حق الدول بالدفاع عن النفس: كيف يكفل القانون الدولي لسورية الرد على “إسرائيل”

law-culture3

موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:

إعتدى العدو الصهيوني على السيادة سورية بشكل واضح ومستفِز، من خلال غارته على منشأة البحث العلمي في ريف دمشق، حيث شكل هذا العدوان خرقاً كبيراً لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية التي تحرم هذه الإعتداءات، وبالتالي فإنه يقدم حجةً كبيرةً لسورية من أجل الرد على العدو. فكيف يكفل القانون الدولي لسورية حق الرد على “إسرائيل”؟

بدايةً، يجب التأكيد على أن “إسرائيل” إرتكبت عملاً عدوانياً ضد سورية، وهذا العمل يحّاكم عليه قادة “الدولة” من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وقد عرفت الهيئة العامة للدول التي صادقت على نظام روما، في دورتها السابعة التي انعقدت في نيويورك في الفترة من 9-13 شباط 2009، العمل العدواني بأنه “الضربة الأولى من قبل دولة ضد دولة أخرى بدون مبرر قانوني، أو بدون أن يكون هناك عمل استفزازي من جانب الدولة المعتدى عليها، وأن يكون على مدى واسع النطاق. وتقع مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة على رئيس وقادة الدولة المعتدية”(1).

وبحسب ما نص عليه نظام روما فإن أركان جريمة العدوان تتضمن الأفعال التالية:

– غزو أو مهاجمة دولة أخرى؛

– الاحتلال المسلح لدولة أخرى، وإن كان مؤقتا؛

– قصف دولة أخرى؛

– إيقاع الحصار على دولة أخرى؛

– السماح لدولة ثانية بارتكاب فعل من أفعال العدوان على دولة ثالثة؛

– إرسال فرق مسلحة لإيقاع أفعال قاسية ضد دولة أخرى.

وبناءً على ما تقدم، يمكننا أن نؤكد أن “إسرائيل” إرتكبت جريمة عدوانية ضد سورية، وبالتالي فإن هذا العدوان يعطي لسورية الحق في الدفاع عن نفسها، وتوجيه ضربة للعدو الصهيوني كردة فعل على قصف منشأة البحث العلمي. كما يكفل لسورية الحصول على تعويض مادي ومعنوي. أضف إلى ذلك أن ” إسرائيل” قامت بفعلين: الأول هو قصف سورية، والثاني هو مهاجمة سورية، أي توجيه ضربة إستباقية، ولم يحصل العكس أي أن دمشق ليست هي التي قصفت “إسرائيل” ليحق للأخيرة قصف المنشأة العلمية وتوجيه ضربة لسورية، فحق الدفاع عن النفس يشترط به أن لا يكون إستباقياً، أي أن سورية لم تفترض أن العدو سينفذ ضربة ضدها وبالتالي تبني على هذه الفرضية.

إنتهاك فاضح للقوانين الدولية

لقد إنتهكت “إسرائيل”القانون الدولي الذي يمنع توجيه ضربات إستباقية لأية دولة لم تقم بعمل عدواني ضد الدولة الأخرى، كما أنها إنتهكت ميثاق الأمم المتحدة بشكل فاضح، حيث تنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية في الميثاق على أن “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”. كما يمنع التدخل في شؤون الدول الأخرى، وبالتالي فإن حجة “إسرائيل” وإدعائها أن سورية تهرب أسلحة كيميائية إلى لبنان ـ بمعزل عن الإفتراء والكذب الذي تسوقه ـ فإنه لا يعطيها أي حق للتدخل في شؤون سورية ولبنان، وقصف “إسرائيل” لسورية عبر إستخدام الأجواء اللبنانية. ففضلاً عن أن قانون الفضاء الدولي (الجو) يمنع المرور الغير البريء للطائرات لاسيما في حالة لبنان و”إسرائيل”، فإن الأخيرة إنتهكت ما ينص عليه الميثاق في الفقرة السابعة من المادة الثانية، بأنه “ليس هناك ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق”، لأن هيئة الأمم المتحدة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، وفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وبالتالي فإن العدوان ضد أية دولة مستقلة ذات سيادة يعتبر أهانة لميثاق الأمم المتحدة.‏(2)

وقد جاء في قرار لمجمع القانون الدولي عام /1954/ أن: “المسائل التي تعد من صميم السلطان الداخلي هي تلك الأنشطة التي تمارسها الدولة ، والتي يعد فيها اختصاص الدولة غير المقيد بالقانون الدولي . ويتوقف مدى، أو نطاق هذه المسائل على القانون الدولي، ويختلف تبعاً لتطوره”. وكذلك نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على “إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها”.

ويقول إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، الصادر بمقتضى التوصية 2625 بتاريخ 24 أكتوبر 1970 الصادر عن الجمعية العامة على أنه “ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. ونتيجة لذلك اعتبر، ليس فقط التدخل العسكري، بل أيضاً كل أنواع التدخل أو التهديد الموجه ضد مكوناتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية مخالفاً للقانون الدولي”.

وهناك أيضاً القرار 2734 ـ 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن الدولي)، والقرار (155/32/(A/RES 19 كانون الأول 1977،(إعلان تعميم، وتدعيم الانفراج الدولي). والقرار (103/39//RES (A 9 كانون الأول 1981، (إعلان بشأن عدم جوازالتدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول). وأكدت اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول حيث نصت على أنه “ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى”، كما أنه أكدت حق الدفاع عن النفس.(3)

حق سورية في الدفاع عن نفسها ضد “إسرائيل”

قد يأتي أحد ما ويقول أنه إذا قام نظام الرئيس السوري بشار الأسد بقصف “إسرائيل”، فإن ذلك يجعله مخالفاً للقوانين الدولية، وبالتالي يصبح بإمكان الولايات المتحدة و”إسرائيل” التذرع بذلك، وشن هجوم عسكري على سورية، ولكن هذا يكون كلاماً غير واقعي، وهو مجرد حديث سياسي ليس إلا، ولا يراعي المعايير القانونية العلمية والموضوعية. ومن يقول أيضاً إنه على الرئيس الأسد أن يكتفي برفع شكوى إلى مجلس الأمن، يقول ذلك بغرض ما وليس لحفظ حق سورية في الدفاع عن نفسها، علماً أننا لا ندخل هنا بنقاش إذا كان على سورية قصف “إسرائيل” أم لا، ولا بأبعاد هذا الرد.

ويفترض مفهوم حق الدفاع عن النفس وجود خصم مدجَّج بالسلاح على أهبة الانقضاض على عدوّه، والمادة 51 من ميثاق الامم المتحدة ـ الفصل السابع تؤكد أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”، إذا فإن هذه المادة تكفل للدول حق الدفاع عن النفس، فلا يجوز أن تقوم دولة ما بالاعتداء على دولة أخرى امام ناظريها، ودون أن تدافع عن نفسها، لأن هذا العمل سيتكرر بإستمرار، فكيان محتل مثل “إسرائيل” لا تردعه القوانين والشرائع الدولية، وما يلزم معه هو التعامل بالمثل، فالاستثناء الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.

وما يؤكد حق الدفاع عن النفس هو ما قاله المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال الحرب الصهيونية على غزة، علماً أنه يقف في صف “إسرائيل” وليس في صف أهالي غزة، حيث قال إن “لكل دولة حق الدفاع عن النفس، في تعليق جاء بعد وقت قصير من حديث رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عن تفهم بان كي مون لهذا الحق، في معرض تلخيصه للعمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل  ضد قطاع غزة”. وكان نتنياهو قد قال في مؤتمر صحفي  إنه اتصل ببان كي مون “الذي أبدى تفهمه لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس” ضد هجمات الصواريخ التي تطلقها حركة (حماس). إلا إذا أصبح بان كي مون هو أمين عام “لإسرائيل” وليس للأمم المتحدة التي تجمع كل دول العالم.(4)

إذاً، فإن النظم القانونية كافة تعترف بحق الدفاع عن النفس، وهو حق معترف به منذ القدم وما زال كذلك في ظل ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر استخدام القوة للدفاع عن النفس حقاً استثنائياً بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، ويرى مؤيدو القانون الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول بممارسته، وتلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التدخل المشار إليه (5).

بعد كل هذا الشرح، يمكننا القول إن لسورية الحق في ردع “إسرائيل” عن القيام بأي عمل عدواني ضدها، ولا أحد يستطيع أن يمنع سورية عن ذلك، لأنه حق ينبع من صميم الشريعة الدولية، ويجب أن يعلم المجتمع الدولي أن “إسرائيل” هي التي تكون بادية بالاعتداء على الدول العربية، والقضية الفلسطينية خير دليل على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: رحال، غصون،المحكمة الجنائية الدولية: إشكالية تعريف العدوان http://www.amnestymena.org/ar/Magazine
2: يمكنكم العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة.
3: مطر، علي، مقال قانوني نشر على موقع العهد، http://www.alahednews.com.lb
4:http://www.aljazeera.net/news/page
5:مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية http://www.dctcrs.org/s5641.html

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.