“سيف القدس” واللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. التفاعل والتأثير

موقع العهد الإخباري-

هيثم أبو الغزلان:

تعاطت “إسرائيل” مع موضوع اللاجئين الفلسطينيين من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الترحيل، ومنع العودة، وإعادة التوطين خارج الديار الأصلية. وتعمل “إسرائيل” على أن تكون إعادة التوطين نتيجة حتمية، لكن متأخّرة للترحيل، ومنع العودة. وتسعى لأن يكون “التوطين” هو الحل الوحيد لقضية اللاجئين الفلسطينيين. والأسئلة التي تطرح نفسها: ما العلاقة بين معركة “سيف القدس” واللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟ ولماذا أعادت معركة “سيف القدس” ترتيب أولويات القضية الفلسطينية لتعود قضية اللاجئين من جديد لتحتل موقعها المهم في سياق عملية التحرر الوطني؟

لم تحل مفاوضات التسوية التي أدّت إلى اتفاقية أوسلو (1993)، قضية اللاجئين بشكل مباشر، ولم تؤثّر على وضعهم. وعدّت قضية اللاجئين من “قضايا الوضع الدائم” التي تتم مناقشتها في المرحلة الثانية من المفاوضات التي كانت ستبدأ خلال السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، والتي كان من المفترض أن تناقش قضايا مثل: القدس، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع دول الجوار، و”قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك”!

مضت الفترة الانتقالية لكن لم يتم التوصّل لاتفاق يُنهي “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، وبالتالي لم يتم إيجاد حل لقضية اللاجئين والقدس.. وتفجّرت انتفاضة الأقصى في العام 2000.

وفي الشهر الأول من العام 2020 أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن “صفقة القرن”، التي اعتبرت منعطفًا حادًا هدفه التسريع في تصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم. وانطوت خطة ترامب على تفكيك وضعية اللاجئ الفلسطيني القانونية، وإنهاء جميع المطالبات المتعلّقة بالعودة أو استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الكيان الصهيوني.

وتضمّنت رؤية ترامب إطارًا لدمج الغالبية العظمى في البلدان المضيفة الحالية، واستيعاب جزء منهم في دولة فلسطين المستقبلية ضمن قيود محددة، وتوطين 50 ألف لاجئ، على مدى عشر سنوات، في البلدان التي تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي. وحدّدت الرؤية صندوق تعويضات للاجئين، ووعدت بالسعي لجمع أموال الصندوق وسيُعنى بتقديم تعويضات للاجئين الفلسطينيين على أن يُدار بالتعاون بين دولة فلسطين والولايات المتحدة. إلّا أنّها أشارت إلى أنّ الاقتراحات السابقة التي طُرحت وطالبت بأن توافق “إسرائيل” على عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتعويضات بعشرات المليارات من الدولارات ليست واقعية. فيما تدّعي رؤية ترامب أنّ حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين يكمن في تفكيك جميع المخيّمات وبناء مساكن دائمة بدلاً منها، وإنهاء وجود “الأونروا” وتحويل مسؤولياتها إلى الحكومات المعنية. هذه الرؤية سبقها مسار من الخطوات تمثّلت باعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، واتخاذ خطوات عديدة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، تمثّلت بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وفي آب 2018 تم وقف الدعم الأمريكي وكل التمويل المالي المُقدّم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، في استهداف واضح وجدّي لوجود الوكالة، وفي خطوة حرب سياسية واقتصادية ضد الفلسطينيين. كما لا يخفى أن فريق التفاوض التابع للسلطة، قد توصّل مع الطرفين الإسرائيلي والأميركي، ضمن مقترحات عديدة إلى حلول تقضي بعودة رمزية للاجئين! وما يجري فرضه من وقائع على الأرض يشير إلى أن العودة الرمزية ليست قابلة للتطبيق، ما يعني أن التمسك بحق العودة كونه حقًا فرديًا وحقًا جماعيًا، لا يمكن التنازل عنه، ولا يسقط بالتقادم، لا يمكن لأحد أن يدخله في دائرة المفاوضات والتسويات الهزيلة.

وتتضافر جملة من الأحداث والمواقف لتشكّل تجاه اللاجئين الفلسطينيين جملة من التّحديات والقليل من الفرص، ويتمثّل ذلك بالهجوم المستمر على قضية اللاجئين، والتطبيع الذي يصنعه بعض “القادة” مع ما يحمله ذلك من مخاطر متزايدة. ولعل ما طالب به أعضاء جمهوريون من الكونغرس الأمريكي، إدارة الرئيس السابق ترامب برفع السرية عن تقرير وزارة الخارجية حول اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 2012، يشير إلى المزيد من الخطوات التصعيدية على حق العودة؛ فالرسالة تطالب باستبعاد قضية اللاجئين الفلسطينيين عن أي “اتفاقية سلام” قد تُوقّع لاحقًا، واعتبار 5.3 مليون لاجئ فلسطيني مجرّد “سكان”، ومطالبة واضحة بإعادة تعريف السياسة الأمريكية علنًا بشأن هوية اللاجئ، واستبعاد مسألة اللاجئين الفلسطينيين، في مقابل التركيز بقوة على مكافحة “التطرف والإرهاب”، والتعاون الاستراتيجي لتحقيق شرق أوسط جديد.

وجاء الإعلان عن اتفاقيات بين “إسرائيل” وقادة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب ليؤكد ما قاله في العام 2017، رئيس وزراء الاحتلال “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو إن كثيرًا من الدول العربية لم تعد ترى في “إسرائيل” عدوًا لها. وبعيدًا عمّا قاله نتنياهو فإن هذا التطبيع والاتفاقيات مع الاحتلال هو تخلٍّ واضح عن فلسطين وشعبها، وعن كل “الالتزامات” السابقة في ما عُرِف سابقًا بـ “المبادرة العربية للسلام” التي أطلقها “الرؤساء العرب” في العام 2002. إن من الواضح أن سياق التطبيع بين “إسرائيل” والدول المُطبّعة سيكون من أولى مهامه تشكيل حلف مشترك لمواجهة أخطار أخرى على رأسها الخطر الإيراني. وتبقى الأمور مفتوحة على آفاق أخرى غير التي يريدها ويسعى لها الأعداء، خصوصًا مع الحوارات العديدة الجارية في المنطقة، ومنها الحوار الإيراني السعودي، والمصري التركي، والمصالحات العديدة الجارية في المنطقة، وخصوصًا في منطقة الخليج..

تكامل المعركة والدعم

بعد سنوات من الركود في الحالة الفلسطينية في لبنان، أدّت إجراءات وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان، بخصوص العمالة الأجنبية في العام 2019، إلى انفجار فتيل الحراك الفلسطيني الغاضب في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وقد لاقى ذلك تضامنًا لبنانيًا، وفلسطينيًا من خارج لبنان أيضًا. وكانت قوة هذا الحراك أنه حُصِر بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والحقوق الطبيعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين.
وفي العاشر من أيار، ومع تفجّر معركة “سيف القدس” على امتداد فلسطين التاريخية، وجد الفلسطينيون في لبنان أنفسهم جزءا من المعركة. وظهر ذلك جليًا من خلال التحركات الميدانية، وخوضهم المعركة الافتراضية إلى جانب إخوانهم المنتشرين في أرجاء المعمورة لتثبيت الرواية الفلسطينية وأحقيّتها في مواجهة رواية العدو وبطلانها. فكل حدث ـ كما يقول الدكتور نبيل خوري ـ، بات يتحوّل إلى حدثين أو أكثر، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعية واعتيادية استخدامها من العامّة: حدث ميداني فعلي وحدث رقمي. لقد ثبّت الفلسطينيون مع التطورات الحاصلة في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، أن ما يتعرض له سكانه من حملة ترحيل، وتطهير عرقي من قبل الاحتلال “الإسرائيلي”، يكشف زيف الادعاءات الصهيونية، ويفضح روايتها الكاذبة.

لقد تكاملت المعارك التي خاضها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج؛ انتفاضة ومواجهات شعبية، ومعركة بالصواريخ وقذائف الهاون من قطاع غزة، ومعركة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعية.. كلّها أتت لتكمل مشهد المعركة والانتصار. واستطاع المجتمع العربي أن يثبت قوته في الفضاء الرقمي، فلم تعد “إسرائيل” قادرة على ارتكاب الجرائم، أو انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، أو القيام بالتنكيل بالمتظاهرين، أو قصف المدنيين، أو الاعتداء على الصحفيين، دون أن تجد أن أفعالها قد أصبحت بالصوت والصورة موجودة وعلى نطاق واسع أمام الرأي العام العالمي.

وعلى الصعيد الميداني فقد كانت هناك تحركات عديدة ومكثفة في جميع المخيمات الفلسطينية، والمناطق اللبنانية دعمًا للشعب الفلسطيني ومقاومته. فنُظّمت المظاهرات والفعاليات العديدة في المخيمات، وعلى حدود فلسطين المحتلة، حيث تخلّلت التحرّكات الشعبية على الحدود تحطيم كاميرات مراقبة تابعة للعدو الصهيوني، ورفع العلم الفلسطيني على الجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة. واجتاز بعض المحتجّين اللبنانيين السياج الشائك الأول مقابل مستعمرة المطلّة في 14 أيار، ما أدى إلى استنفار جيش العدو وإطلاقه قذيفتين باتجاههم لمنعهم من التقدم، فأُصيب على إثرها المجاهد محمد طحان من حزب الله، ليرتقي بعدها شهيدًا.

وأُطلقت عدة صليات من الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة. وشهدت العاصمة اللبنانية بيروت سلسلة تظاهرات داعمة لفلسطين عمّت شوارعها. كان من بينها وقفة احتجاجية شارك فيها ممثلون عن الأحزاب السياسية وشخصيات لبنانية وفلسطينية أمام مبنى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) تحت عنوان “استنكار الجرائم الإسرائيلية في فلسطين ودعماً للقدس”.

وقامت حركة الجهاد الإسلامي، ولأول مرة بشكل علني، بتخريج دفعة من مجاهديها أثناء معركة “سيف القدس”، في مخيم الرشيدية أقرب نقطة إلى فلسطين. كما كان هناك تحركات سياسية وإعلامية فلسطينية باتجاه القوى والأحزاب اللبنانية، وألقى الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، كلمة جماهيرية في احتفال نظّمه “حزب الله”، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أكد فيها مواصلة المعركة المواجهة، والإصرار على هزيمة الكيان الصهيوني. وعلى صعيد التحركات السياسية، التقى النخالة مع وفد من الفصائل الفلسطينية، الرئيس السوري بشار الأسد، كما التقى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في بيروت، وعددًا من المسؤولين الآخرين في إطار التأكيد على المواجهة والانتصار. كما قام ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، إحسان عطايا، على رأس وفد من الحركة، وكذلك قام مسؤولون فلسطينيون بزيارات عديدة لمسؤولين لبنانيين، وللقائم بالأعمال في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لشرح الأوضاع في فلسطين. كما كان هناك نشاط إعلامي فلسطيني لافت في لبنان طيلة معركة “سيف القدس”، وبعد الانتصار. وسلّم مسؤولون في حركة “حماس” الرئيس اللبناني رسالة من رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية حول الأوضاع في غزة وفلسطين، و”دور ومواقف لبنان الشقيق في الوقوف والتضامن مع فلسطين وقضيتها العادلة ودعم صمود الشعب الفلسطيني”. ونُظّمت حملات تبرعات لدعم غزة وصمودها.. كما نظمت مهرجانات فنّيّة ورياضية وغير ذلك، وتم تحويل الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات افتراضية لدعم القضية الفلسطينية تُظهر بطولات المقاومين والتضامن مع الشعب الفلسطيني. وانتشرت على الساحات الافتراضية وسوم داعمة لفلسطين ولأهالي غزة ضد الهجمات التي يشنّها العدو الصهيوني، من بينها: #غزة_تحت_القصف، #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح، #فلسطين_قضيتنا_الأولى، #القدس_أقرب، #غزة_تنتصر_للقدس، #جرائم_إسرائيلية، و#غزة_تقاوم.

منعطف
أدخلت معركة “سيف القدس” اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منعطفًا دراماتيكيًا جديدًا، لناحية النضال والكفاح والثورة. وأشعلت المعركة الحنين للوطن، وأعادت من جديد الأمل للاجئين بإمكانيّة العودة والتحرير، وقرب الانتصار. فمن راقب أيام معركة “سيف القدس”، كان يشعر ويرى حالة الغليان الفلسطيني، ليس انتظارًا لما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين، وإنّما استعدادًا لما يمكن أن يقوم به اللاجئون نصرة للوطن وتحقيقًا للعودة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.