حيدر أيقونة البراءة

يحصل ذات مرة أن تفقد قدرتك على التعبير. ويحصل أيضاً أن تبحث عن كلمة تصف بها الأشياء فلا تعثر. لا لشيء بل لأنّ الصورة أصدق إنباءً من الكلمة. ولأنّ المشاعر عادة ما تكون خارج سياق أي تعبير. هي المرة الأولى التي أقف فيها حائرة أفتش عن كلمة أو معنى أصف فيه حالة الطفل حيدر مصطفى. ذاك الجريح الذي اختصرت قصته كل معاني الإعتداء على الطفولة البريئة. أضحى بلا أب ولا أم. كل ذنبه أنه مرّ من هناك، من أحد أحياء برج البراجنة، حيث اختار الإرهابيون طريقهم. مرّ من هناك حيث يرقد شعبٌ ألف النصر ولم يختر عليه بديلا.

دخلنا المستشفى نبحث عن ابن السنوات الثلاث الذي ضجّت بقصته مواقع التواصل الإجتماعي. عثرنا عليه يرقد في سريره بمستشفى الرسول الأعظم (ص) وقد اجتمعت حوله الأحبة. تداعت الى مخيلتي جملة من الأسئلة لحظة دخولي. مَن لطفل فقد الحنان والأمان؟، وأي مبرر سيقدم اليه عن سر انتقاله من مسقط رأسه الى بيت الجد؟. عن سر هجرانه لمنزل وُلد فيه وترعرع في أحضان أبويه؟. حاولنا التحدث اليه. اغرورقت عينه اليسرى بالدموع واليمنى مغطاة وآثار الجراح على يديه. يلهو بدفتر صغير. لم نعلم من أين نبدأ الحديث وكل الكلمات تؤدي الى حيث تمتزج البدايات مع أفق النهايات، ويضيع الفؤاد عند دروب الطفولة. نسأل عن أبناء جل همهم لعبتهم. بأي ذنب يقتلون؟.

الطفل حيدر وحوله الأحبة

شو اسمك؟. حيدر. ليش انت هون يا حيدر؟. “بدي روح عالملاهي مع خالتو علية”. شو صار معكن؟. “انا وماما وبابا طلع فينا انفجار. احترقنا وطلع الدم”. شو بتقول للي عمل فيكن هيك؟. “بدي جيب سبايدر مان يقتلهن وادعي عليهن يموتوا”. بهذه الكلمات يختصر حيدر كل ما في الحكاية. طفولة بريئة تستهدف بلا ذنب. سيكبر ذاك الطفل ويروي يوماً ما قصته عن الإرهاب الأعمى الذي يحاول النيل من شعب المقاومة ولكن هيهات.

من حيدر انتقلنا الى محمد. المعاناة واحدة، ويدُ الإرهاب واحدة. استقبلنا ابن السنوات الخمسة باكياً ” بدي امي”. يبحث عنها في أروقة الغرفة فلا يجدها. يسأل الجدة. منذ الأمس لم أرى أمي، أين هي؟. مشهد يندى له الجبين. وأي لحظات هي تلك التي تشعر فيها أنّ الطفولة البريئة تنتهك.. حاولنا التكلم اليه، لم يكرّر سوى كلمة “الله لا يوفقهن”. لننتقل الى السرير المجاور حيث يرقد حسين ابن السنوات الثمانية. عيناه تفيضان دمعاً. ببراءة الطفولة يروي ماذا حصل. “كنا على “الموتسيك” بعين السكة أنا وبابا، فجأة طلع فينا الإنفجار. طرنا، جابونا على المستشفى. الله لا يوفق لي عمل الإنفجار ولا يعطي عافية”.

الطفل حسين

حيدر، محمد وحسين، هم أطفال، لم يحملوا يوماً سلاحاً لمقاتلة الإرهابيين. ولم يعرفوا أصلاً معنى الإرهاب. أطفال جل همهم دمى متحركة يلهون بها أو بارودة اصطناعية. لكنهم اليوم تعرّضوا لأبشع صور الإرهاب، وحتماً عندما يكبرون، سيقفون في الصفوف الأمامية للدفاع عن الوطن وشعبه. سيقولون للإرهابيين “لو قتلتم ألف أبو حيدر وأبو حسين وأبو محمد لا ولن نركع”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.