طالما أن السلطة المركزية في دمشق ما زالت متماسكة، لذا من المتوقع في المرحلة القادمة، وفي ظل الانشغال الروسي في أوكرانيا وشرق أوروبا، أن تتضافر الجهود الإقليمية السعودية والاماراتية والاردنية والاسرائيلية، لتغيير المشهد السوري. من المحتمل ان يبدأ النظام الإقليمي العمل من الجنوب السوري في الفترة المقبلة. يحقق فصل الجنوب السوري عدة اهداف، هي:

-تحويل الجنوب الى منصة للانقضاض على قلب النظام في دمشق في مرحلة لاحقة.

-إخراج إيران وحزب الله من الجنوب السوري، وتعزيز حماية الحدود “الإسرائيلية”.

-ضمان التواصل الإقليمي مع شرق لبنان، والاتصال المباشر مع القوى المناوئة للمقاومة فيه.

-حماية ظهر الكيان الاسرائيلي، في حال أراد التقدم عسكريا شمالا على طول وادي البقاع، وفصل مناطق تمركز البيئة الحاضنة للمقاومة، وقوتها العسكرية عن الاتصال بسوريا، ويسهل نظام الحكم في دمشق عسكريا.

-يسمح بمشاركة قوى عسكرية عربية في أي حرب مستقبلية ضد لبنان.

السعودية والسياسة الداخلية اللبنانية

كان أبرز ما حققته الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في أيار/ مايو الماضي، أن الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع الشيعي في لبنان صبت أصواتها لصالح خيار المقاومة، ووحدة الطائفة، وقد حطمت هذه النتيجة كل الجهود الامريكية – السعودية الضخمة، ومليارات الدولارات التي صرفت على مدى ثلاث سنوات لتفكيك المجتمع الشيعي كحاضنة أساس لحزب الله. والأهم من ذلك كان خسارة 72 مرشحًا دعمتهم السعودية ماليًا وسياسيًا واعلاميًا، جزء كبير منهم من الطائفة السنية التي تعد ميدان الحركة السعودية الرئيسي في لبنان.

الإجراءات السعودية المواكبة للمرحلة القادمة في لبنان

-الحرب الناعمة، من خلال تمويل بعض المشاريع المحلية التي تمس حاجات الطبقات الشعبية بشكل مباشر، وعلى وجه الخصوص الطائفة السنية.

-دعم الأحزاب والقوى السياسية المناوئة للمقاومة ماليا.

-المساهمة بكل السبل في عرقلة استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية، كي لا تمتلك البلاد قرارها المستقل عن السياسة الخارجية السعودية.

-إثارة القلاقل، وتحريك العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وتسليح وتمويل المليشيات المحلية.

-منع حزب الله من التغلغل في المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية، لا سيما في المؤسسات العسكرية والأمنية.

-القيادة المباشرة للطائفة السنية من غير وكيل حصري كرئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الدين الحريري.

قطع الملك فيصل النفط عن الأسواق الامريكية والأوروبية، دعمًا لمصر وسوريا في حرب تشرين/ أكتوبر 1973، وبعد عدة سنوات اغتيل فيصل على يد أمير سعودي كان يدرس في الولايات المتحدة، ويقال ان فيصل كان يعمل على الاستغناء عن الدولار، وإصدار عملة جديدة للتبادلات التجارية الخاصة بالنفط، وأنها كانت سببا اضافيا لمقتله.

تدرك المملكة العربية السعودية أنها دولة مركز في الشرق الأوسط، والعمود الفقري للنظام الرسمي العربي. اليوم يرفض ابن سلمان تلبية طلب الولايات المتحدة بزيادة الإنتاج النفطي، متماهيا مع مصالح خصمها الدولي روسيا الاتحادية، ويتفاوض مع الصين لاحتمال اعتماد اليوان في بيع النفط، مما يتسبب بضرر كبير لمكانة الدولار كعملة مرجعية عالمية، ويضر بشدة بالمكانة المالية والسياسية الدولية للولايات المتحدة، ويفتح الباب لدول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول في المنطقة، للتبادل التجاري مع الخارج لا سيما الصين وروسيا بالعملات المحلية- مؤخرا، بدأت مصر تتعامل بالروبل من خلال نظام روسي شبيه بنظام سويفت – مما يقلص من حجم النفوذ الأمريكي والغربي.

يظهر في المنطقة العربية اليوم، تجمع غير معلن من قبل حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة، هم مصر والامارات والسعودية. يظهر هذا التجمع تمردا غير مسبوق على الولايات المتحدة، ويظهرون تنسيقا وتعاونا أعلى المستويات، في إدارة السياسات الإقليمية، والربط الاقتصادي والنقدي، والتنسيق والتشبيك العسكري، والانفتاح الاقتصادي والسياسي على الصين وروسيا. يعمل هذا التجمع الاقليمي لتحقيق عدة اهداف، كالتالي:

-إدارة سياسات الدول العربية الأقل مكانة، والأكثر ضعفا، والاستحواذ على أصولها الاقتصادية كهدف رئيسي، والاستثمار في مجالات الامن الغذائي، وتعزيز الشراكات التجارية والصناعية وغيرها.

-مواجهة التحرر الإيراني في المنطقة العربية، معززا بـ:

– القبول بسياسة خفض التصعيد التركية مع دول المنطقة، مقابل تعاونها في مواجهة الحركات السياسية الشيعية العربية المتحالفة مع إيران، في العراق وبلاد الشام.

-التحالف مع الكيان المؤقت امنيًا وعسكريًا.

-مكافحة التدخلات الامريكية في شؤونهم الداخلية، لا سيما منظمات المجتمع المدني غير الحكومية الممولة من وزارة الخارجية الامريكية.

-تحقيق أكبر قدر من الاستقلال السياسي عن الولايات المتحدة على الساحة الدولية – دون معاداتها – بعد تدبيرها ودعمها لأحداث الربيع العربي، مما تسبب بانعدام الثقة بها.

-استغلال علاقتهم مع الكيان، لإنشاء لوبي سياسي في واشنطن، يواجهون به سياسات أي إدارة أمريكية تعمل على تطويع او معاقبة أنظمة هذه الدول الثلاث، وتطويع السياسات الامريكية في المنطقة لمصلحتهم.

-تطويع سياسات الكيان المؤقت لمصلحتهم إقليميا، ليس فقط في مواجهة إيران وحلفائها، إنما في مواجهة وحتى تغيير الأنظمة العربية، التي لا تتوافق سياستها مع مصالحهم، كما حدث مؤخرا في الأردن، من محاولة لقلب نظام الحكم فيها بالتعاون مع تل أبيب –لا يبدو ان مصر كانت مشاركة – والتحالف مع الكيان المؤقت في مواجهة الطموحات التركية في شرق المتوسط وشمال افريقيا.

-مصالحة أنقرة مع تل أبيب، يمكن أن توسع مفهوم الإمارات عن “درع إقليمي” ضد طهران وحلفائها في المنطقة.

بالطبع لا ينبغي أن توهمنا النقاط أعلاه أن هناك صراعا بين هذه الأطراف الإقليمية وبعضها، وبينها وبين الولايات المتحدة، بل هي تعبر عن ديناميكيات المنافسة في ظل التحولات العالمية الناتجة عن تراجع مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وعلى المنافسة البينية بين القوى الإقليمية المركزية في المنطقة، بينما يظل الثابت هو العداء المشترك لإيران، ولشبكة حلفائها من الحركات الإسلامية السنية والشيعية المقاوِمة، والتي تتخذ من العداء للكيان المؤقت ركيزة لحركتها السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.