سورية القضية السياسية الأهم في الانتخابات التركية

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

في الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات لعودة العلاقات السورية التركية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة، رغبته في تطبيع العلاقات مع سورية وآخرها ما أعلنه منذ أيام عن لقاء قمة يجمعه مع الرئيس بشار الأسد في موسكو بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد اجتماع وزراء خارجية البلدين.

بالمقابل شددت المعارضة التركية عبر بيانها الانتخابي على تطبيع العلاقات مع سورية ووحدة الأراضي، وسيادة الدولة السورية.

المشهد التركي يشير إلى نوع من السباق الانتخابي الذي تعتبر فيه سورية من أهم قضايا السياسة الخارجية في الانتخابات المقبلة.

في كتابها الجديد «حرب أردوغان»، تقول الكاتبة غونول تول: «تعلق سياسة أردوغان الخارجية أولاً وقبل كلِّ شيء بإستراتيجيته السياسية الداخلية للمحافظة على الحكم، وتحتل سورية مكانة فريدة في إستراتيجية أردوغان لبقائه في السلطة السياسية».

يرى مراقبون أن بعض جوانب حسابات أردوغان غير واضحة فيما يتعلق بعملية التطبيع في حين يواجه معارضة قوية لإعادة انتخابه وسط أزمة اقتصادية واستياء شعبي متزايد، فما مدى التزامه بتلبية شروط دمشق؟ وهل سيسحب الغطاء عن الفصائل المعارضة السورية ويوقف دعم الإرهاب، أم سيستخدمها كورقة مساومة؟

على الصعيد اقتصادي تعاني تركيا أزمة كبيرة؛ دين خارجي بلغ 450 مليار دولار وعجز في الحساب الجاري نحو 48 مليار دولار في 2022، سبب ذلك تدهوراً في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حيث وصل إلى أكثر من 18 ليرة تركية، ومعدل تضخم يتجاوز 80 في المئة سنوياً، مع مخاطر اختلالات هيكلية كبيرة في الاقتصاد التركي، حيث تعاني الدولة حالة ركود تضخمي لوجود معدل تضخم حاد ومتصاعد، وفي الوقت نفسه يستمر التراجع في الناتج المحلي الإجمالي.

العديد من المراقبين يرون أن عقد قمة تجمع بين الرئيسين الأسد وأردوغان انتصار سياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهزيمة للأميركيين، ويبقى أن ننتظر كيف سترد الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الحليف الأهم لأكراد سورية، على هذه التطوُّرات الحالية.

وحتى الآن تقول واشنطن فقط «إنَّها ترفض تطبيع العلاقات مع الأسد»

موقف واشنطن هذا قد لا يكون له أي تأثير في أنقرة، ومن المؤكد أن أردوغان يتظاهر بأنه يستمع إلى بوتين أكثر من استماعه لبايدن بخصوص سياسة تركيا تجاه سورية.

تُظهر الاستطلاعات أن اللاجئين السوريين أصبحوا ثاني أهم قضية بعد الأزمة الاقتصادية بالنسبة للناخبين الأتراك.

وقد أعلنت المعارضة التركية أنها تُفضِّل في حال فوزها في الانتخابات إعادة السوريين، وسيكون التوصُّل إلى اتفاق سياسي ينصُّ على إعادة اللاجئين السوريين، وإنهاء الميليشيات الكردية في المنطقة الحدودية، بمثابة خشبة إنقاذ لأردوغان في الانتخابات.

إن سورية وضعت شروطاً واضحة لتطبيع العلاقات مع تركيا، والتي تقضي إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، وإنهاء دعمها للتنظيمات المسلحة الإرهابية، وردت تركيا، في حينه، على الشروط السورية المحقة مقابل تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين، بالتلويح مجدداً بشن حملة عسكرية برية ضد مواقع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية ـ قسد».

بالمقابل يرى بعض المراقبين أن مجرد كسر الجليد مع سورية قد يفيد أردوغان في الانتخابات، بالنظر إلى أن ما يقرب من 60 بالمئة من الجمهور التركي يدعم الحوار مع الرئيس الأسد على أمل أن يسهل استعادة العلاقات عودة اللاجئين.

ولأن السلام مع دمشق تعهد انتخابي للمعارضة، يحاول أردوغان تجريدهم من ورقة رابحة رئيسية، لكن هل أردوغان اتخذ خياراً لا رجوع فيه لتطبيع العلاقات مع سورية أو ينظر إلى العملية على أنها مجرد استثمار انتخابي؟

يهدف أردوغان من خلال التقارب مع سورية إلى توحيد الجهود للقضاء على خطر إقامة كيان انفصالي كردي شمال وشرقي سورية، ويرى المراقبون أن النجاح في إنهاء خطر الكيان الانفصالي الكردي سيتيح للرئيس التركي اتخاذ قرار بسحب القوات التركية من سورية وهو أمر يحتاج إلى فترة طويلة من العمل ولا يمكن إنجازه قبيل الانتخابات، ويتطلع أردوغان إلى اللقاء مع بوتين والأسد، كرسائل رمزية للشعب التركي بأنه لا داعي لانتخاب المعارضة إذا كان الهدف وعودها بلقاء الأسد وإعادة اللاجئين طالما أنه هو أردوغان، قد بدأ بالفعل في هذا المسار.

أطلقت المعارضة التركية برنامجها الذي يتضمن نقطة تقاطع وحيدة بين أحزاب المعارضة وهي الإطاحة بأردوغان.

ويؤكد البيان على الارتباط الوثيق مع الغرب الأميركي الأوروبي وحلف الأطلسي، ويتضمن بيان المعارضة تطبيع العلاقات مع سورية ووحدة الأراضي، وسيادة الدولة السورية، لكن ذلك لم يتضمن أي وضوح تجاه موضوع الاحتلال الأميركي لأراضي سورية، وإدانة مشروع «قسد» الانفصالي المدعوم أميركياً، ولم يتطرق بوضوح لمكافحة الإرهاب، إنه سباق تركي للتطبيع مع سورية وبنكهة استثمار انتخابي.

إن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح الوطنية وتبقى سورية القضية السياسية الأهم في الانتخابات التركية، وتظل الدولة السورية متمسكة بشروطها الوطنية السيادية التي تقضي بإنهاء الاحتلال التركي لأراضي سورية، وإنهاء تركيا دعمها للتنظيمات المسلحة الإرهابية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.