سوريا والحل السياسي

Syria-flag

صحيفة الوطن العمانية ـ
د. فايز رشيد*:

ما كاد الرئيس السوري بشار الأسد ينهي خطابه الأخير في دار الأوبرا, حتى سارعت (قبائل) المعارضة الخارجية الى رفض المبادرة السياسية التي تضمنها الخطاب حتى دون دراستها, الأمر الذي يعني شيئا واحدا: أن أطراف هذه المعارضة تصرّ على اشتراطاتها بتنحي الرئيس الأسد عن منصبه, وأيضا القضاء على نظامه بشكل كامل. الغريب أن تصريحات لقادة المعارضة قبل الخطاب: نادت بالحل السياسي(على ما يبدو أن هؤلاء لم يتوقعوا خطابا يحمل مبادرة سيلقيه الرئيس السوري). المعارضة في الآونة الأخيرة شنّت هجوما عسكريا واسعا على العاصمة دمشق, وباعتراف مصادر عديدة: لقد استطاع الجيش السوري افشال الهجوم والحاق هزيمة بالقوات المهاجمة .
من ناحية ثانية: فان المعارضة الخارجية دأبت منذ ما يزيد على الشهر على الترويج: بأن النظام السوري يعيش أيامه الأخيرة, أي أنه يمر في مرحلة الخمس دقائق الأخيرة قبل السقوط . هذا ما بشّر به أيضا مسؤولون أميركيون واسرائيليون وغربيون, لكن ما تبين: أن النظام السوري مازال قويا, كما أن الرئيس السوري بدا في خطابه الأخير: صلبا بشكل كبير( وأنه ليس مكتئبا ومرعوبا وأن في نيته التوجه الى المناطق العلوية وغير ذلك من الدعايات الشبيهة) ولم يظهر بصورة الضعيف المهزوم التي دأبوا على تصويره بها.
مبادرة الرئيس السوري حملت أسسا متقدمة للحل, تقبل بتعديل الميثاق والدستور واجراء تغييرات جذرية في بنية النظام, وأن تخضع هذه التغييرات الجذرية والتعديلات لاستفتاءات شعبية. المبادرة أيضا فيها قبول للآخر في المشاركة بالحكم. هذه الأسس تستحق الدراسة من المعارضة الخارجية, لكنها للأسف رفضتها جملة وتفصيلا , وهو ما يشي بأننا سنكون في خضم مرحلة جديدة طويلة أخرى من المعاناة والصراع الدموي والتضحيات التي يقدمها أساسا الشعب السوري. سنكون أيضا أمام تدمير الوطن السوري بكل مقوماته, وأمام أخطار تقسيم سوريا الى دويلات متحاربة وطائفية بامتياز. هذا ما يجري رسمه لسوريا في الدوائر الأميركية والإسرائيلية والغربية عموما, فالنموذج العراقي لايزال ماثلا أمامنا ويمر بمحن كثيرة, عنوانها: احتياج البلد لسنوات طويلة( عشرات بل مئات السنين ربما ) حتى يعود ثانية الى صورته الاولى.
المطالب الشعبية في الديمقراطية والتغيير والاصلاح هي مطالب مشروعة للشعب السوري, غير أن هناك مؤامرة أيضا على سوريا, مؤامرة لاتزال قائمة ويجري تنفيذها لإعادة سوريا الى القرون الوسطى, وتسليم السلطة فيها لقوى سلفية ظلامية تتعامل مع معارضيها من خلال سياسة (قطع الرؤوس بالسيوف) بالتحالف مع مد اخواني يجتاح المنطقة تحت دعاوى مثل ما يسمى ” انشاء الهلال السني ردا على ما يتشكل من هلال شيعي ” وكأن عنوان الصراع في المنطقة هو الصراع المذهبي – الطائفي, وليس الصراع العربي الصهيوني. هذا التحول في الصراع تريده الولايات المتحد واسرائيل من أجل القضاء على المقاومة في المنطقة وتفتيت دولها أيضا . بالتالي ستغرق المنطقة في صراعات بينية جانبية في ظل تناسي الصراع الأبرز والأهم.
من تجربة صراع ما يقارب السنتين يتضح بما لا يقبل مجالا للشك استحالة حسم الصراع لصالح أي من الطرفين عن طريق الحل العسكري. واضح أيضا أنه ولفترة طويلة قادمة أخرى لن يستطيع أي من الطرفين حسم الأوضاع لصالحه. هذا الا اذا جرى تدخل عسكري خارجي لصالح المعارضة الخارجية على شاكلة ما حصل في ليبيا. بعد التجربة الليبية,لا الولايات المتحدة ولا دول حلف الناتو (الى حد ما) في وارد دخول مواجهة عسكرية جديدة, نظرا لان الجيش السوري ما زال قويا ولايزال يمتلك أسلحة قادرة على المواجهة. أيضا نظرا لوجود دعم روسي, صيني, ايراني لسوريا, وهذه أطراف لها ثقلها على الصعيد الدولي وعلى الصعيد الأقليمي أيضا.
مما لا شك فيه : أن حوارات أميركية – روسية جرت ومازالت تجري حول سوريا (وهناك أنباء ترددت عن وجود توافق بين الطرفين عل حل سياسي) لتأييد خطوات مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الى سوريا: الأخضر الابراهيمي ( رغم تصريحاته المنحازة لأحد الطرفين مؤخرا, وما كان يجدر لما يسمى بوسيط دولي التفوه بمثل هذه التصريحات!), الذي خيّر السوريين بين الحل السياسي والجحيم, بما يعنيه الخيار الأخير من انعكاسات تدميرية تلقي بظلالها على كل الأطراف أولا, وعلى سوريا الوطن بشكل رئيسي.
المعارضة الخارجية لا تقبل بأطروحات المعارضة الداخلية التي لا ترى الحل من خلال عسكرة الأزمة, والتي تقف ضد التدخل العسكري الخارجي. للمعارضة الداخلية مطالبها المشروعة وهي تحظى بتأييد شعبي واسع لها, كما ان النظام له جماهيره أيضا فما رأيناه من تأييد جماهيري للرئيس الأسد في دار الأوبرا يلفت الأنظار, ويتوجب الاعتراف به أيضا, وإلا كيف يستطيع النظام السوري الصمود والقتال لمدة تقارب العامين؟ وكيف يظل الجيش السوري متماسكا وقويا حتى اللحظة؟ نقول كذلك أن للمعارضة الخارجية مؤيديها أيضا.
لكل ذلك, يصبح الحل السياسي هو المطلوب للخروج من الأزمة السورية, التي وصلت الى مرحلة الصراع. لا بديل للحوار الوطني الشامل في سوريا ومشاركة كافة القوى في هذا الحوار, إلا الفوضى والمجهول ليس لسوريا فقط وانما للمنطقة أيضا.
· كاتب فلسطيني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.