زيارة بايدن: ما الجديد وما القديم حتى اللحظة؟

موقع قناة الميادين:

لم يكن مستغرباً أن يتحدث بايدن ولابيد، ويحرضا ضد إيران، لكن الجديد هو محاولة إجبار القوى الإقليمية أن تدخل في حلف أميركي “إسرائيلي” ضد إيران والصين وروسيا.

عند الحديث عن السياسة الخارجية الأميركية، لا يكون مستغرباً الحديث عن الدعم اللا متناهي للمشروع الصهيوني، الذي دائماً ما نشدد على أنه الثكنة الأميركية الغربية المتقدمة في منطقتنا. فالإعلان عن 38 مليار دولار كدعم أمني وعسكري، ومليار إضافي كمساعدات عسكرية طارئة، لا يفترق في ذلك أي من الإدارات الأمير كية السابقة حتى اليوم.

وعندما يتحدث المختصون عن أنّ القضية الفلسطينية لم تكن يوماً إحدى أولويات السياسة الخارجية الأميركية، فإنّ تأمين الكيان الصهيوني هو أولى الأولويات فيها.. وأما الجديد هنا فهو المقاومة الفلسطينية، وما أحدثته من تهديد حقيقي للمشروع الصهيوني خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد “سيف القدس”.

وهنا، إضافةً إلى التقدم الميداني العسكري للمقاومة، فإن ما أحدثته المقاومة الفلسطينية من تطوير المفاهيم النضالية، و الانسجام الشعبي في كل جغرافيا الوطن وتوحّده تحت عنوان القدس أضحى يشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني.

وأما على المستوى الدولي، فإن ما حدث في الرأي العام الغربي بعد “سيف القدس” يسجل مرحلة تاريخية في مكانة الرواية الصهيونية في المجتمع الغربي، فأصبحنا نقرأ ونسمع المختصين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية يتحدثون عن عنصرية “إسرائيل”، وعن جرائم ترتكبها ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز ” صوراً لأكثر من 20 طفلاً فلسطينياً قتلتهم “إسرائيل”، ولا يخفى على أي منا ما تمثله هذه الصحيفة في السياسة والثقافة النخبوية والرأي العام الغربي.

لذلك، عندما نتحدث عن تحالف بين قوى إقليمية مع السياسة الأميركية والإسرائيلية، بشكل عام، قد لا يبدو الأمر جديداً، لكن الجديد أن يكون هذا التحالف عابراً للمعتقد والتاريخ المشترك للأمة، ولتصبح أنت “ابن المنطقة”، سواء رغبت بذلك أم لا، عدواً لهذه التحالفات المرجوة صهيوأميركية. ولتصبح المقاومة الفلسطينية التي خصها ترامب وبايدن، والتي تدافع عن الأمن الجمعي للأمة، إرهاباً. وعليه، من المنطقي جداً أن يكون هذا المشروع ضد طموحات الأمة حكومات وشعوباً.

باختصار، فإن ما يمكن تصنيفه بالجديد في هذه الزيارة يقع في العناوين التالية:

خسارة الرهان على تغيير الإدارة الأميركية من جمهورية إلى ديمقراطية، في أن تتقمص أميركا دور المنصف في قضايا المنطقة والقضية الفلسطينية، فالإهانات التي وجهها بايدن إلى الجانب الفلسطيني خلال الزيارة، ينبغي للجانب الفلسطيني عدم تجاوزها، فلا زيارة إلى رام الله مقر السلطة، ولا لقاء ثنائياً مع الرئيس عباس ولا بيان مشتركاً، ولا احتفاظ بمصطلحات أوسلو المنحوس، من قبيل 67 والقدس المحتلة والسيادة الفلسطينية..

وحتى ما أعلن حتى اللحظة عن برنامج الزيارة إلى المملكة العربية السعودية، والتي بدأت في جدة اليوم، وليس الرياض، هو أيضاً مزيد من العنجهية الأميركية، إذ تحدث بايدن قبل بدء الزيارة عن أنه مهتم بالمؤتمر الذي سيجمع دول الخليج+٣، ولم يهتم كثيراً بالحديث عن العلاقات الثنائية مع المملكة.

لم يكن مستغرباً أن يتحدث بايدن ولابيد، ويحرضا ضد إيران، لكن الجديد هو محاولة إجبار القوى الإقليمية أن تدخل في حلف أميركي “إسرائيلي” ضد إيران والصين وروسيا، وهو على الرغم من سلبياته إن حدث، يؤكد على ضعف المشروع الصهيوأميركي وقلقه ، وقد بدا عواره بسبب انسحابات أميركا من المنطقة، ونتائج الأزمة الأوكرانية الروسية.

محاولات إعادة هندسة المنطقة على أسس تتجاوز الدين والمعتقد والتاريخ المشترك للمنطقة، وهنا يأتي التحالف الرباعي الجديد تحت عنوان I2U2، والذي يجمع أميركا و”إسرائيل” والهند والإمارات العربية المتحدة، في منظومة اقتصادية أمنية جديدة، يمكنها من الإشراف على تحويل طرق التجارة المائية دولياً، وقد نجحت الهند في توقيع اتفاقية إدارة ميناء حيفا مع الكيان الصهيوني، وكذلك ما أعلن عنه من احتمالية “ناتو” عربي أو تحالف دفاعي صاروخي، تكون “إسرائيل” جزءاً منه.

والعنوان الأخير هو الإعلان الصريح عن مواجهة التشكلات الشعبية والوطنية، والتي تمثل نبض الشارع على مستوى العالم من خلال إعلان الوثيقة المشتركة عن تجريم حملات المقاطعة مثل، الـ “بي دي أس”، وحركات المقاومة الوطنية التي حظيت بثقة جماهيرها في المنطقة من خلال صناديق الاقتراع، ومن خلال مصداقيتها وشرعيتها في مواجهة المحتل ببشرف وبطولة.

من المهم، هنا، استحضار أن مبدأ رحلة بايدن هذه هي الأزمة أميركياً و”إسرائيلياً”، وهي الأزمة ذاتها التي عانى منها تحالف ترامب- نتنياهو، سواء على الصعيد الانتخابي الداخلي في مجتمعيهما، أو على صعيد التخبط والأزمات في السياسات الخارجية للطرفين. وإن مصير ترامب- نتنياهو المخزي، سيكون هو المصير ذاته لما تخطط له القيادة الأميركية الصهيونية.

ولعل الاختلاف في وجهات النظر عربياً، والذي يبدي قلقاً رسمياً عربياً من هذه الزيارة، أحد الأدلة على ما أسلفت، ومنها تصريحات المسؤولين الأردنيين التي تنفي أي معرفة عن حلف دفاعي عربي تكون “إسرائيل” عضواً فيه، بل ترحيبهم باهتمام إيران بالعلاقة مع جيرانها. أضف إلى ذلك، التصريحات الإماراتية الإيجابية تجاه العلاقة مع إيران.

تتحدث توقعات المحليين الغربيين عن صعوبة المهمة التي سيقوم بها بايدن في المملكة العربية السعودية، وما سمته الـ”سي أن أن” اليوم بمسار الحبل البهلواني دبلوماسياً وسياسياً مع المملكة. في دلالة، من جانب، على تجاوز المطالب الأميركية كل الخطوط الحمر إقليمياً، ومن جانب آخر، على عمق الأزمة التي تمر بها الإدارة الأميركية.

أما بعد، إذا كان ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً، كما قال العجوز بايدن، فإن على أبناء المنطقة أن يعيدوا حساباتهم، وأن يقدموا خيار الحوار والتحالف الداخلي على أي حوار أو تشكيل يسمح بالنفوذ الأجنبي إلى المنطقة، ويزيد من حالة الفرقة والتشرذم للنظام العربي، وعلى مستوى الأمة الإسلامية بصورة عامة.

نحن أمام فرصة تاريخية من اختلال موازين القوى عالمياً، والتي تشكل قنطرة المرور لما يمكن تسميته تشكيل نظام عالمي جديد، لن يكون فيه إمكان للتفرد بالهيمنة الأميركية، بل ستكون هناك فرص حقيقية لتشكل تحالفات إقليمية محترمة وقوية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً إن أردنا، تجعل القوى العظمى تحترم التحالف معها والشراكة معها بندّية وليس على قاعدة التبعية..

وهنا، يشكل الفكر المقاوم للهيمنة الصهيوأميركية منطلقاً قوياً لفرض احترام على الآخر، وإقامة تشكل جديد للمنطقة قائم على مصالح أبنائها، وليس على مصالح الأجنبي الصهيوأميركي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.