روسيّة و”التّعاون المُتساوي”

 

 

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مَروان سُوداح*:

في لقاءات تجريها الفضائية الروسيهRT مع مختلف الشخصيات العربية، ومنها اللبنانية مؤخراً، وعلى وجه التحديد اللقاء الخاص الأخير للفضائية مع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الذي قام بزيارة رسمية لموسكو، تحدث خلالها عن ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وهذه اللقاءات مُتاحة على موقع هذه الفضائية، لاحظت تصريحات الشخصيات العربية التي أكدت أن روسية “لم ولا تتدخل” بشؤون الدول العربية، كما هو حال أمريكا والغرب في علاقاتهم مع العرب، بل أن روسية تنأى بنفسها عن أي تدخل كان بشؤون البلدان العربية سياسياً واقتصادياً.. رسمياً وشعبياً.

كما لاحظت خلال متابعاتي الحثيثة للمواقع الروسية، أن الرئاسة الروسية، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تحدّث مؤخراً، كما سابقاً، عن “التعاون المتساوي” و”التعاون الاقتصادي المتساوي” مع الجميع، وبضمنهم وبشكل مباشر مع شتى الأطراف العربية.

كما تتضمن بيانات الرئاسة الروسية والحكومة الروسية دعوات متواصلة للعمل السياسي على المسرح العالمي وفي مجال حقوق الإنسان، والذي لا يمكن أن يجري ولا يمكن أن ينجح “إلا على أساس التعاون المتساوي والحوار المحترم وتعزيز الثقة بين البلدان”، وتدعو موسكو كذلك ودون كلل إلى “التعاون المتساوي في محاربة الإرهاب”؛ و”لتعاون المتساوي على أساس الشرعية”؛ وأما في شأن “العقوبات” الأمريكية على روسية، فموقف موسكو واضح وعلني ويتلّخص بأنه “يجب أن ينحصر في التعاون المتساوي المعتمِد على احترام سيادة الدول”.. الخ

الشعارات الروسية عن التعاون المتساوي والاستقلالية العربية لم تأتِ من فراغ، فهي سياسة روسية تكمن في جوهر العقيدة الروسية والحياة الروسية ذاتها، لكن كثيرين لم يلحظوها للأسف أو لم يرغبوا بأن يلاحظوها أو يتابعوها، ناهيك عن أنهم لا يرغبون بتعريف العالم عليها أو تناولها بالبحث!، كما ليس مصادفة أن شعارات روسية تتشابه وشعار الصين الشهير في “معادلة الربح للجميع”، ويبدو أن الدولتين، روسية والصين، تتناغمان وتنسجمان في طرح هذه الشعارات، وربما تتفقان كذلك بشأنها، في محاولتهما التمهيد لتغيير نمطية العلاقات الدولية مِن سيادة الهيمنة إلى التحرّر فالمساواة والتعاون والربح المتساوي للجميع، وهو ما يَحتاجه العالم اليوم لتطبيقه في أسرع وقت، ونجد أن هذا النهج يُلاقي ترحيباً آسيوياً على وجه التحديد، لاسيّما وأن آسيا تتعرض منذ سنوات طويلة لهجمة عسكرية أمريكية وغربية متواصلة بهدف إفقادها توازنها وسيادتها على أرضها، ولأجل إتباعها مُجدّداً لهيمنة دول “المتربول” الدولية.

ويتضح كذلك من خلال القضية السورية، ووجود روسية عسكرياً وسياسياً في سورية، تنسيق روسية مع القيادة السورية وقيادات الدول الحليفة، وبضمنها الصين طبعاً، لتيسير أوضاع الأزمة ووقف التدخل الأجنبي. وتعمل روسية على مسارين لحلحلة هذه الأزمة، الأول عسكري ضاغط على الإرهاب الدولي، والثاني سياسي يحصد نتائج النقلات الإيجابية العسكرية والانتصارات المتواصلة للقوات الحليفة. ومن الواضح أن الدول الحليفة تنسّق بدقة متناهية فيما بينها في مختلف العمليات السياسية والحربية، وما ذهبت إليه بعض الصحف الأردنية والعربية من أن روسية “تبيع” إيران لصالح أمريكا و”إسرائيل” وتتفق معهما ضد إيران وسورية هو وهم وكذب رخيص ومحاولة إعلامية غبية وفاشلة ومضحكة لخلخلةٍ لن تحدث بالطبع في صفوف الحلف المناهض للإرهاب والدول الداعمة له.

لقد شهدنا خلال الأزمة السورية الكثير من البهلوانيات الغربية والعربية لتشويه مواقف الدول الحليفة على الأرض السورية، لكن مضامينها التآمرية تكشفت واحدة بعد أخرى، وها هم الحُلفاء ينتصرون ويَعرضون أمام العالم مشهداً جديداً في العلاقات الدولية داخل أتون المعركة الدولية الفاصلة لتجفيف الإرهاب في سورية ومنابعه، وفي طبيعة التحالفات وديمومة الحلف الدولي القائم على “المساواة في الحقوق” بين مختلف دول الحلفاء، بغض النظر عن حجم مساحة كل دولة من الدول الحليفة، وعديد سكانها، ووزنها الصناعي والعسكري والاقتصادي الخ.

مَن يَحاول صَب الزيت على النار، يَضطر أن يصبّه في نهاية المطاف على نفسه، فيحرق جسده وروحه وبيته بيده، والأفضل لمَن يَلعب في العتمة البرّانية أن يتوقف فوراً عن التمثيل والهزليات، والانتقال ولو في ربع الساعة الأخير في سورية إلى ترتيب بيته الإعلامي والاقتصادي والاجتماعي الداخلي، والتحلّي بالمسؤولية أمام الوطن والقضية والتاريخ والعالم، وإلا فسوف يذهب لا محالة إلى مزبلة التاريخ، ويَفقد شرعيته وشخصيته، ويصبح أقل مِن لاعب سيرك فاشل لا يحصل حتى على تصفيق المشاهدين!

 

*رئيس رابطة القلميين العرب حُلفاء روسيّة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.