ضعف الإمبراطورية وتراجع هيمنة الدولار

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

يتساءل بعض المحللين هل سيفقد الدولار دوره المهيمن كعملة احتياط في ضوء انحسار القوة الجيوسياسية للولايات المتحدة وعبء الدين الأميركي الضخم وظهور عملات بديلة؟
يرى مايكل بيمبروك في كتابه الجديد بعنوان «أميركا في تراجع»، تراجع زعامة الولايات المتحدة الأميركية للعالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى حدود جائحة كوفيد-19 وأنها أصبحت عاجزة أكثر من أي وقت مضى عن مواجهة القوى العالمية الصاعدة، وأبرزها الاقتصاد الصيني.
ويوضح كيف أن سياسات التكامل الاقتصادي والتجاري من الصين إلى جنوب وشرق آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط بدأت تحل محل القوة الاقتصادية العالمية الأميركية المهيمنة، وأصدر مدير الصناديق الملياردير الأميركي ستانلي دروكنميلر تحذيراً رؤيوياً مؤخراً بأن الدولار قد يتوقف عن كونه العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة في غضون 15 عاماً.
تحذير دروكنميلر يأتي على خلفية تراجع طويل الأمد للدولار في وقت يتحرك العالم تدريجياً نحو نظام احتياطي من العملات المتعددة.
حتى قبل جائحة فيروس كورونا، وتأثيرها على الدولار المتمثل في الإسراف المالي وانخفاض قيمته وهناك دلائل على تراجع هيمنته، أظهر أحدث مسح أجراه صندوق النقد الدولي لاحتياطيات النقد الأجنبي الرسمية أن حصة احتياطيات الدولار التي تحتفظ بها البنوك المركزية انخفضت إلى 59 في المئة خلال الربع الرابع من 2020 وهو أدنى مستوى لها منذ 25 عاماً.
المتنافسان الواقعيان للدولار هما اليورو والرنمينبي، وكلاهما يكتسبان الآن ببطء ميزة نسبية، واليورو يشكل حالياً 20 في المئة من الاحتياطيات العالمية، أما بالنسبة للرنمينبي، تلتزم بكين بتحدي الدولار وتشجع استخدام الرنمينبي في المعاملات التجارية الثنائية، وتوفر مبادرة الحزام والطريق فرص تمويل جديدة للرنمينبي الرقمي.
تُعتبر الحرب النموذج في العصر الحديث الذي يُحدث تحولًا وانتقالًا في العملة المهيمنة، والحربان العالميتان الأولى والثانية كانتا وراء انهيار الإمبراطورية البريطانية والتمهيد لهيمنة الدولار، ومع الصعود الصيني، هل سيتكرر المشهد مرة أخرى؟ التاريخ يشير لوجود دورة متكررة لصعود وسقوط الإمبراطوريات المالية، ويدعم ذلك، أن تاريخ هيمنة الدولار كانت تتخلله العديد من الأزمات، ما حدا بالبعض للقول عن نهاية هيمنة الدولار قبل نصف قرن من الآن.
هذا الطرح هو ما يركز عليه آدم توز في مقالته المعنونة «صعود وسقوط الإمبراطورية المالية الأميركية» بمجلة «الشؤون الخارجية» محاولاً الإجابة عن تساؤل: هل ستستمر هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي بعد انتهاء ربط الذهب بالدولار عام 1971، انخفضت قيمة الدولار في مقابل ارتفاع عملتي اليابان وألمانيا، ومع هذا الانزلاق في قيمة الدولار تم إنشاء مجموعة الدول السبع، وبدأ العالم في البحث عن عملة أكثر موثوقية لإدارة النظام المالي العالمي.
تشكلت كتلة اليورو الأوروبية، وكان أحد أغراضها توفير بديل للدولار الأميركي، وبحلول عام 2007، بدأ اليورو في منافسة الدولار الأميركي في عملية إصدار سندات مقومة بالعملة الأجنبية.
وبدأ الاقتصاديون يتحدثون من جديد عن الزوال الحتمي للدولار، خاصة مع غرق أميركا في أفغانستان والعراق، والعجز الهائل في كل من الميزانية الحكومية وميزانية التجارة.
عملت الصين لربط عملتها بالدولار بسعر مقوم بأقل من قيمتها، وأصبحت بكين ترتبط بسلة من العملات الأجنبية بدلًا من الاعتماد على الدولار وحده، فقد أنشأت في عام 2018 عقدًا آجلًا للنفط على أساس اليوان، وأثبت هذا العقد في ربيع عام 2020 قيمته كملاذ آمن، التوقعات طويلة المدى، حتى 2050، تشير إلى أن حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستكون 20 بالمئة في مقابل 12 بالمئة إلى 15 بالمئة لكل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والهند.
دعا رئيس بنك الشعب (المركزي) الصيني تشو شياو تشوان قبيل انعقاد قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في تموز الماضي ،إلى إصلاح سوق العملات، باستبدال الدولار الأميركي كعملة احتياطي دولية بسلة من العملات يشرف عليها صندوق النقد الدولي.
اعتبر المحللون هذا المقترح بداية نحو مواجهة مفتوحة مع الدولار الأميركي خلال السنوات المقبلة، ويكشف نيات الصين في زحزحة الدولار الأميركي عن قمته التي يحتلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الدولار الأميركي يواجه منذ أزمة 2008 حالة من التراجع الحاد، مفسحا المجال أمام عملات أخرى، فقد سجل في منتصف العام الحالي أعلى نسبة تراجع له أمام اليورو منذ ثلاث سنوات، بمعدل 10 بالمئة، في حين سجل أعلى نسبة تراجع له أمام الين الياباني، وهذا التراجع أدى إلى فقدان الثقة به كعملة احتياطي عالمية.
وظهرت شكوك في إمكانية انهيار إمبراطورية الدولار الأميركي العالمية، وظهور عملات أقوى تشاركه مرحليا في السيادة على سوق العملات الدولي، ويتفق الخبراء على تزايد أزمة الثقة في الدولار الأميركي ورغبة العديد من الدول في أن يتم التعامل مع الدولار الأميركي بحذر.
وترافق ذلك مع تكهنات بين المستثمرين حول نهاية قادمة لعصر هيمنة الأخضر عالميا، وبشكل متدرج، ونرى من الضروري إيجاد نظام مالي عالمي جديد من خلال تعديل شروط الاقتراض التي يضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بحيث لا يصبح الدولار الأميركي هو العملة الوحيدة لإجراء التسويات النقدية.
المشهد يشير إلى ضعف الإمبراطورية المالية الأميركية وتراجع هيمنة الدولار الذي لن يستمر محتفظًا بقيمته كعملة دولية وكعملة احتياطية وحيدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.