طرح دي مستورا .. وأجندة ” الإئتلاف ” في سوريا

hassan-choukeir-syria-dimistora

موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير*:
كثر الحديث مؤخراً ، حول إمكانية إحياء منظومة جنيف ١ للحل في سوريا ، ليتزامن ذلك  مع الطرح الذي بدأ المبعوث الأممي إلى سوريا التسويق له ، وذلك فيما خص  ” تجميد بعض مناطق النزاع في سوريا ” ، وذلك من خلال ما أسماه ” خطة تحرّك ” والتي  قدمها مؤخراً أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي ،  ليبدأ بعدها حراك سياسي خجول يتفاعل في الأروقة والصالونات السياسية لكل من  له علاقة بالأزمة في سوريا ، سواء أكان هؤلاء ممن لا يريدون لمشروع استنزاف الدولة السورية أن ينتهي  في العاجل من الأيام … أو حتى لدى أولئك الذين يسيرون بعكس ذلك تماماً …
في مقالة سابقة لي ، وذلك في بدايات العام الحالي ، وقبيل انطلاق مؤتمر جنيف ٢  ، والتي تطرقت فيها إلى رؤيتي حول الخطوط الحمراء التي لابد للدولة السورية أن ترسمها في موضوع الإرهاب وكيفية محاربته … والتي كانت تحت عنوان ” المحددات والمحذورات السورية في محاربة الإرهاب ” ، ذكرنا في حينه أن سوريا – الدولة ، لن تقبل أية دعوة سواء أكانت إقليمية أو دولية بأن ترتسم على أراضيها خطوط تماس بين الإرهابيين ، وبين الجيش السوري  والقوى المساندة معه ، لأن ذلك ببساطة سيعني أنه قد يُمثل شبه اعتراف وإقرار سوري بواقع جغرافي طارئ على الأرض السورية ، والذي ربما يتطور إلى وجود أليات  – ربما أممية – لمراقبة الهدنات المقترحة … والتي سيكون لها مفاعيل أخرى ، لا تُحمد عقباها على وحدة الأراضي  السورية وسيادة الدولة الواحدة والموحدة على كامل التراب الوطني فيها ….
لقد عرض دي مستورا في طرحه الجديد ، أن تكون مدينة حلب السورية نموذجاً حياً لفكرة  تجميد النزاع ، وذلك دون غيرها من المدن السورية !!!! وذلك في خضم اقتراب الجيش السوري من إحكام الطوق على تلك المدينة بكاملها ، ليتم فصل المناطق التي يحتلها الإرهابيون ، سواء أكانوا من النصرة ، أو ما يُسمى بالجيش الحر … عن ريف المدينة المتصل بالأراضي التركية … وبالتالي يعمل الجيش السوري على إدخال المدينة السورية ضمن طوق محكم لوضع المسلحين فيها بين خياري المصالحة أوالإستنزاف المديد …
من المعروف أن داعش لا تملك أماكن نفوذ داخل المدينة ، وبالتالي ، هي لغاية اليوم خارج إطار الضربات الجوية ، لما يسمى بالإئتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب ، وذلك على الرغم من سيطرة جبهة النصرة على جزءٍ من المدينة ..ولكن على الرغم من كل ذلك ، عادت هذه المدينة لتوضع تحت المجهر الأممي ومعه الأوروبي ( الرئيس الفرنسي ) ، إضافة إلى التركي … فلماذا ذلك يا تُرى ؟ وهل يرتبط هذا بالمشروع الذي كنا أشرنا إليه سابقاً حول مشروع  أمريكا وتركيا الجديد في سوريا ، في استبدال الدولة السورية بدويلة جديدة من الشمال السوري ، لتكون حلب عاصمة إقليمها السياسي ، ومركزاً لممارسة ما تُسمى بالحكومة الإنتقالية لصلاحياتها؟ ، حيث كنا لفتنا في المقالة السابقة تحديداً، إلى أن محور الممانعة  في سوريا سيسعى إلى ضرب مشروع ” العزم التام ” في سوريا من خلال منع جعل مدينة حلب الركيزة الأساس في الإقليم السياسي الجديد ، والذي تنطلق منه مؤامرة الاستبدال تلك …( المقالة بعنوان : العزم الممانع في الساحات الثلاث : العراق ، سوريا ولبنان  ) .
لقد تقاطعت دعوة دي مستورا ، مع المفاجأة التي فجرها الرئيس الفرنسي ، حول حلب ، وبحضور الرئيس التركي أردوغان ، حيث اعترض هذا الأخير ، على تركيز الإئتلاف على مدينة عين العرب السورية ، دون باقي المدن السورية !
لا نعتقد مطلقاً أن الثالوث دي مستورا وهولاند وأردوغان ، قد جمعت بينهم الصدفة حول التركيز على حلب ..!!! وخوفهم المستجد على وقوعها بأيدي تنظيم داعش، على الرغم من أنه لا مؤشرات لغاية اليوم ، تُدلل على نية هذا التنظيم القيام بهجوم وشيك عليها…! الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول ذلك .. ويُعزز ما ذهبنا إليه حول المخطط المرسوم لهذه المدينة السورية وما حولها أيضاً ..
لقد تريثت الدولة السورية لغاية اليوم في الإجابة على دعوة ديمستورا ، والتي تتمظهر – بحسب هذا الأخير – بعنوانها وبُعدها الإنساني  العام ، وذلك بعيداً عن السياسي ، على الرغم من تلميحه على أن ذلك قد يُشجع على إتمام المصالحات وتسريع وتيرتها في أماكن النزاع والتجميد المقترحة …
ربما نسي السيد دي مستورا ، أو تناسى أن المصالحات التي فرضتها الدولة السورية على المسلحين في مختلف المناطق السورية ، لم تكن لتنجز لولا استراتيجية الجيش السوري والقوى المساندة معه في إنهاك واستنزاف وحصار هذه المجاميع الإرهابية ، وذلك بعد خوض معارك ضارية معها، أدت فيما أدت إليه إلى تيئيس هذه المجاميع من فرضية النصر أو حتى من إمكانية الصمود ، لا بل أن المصير النهائي لها ، سيكون إما الإستسلام المذل ، أو أن تلك المجاميع ستفقد مع الزمن أية بيئة حاضنة كانت قد أحاطت نفسها بها … ولعوامل وظروف مستجدة ، لا مجال للتفصيل بشأنها …
المراقب لكل المصالحات والتسويات التي جرت في سوريا ، ولغاية اليوم ، لا تحيد في خطوطها العامة عما ذكرناه سابقاً ، لذلك فإن طرح دي مستورا المفخخ  ، لن يؤدي بالتأكيد إلى سير المجاميع الإرهابية بفكرة المصالحات ، لأنها وببساطة – وبحسب هذا المشروع  – لن تكون مضطرة لذلك ، إنما ستزداد تمسكاً بمشروعها التفتيتي لسوريا ، وذلك خدمة لمشاريع مشغليها الحقيقيين من معظم الدول الأساسية في ذاك الإئتلاف المزعوم في محاربة الإرهاب … لا بل أن السير بهكذا مشروع ، سيؤدي إلى تعويم هذه الجماعات الإرهابية ، التي تسمى بالمعتدلة عند الشرائح الشعبية السورية التي تخضع لسطوتها ، وذلك بفعل استمرار واستقرار نُظم العيش للمواطن السوري في مناطق سيطرتهم !
إن رد الجانب السوري الحذر والمتريث ، لا بد أنه ينطلق تماماً من أن يكون هذا الفخ الجديد للإيقاع بالدولة السورية ، جاء بعد أن تخطت هذه الأخيرة الفخ الأمريكي الأول في تبني المشروع الامريكي لمحاربة الإرهاب ، والذي قدمه وفد ما يسمى بالمعارضة السورية في ذاك المؤتمر بنسخته الثانية … اليوم ، وبعد عملها الحالي ، الدؤوب واليومي  في عرقلة أهداف أمريكا الحقيقية ، والتي عادت ولبست من جديد ثوب محاربة الإرهاب .. تدرك سوريا ومعها روسيا والمحور الممانع ، من أن  أمريكا تريد من وراء ذلك ، أن تمرر مشروعها و مشروع الناتو في تفتيت الدولة السورية ، ومن خلالها المنطقة برمتها أيضاً   ، وذلك كله في خضم الصراع الدائر حالياً ما بين أمريكا التي ترفض التسليم بانتهاء عصر الأحادية القطبية ، والرغبة الروسية ، ومعها الصينية والإيرانية في ولوج عصر تعدد الأقطاب ، كبديل منطقي لسلفه …
بخلاصة القول ، أن الرد السوري ، والذي يُراد منه أن يكون مُحرجاً ، إذا ما رفض على الفور ” خطة التحرّك الإنساني ” التي يقترحها دي مستورا … لذلك فإننا نُقدّر  بأن الدولة السورية  ستتعاطى مع الطرح الأممي بكثير من الحذر والحكمة .. لكي لا تُشكل هذه المبادرة بعنوانها الإنساني المعلن ، حصان طروادة أمريكي – أطلسي ، لتمرير مشروع هؤلاء في إدخال الجغرافيا السورية في خطوط تماس إنسانية ، تنحو رويداً رويداً إلى عسكرية ومن ثم سياسية  .. ولربما إلى أبعد من ذلك في فترة لاحقة …
لا نشك للحظة بأن الإسترايجيات التي تسير بها الدولة  السورية ،  ومعها كل حلفائها ، وذلك في إفشال الأهداف الثابتة والمتحركة لأعداء سوريا ، وعلى مدى كل تلك السنوات الماضية ، لا زالت متأهبة لكل المشاريع المشبوهة ، والتي أوصدت الأبواب السياسية والعسكرية  بوجهها في المرحلة السابقة  … فكيف بمثيلاتها التي تحمل بُعداً إنسانياً ، فمن المناطق العازلة والأمنة ، فالممرات الأمنة ، وصولا ً إلى مقترح التجميد اليوم … فالمسار واحد والأهداف هي هي ، لم تتغير مطلقاً …
*باحث وكاتب سياسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.