خاص: إلى جرود عرسال.. مسيرة الإعلاميين تلتقي بقوافل المجاهدين (معارض صور)

 

موقع إنباء الإخباري ـ
محمود ريا:

عزيزةٌ، كل حبة تراب مررنا عليها في تلك الأرض المطهرة التي روّتها دماء شهداء أبطال، وجرحى صابرون، ومجاهدون تآخوا مع الأرض، فكانوا جزءاً منها وسنداً لها وعنواناً لتحريرها.

غاليةٌ، كل ذرة غبار “تعملقت” و”تعمشقت” لتغزو وجناتنا وجبهاتنا، مصرّة أن تحكي لنا قصص البطولة والفداء، وأن تتحدث عن مشاهداتها لهؤلاء الذين باتوا جزءاً من أسطورة ستتناقلها الأجيال، وستكتبها سجلاًت الشرف على مدى الأزمان.

إنها الرحلة التي لا تقدّر بثمن، والتي تعجز نفوس ضعيفة ـ لا تؤمن بالأرض ولا تفهم معنى العرض ـ عن سلوكها، رحلة تعطيك الشعور بأنك في جنة الله في هذه الدنيا، بالرغم من كل التراب والغبار، ورغماً عن حرارة الشمس التي تلفح الوجوه، ولا تؤثر في معنويات شباب قرروا أن يكونوا هم عنوان النصر الدائم.

من هذه الرحلة يبدأ تاريخ آخر، تاريخ لا يمكن أن تكتب سطوره آلاف الصفحات في الجرائد، ولا مئات المشاهد على شاشة التلفاز> فهنا فقط، يمكنك أن ترى الحقيقة، وأن تسمع صوت الواقع، وأن تشمّ رائحة العزة التي تنتشر بين التلال والهضاب، وترتقي إلى أعلى.. إلى رؤوس الجبال.

عليك أن تأتي إلى هنا، وأن تسمع الأسماء، وأن تتعرف على المواقع، لتعلم أن هؤلاء الشباب صنعوا معجزة حقيقية، معجزة لا يمكن وصفها، ولا يمكن تفسيرها، لأنها أقوى من وضعها في أطر ملموسة، وأكثر تعقيداً من أن تُختزل بعناوين مادية.

وعندما ترى لوناً رمادياً يتحرك، إعلم إنك تواجه هؤلاء الشباب، الذين لا يبالون بغبار ولا بتراب، ويسيرون على هدىً من ربهم، يخترقون حدود المستحيل، ويحققون بيوم وليلة ما عجزت أعتى جيوش العالم عن تحقيقه في أسابيع وأشهر وسنوات.

المفاجأة حاصلة بلا ريب، لأن المعطيات لا تعطي هذه الخلاصات، والمقدمات لا تؤدي إلى هذه النتائج، ومن يعرف بالعمل العسكري يدرك ما نقول، أمّا من لا يعرف.. فدعهم في طغيانهم يعمهون.

في الجرد يُعرف الرجال، وعلى تلك الأرض تُعطى القيمة الحقيقية للرجولة. في العيش هناك بأس وعزم وإصرار وثبات، وفي الزحف إلى هناك تُرسم صورة الفارس المتأهب للمعركة، وفي تحرير تلك الأرض يُكتب فصل المجد في كتاب الوطن.

والتحرير ممّن؟

من مخلوقات قررت أن تكون خارج مسار التاريخ في منطقتنا، وأصرّت على رسم صورة سوداء قاتمة لبلادنا، وأن تزرع الموت والدمار في ديارنا، وأن تجعل لغة التهديد والوعيد، ومنطق سفك الدماء هما السائدين في ربوعنا.

.. من وحوش بشرية “خَلَدت” في تلك المنطقة المعذّبة من بلادنا، وزرعت جروحها شقوقاً تحت الأرض في تلالنا، واتخذت من المغاور التي حفرتها الطبيعة، أو تلك التي عملت أياديهم الآثمة على نقبها في جرودنا، مخازن لسلاح قاتل، ولإجرام متأصل، ولفكر مدمّر.

.. من أشخاص اختطفوا الهضاب، سرقوا الجبال، اغتصبوا الأرزاق، جعلوا الأشجار المثمرة هباء منثورا، والثمار اليانعة خيراً مهجورا.. والكسارات، بدل أن تكون مصدراً للبناء، حوّلوها إلى مراكز للهدم والتخريب، ومنابع لسيارات التفجير والتدمير.

هؤلاء هم الذين تصدى لهم رجالنا، ووقف في وجههم شبابنا، فأحبطوا بيومين ما صنعوا في سنين، ودمروا بساعات امبراطوريةً من الحقد والموت بناها أولئك المخرّبون على مدى آلاف الساعات من الحفر والتحصين و”التدشيم” في مساحات شاسعة من أرضنا التي كانت محتلة.

***

 

هذه هي القصة باختصار، ترويها صور بالآلاف تختزنها ذاكرتك، وأنت الذي ترافق مئات من الصحافيين من أنحاء العالم، قرروا الاستجابة للدعوة الكريمة التي وجهتها “العلاقات الإعلامية في حزب الله”، وانطلقوا في أكثر من خمسين سيارة رباعية الدفع إلى جرود قاسية، وجبال عاصية، لا تلين إلا لمن يعرف كيف يطوّعها. ونحن كصحافيين لم نعرف، بل كدنا أن نتوه، لولا أن كان برفقتنا أشدّاء يعرفون كل تفصيل، ويعلمون أسماء وصفات ومعالم كل الأشياء هنا، بالرغم من أنهم لم يمضِ عليهم فيها سوى أيام.

من انطلاقنا من جرود بلدة يونين إلى وصولنا إلى أول المنطقة العسكرية في الجرود مرّ الوقت بطيئاً، ومضت ربما ساعتان، في صعود وهبوط، على طرقات ممهدة ولكنها ليست معبّدة، تعاني السيارات الرباعية الدفع عليها، فيما تعجز السيارات العادية عن تذليل عقباتها.

ومن النقطة العسكرية إلى أعماق المناطق المحررة حديثاً تصادف قافلتنا جغرافيا عجيبة، تصبح معها المرحلة الأولى من الطريق مجرد نزهة في أرض سهلة، فهنا العقبات والصعوبات والصخور الناتئة والطرقات غير الممهدة والغبار والحصى، كلها تقف في طريقنا. ولكن بتشجيع من المجاهدين الأبطال، نتجاوز العقبات واحدة بعد الأخرى، والطريق الطويل يقود إلى المحطة البارزة في الرحلة، إلى المغارة التي بات يصطلح على تسميتها: “مغارة أبو مالك التلّي”.

 

المكان الذي اختاره هذا الإرهابي الكبير لإقامة مقر إقامته استراتيجي ومهم، وموقعه مميز واستثنائي في وسط وادٍ ممتد، وتحت جبل مرتفع، بحيث أن أقوى الغارات، وأكثر الأسلحة الثقيلة فاعلية تصبح عاجزة عن التأثير في هذا “الحصن” المختفي بين الجبال وتحت صخورها.

تحصين دقيق، مداخل متقنة، وتصميم مميز، يدل على راحة مطلقة في إنشاء هذه “القرية” تحت الأرض، وعلى هدوء في التخطيط والعمل، وعلى استعداد للتوسيع والتطوير.

غرف للمنامة، مطابخ، حمامات، قاعات، مخازن للسلاح، سجون جماعية وأخرى إفرادية، تجهيزات لتحقيق الرفاهية، كلها متوافرة هنا، ما يدل على اطمئنان لإقامة طويلة جداً، إقامة لا يجرؤ أحد على قطعها، ولا يمكن لأحد حتى التفكير بمنعها، إلا إذ كان هذا الأحد هم رجال الله الذين تخصصوا بزعزعة عروش المتغطرسين، الدوليين منهم والإقليميين، وحتى أولئك المحليين.

الصور تُغني عن الشرح، وفيها الجواب على كل تساؤل عن المدى الذي بلغه هؤلاء الإرهابيون في رسم أدوارهم الحالية والمستقبلية، والمشاريع التي خططوا لتنفيذها في المنطقة كلها، انطلاقاً من جرود عرسال.

(أنظر ألبوم الصور في الأسفل)

 

هنا تحدث لنا قيادي في المقاومة الإسلامية بهيبته اللافتة وتواضعه الجمّ، قال كل المعلومات التي يمكن قولها حول المنطقة التي تحررت، ومسار المعارك التي حررتها، ونوعية العدو الذي واجهه المجاهدون. وبعد الشرح، أسئلة متعددة وإجابات دقيقة وموثقة، اقتصرت على الجانب العسكري، أما الأسئلة السياسية فلها من يجيب عليها.

قبل حديث القيادي في المقاومة الإسلامية، كانت كلمات لمسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، الحاج محمد عفيف، تحدث فيها عن الجولة وأهدافها، وعن الدور المميز للإعلام الحربي المركزي في المقاومة الإسلامية في تنظيمها وفي تأمين المتطلبات اللوجستية والفنية لها.

نترك المغارة، وهي لا تُترك، لأن فيها الكثير مما ينبغي مشاهدته، وإعادة رؤيته، وترسيخه في الذاكرة، للاستفادة منه كدليل على مدى الجهود التي بذلها المجاهدون لتحرير هذه المنطقة التي دارت فيها أعنف المعارك، قبل أن يفرّ المنهزمون منها، ويتركوها صاغرين، لتتحول إلى درّة تاج الإنجازات التي حققها المجاهدون.

بعد المغارة زيارة لموقع ضهر الهوّة، فوق، في أعلى الجبل. السيارات الرباعية الدفع بالكاد وصلت. تعرّجات الطريق أصعب من أن تتجاوزها أعتى الآليات، فكيف وصل مجاهدون إلى رأس الجبل، فيما هنا كان يوجد إرهابيون يطلقون النار من مختلف أنواع الأسلحة عليهم، محاولين منعهم من الوصول إلى هذا المكان الحساس والمميز في مسرح المعركة؟

تحصينات الأعداء ما تزال ظاهرة للعيان، وعدد عبوات الرصاص الفارغ ـ من مختلف الأصناف ـ يدل على حجم المعركة التي دارت هنا. وبالرغم من ذلك.. وصل المجاهدون وانتصروا.

 

من مرتفع ضهر الهوّة ننطلق إلى مقر قيادي للمقاومة الإسلامية في الجرود.

هنا المشهد معبأ بمعاني العزة والكرامة. نصب شهداء العزة يقف شامخاً، تحية للمقاومين الأبطال الذين قدموا دماءهم لتحقيق النصر المؤزر، إلى جانبه كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للمجاهدين: “بأبي أنتم وأمي ونفسي.. كيف أصف حسن ثنائكم؟”

وفيما ترافقنا طائرة بدون طيار من الأعلى، تصوّر هذه الجمهرة الضخمة من الإعلاميين الذي جاؤوا لتصوير إنجازات المقاومين، نبدأ بالاطلاع على عيّنة من الأسلحة التي استخدمها المجاهدون في معاركهم: مدافع من مختلف الأنواع والأحجام، صواريخ، أسلحة مختلفة، سيارات نقل، وغير ذلك من التجهيزات التي كانت وسيلة بيد الأبطال ليحققوا بإرادتهم الانتصار الكبير.

 

وعلى مائدة المقاومة تناول الصحافيون من مختلف أنحاء العالم طعام الغداء، البسيط بنوعه، ولكن الغني بطعمه ومعناه.

 

ومن هناك ننتقل إلى المحطة الأخيرة، إلى جبل القنزح، المكان الي شهد أشرس المعارك قبل تحريره، والذي يطل على مخيمات اللاجئين في محيط عرسال، وبالتحديد على وادي حميّد، وعلى خط النظر منه يظهر موقع للجيش اللبناني، ما يعني تطويق الإرهابيين بشكل كامل، ووضعهم موضع الملاحقة.. حتى الاستسلام الذي حصل.

هنا رفع مجاهد علم لبنان وراية حزب الله معاً، ليعلن بذلك انتهاء مرحلة مهمة من مراحل تفشي الإرهاب، في جرود بلادنا الحبيبة، هذه الجرود التي توازي بأهميتها، في كل متر منها، أهمية أي بقعة على الأرض اللبنانية، حتى لو كانت العاصمة بيروت ذاتها.

 

انتهت الجولة مع مغيب الشمس. ودّعنا الأفق الذهبي، الذي يبدو أكثر إشراقاً من فوق، من حدود الكرامة والنصر، لنقدم قبل العودة فروض الشكر والامتنان للطاقم الذي رافقنا، سواء من الإخوة المجاهدين الذين كانوا على أتم الجهوزية لتأمين الظروف الأفضل لتحرك القافلة الطويلة، أو الإخوة في الإعلام الحربي المركزي الذين كانوا خير عون للصحافيين في تقديم التسهيلات والمعلومات للصحافيين القادمين من أقصى أطراف الأرض للمشاركة في التظاهرة الإعلامية المميزة، أو للإخوة والأخوات في العلاقات الإعلامية، الذين بذلوا كل الجهود المتاحة لتأمين انطلاق ومسير وعودة القافلة، وتحقيق اقصى الاستفادة المعلوماتية من محطاتها، ولا سيما مع وجود محللين سياسيين كبار، كانوا خير مُعين للصحافيين في تقديم شروحات وتحليلات وافية حول معاني المعركة وأهدافها ونتائجها.

على طريق العودة، كانت سيارات البث المباشر تتسابق لتقديم رسائلها ضمن النشرات الإخبارية، ولتقديم صورة موجزة عن هذا النهار الرائع، المضمّخ بالغبار المعطر بأرواح الشهداء، وبأنّات الجرحى وبعرق المجاهدين الذين كانوا يواكبوننا من بعيد، بعين ساهرة، ويد ملوّحة وواعدة بالمزيد المزيد من الانتصارات التي تستحق أن تُسجل ويُحكى عنها.

 

معارض صور:

مغارة أبو مالك التلي:

 

القاعدة العسكرية للمقاوومة الإسلامية:

 

جبل القنزح:

 

 

صور أخرى:

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.