عملاق أم قزم سياسي : دور السعودية في الوطن العربي؟

saudi-leaders

مركز الحقول للدراسات والنشر:
تخلت السعودية عن الحذر التقليدي الذي وسم ديبلوماسية الرجعية العربية منذ عقود. يشعر المراقب بتضخم الدور العربي والإقليمي للمملكة الوهابية من بعد خلع الجنرال حسني مبارك في مصر، وتحريك “المسألة السورية” في المشرق العربي. وفيما يشابه زمن نهاية الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفياتي (1990 ـ 1991)، وهيمنة دولة عظمى على النظام الدولي هي الولايات المتحدة الأميركية. يبدو النظام الإقليمي العربي الآن، وكأنه نظام أحادي القطب، يكاد حكام الرياض ينفردون بإدارته.

انهار توازن القوى التقليدي بين أقطاب النظام العربي. أولا، مع تسارع ضمور الدور الإقليمي لـ”جمهورية مصر العربية”، بسبب وراثة تنظيم “الإخوان” لنظام مبارك، و”خيانتهم” الشعار/الهدف الرئيس لـ”ثورة 25 يناير” وهو “الشعب يريد إسقاط النظام”. ثانيا، مع استمرار محاصرة “الجمهورية العربية السورية” بنيران “الحرب العربية” من الداخل وفي الخارج. لولا انهيار التوازن العربي ـ العربي، وقد كان ركيزة نظام “جامعة الدول العربية” لنصف قرن، لبقيت “المملكة السعودية” عملاقا ماليا وقزما … سياسيا.
إنشغال “القطب المصري” و”القطب السوري” بأوضاعهما الداخلية، مع اختلاف المسببات الدافعة والنتائج المتوقعة لكل منهما، ترك فراغا جيوسياسيا أوهن قوة الأمة العربية على جبهة الصراع العربي ـ الصهيوني، وفتح خطوط الصراع العربي ـ “الأطلسي”. نجاة دول “منظومة التعاون الخليجي”، وهي حصن الرجعية العربية، من سعير حروب “الربيع العربي”، فتحت شهية “القطب السعودي” لتقمص ملامح العملاق السياسي العربي، و”مجاهدة” بقية دول الوطن العربي بأذرع الأخطبوط البترودولاري ـ الوهابي.
وفق معلومات خبراء غربيين، بدأ التحضير لإشعال “حرب الفوضى السياسية”، وهذا هو جوهر “الربيع العربي”، منذ أكثر من سنتين. خلال الإجتماعات الأسبوعية التي كانت تعقد بين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ونظرائه “الخليجيين”، بحضور متقطع لوزيري الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ثم جيم كيري، تركز البحث حول عملية تحطيم سوريا، وزعزعة نفوذها المركزي في الإقليم العربي والشرق الإسلامي. وقد أوكل الدور الرئيس إلى السعودية ـ وليس قطر ـ لتنفيذ هذه العملية.
قامت الدوحة بدور بادئ الإشعال أي الصواعق في العبوات المتفجرة. مولت وعبأت وسلحت وصورت ودفعت حركات “الإخوان” وكذلك بعض الحركات السلفية الوهابية إلى ساحات “الثورة” في تونس ومصر واليمن وحاولت التحرش بالجزائر، وارسلت جيشها إلى ليبيا. تصدرت قطر اجتماعات “جامعة الدول العربية”، نسقت مع “إسرائيل”، جيشت قوى محلية وإقليمية ودولية في “الحرب العربية” على سوريا. لكن المنافسة القطرية ـ لأسباب دينية ومالية واستراتيجية ـ لم تنتزع لواء “الحرب” من قبضة الرياض، ولم تقطع الأمل “السعودي” بملء الفراغ الجيوسياسي العربي.
تتبع سياسة السعودية الإقليمية المعادية لإيران، سياسة الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وكذلك تركيا. يتستر السعوديون بورقة العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لإخفاء هذه التبعية الكلية. لا يمكن لهم أن يبسطوا نفوذهم باتجاه الدول العربية، إلا إذا ظهروا بمظهر الزعامة الإقليمية المنافسة للإيرانيين. ولكن من تحت الطاولة، ينزل السعوديون تحت أوامر الأميركيين.
هناك معلومات غربية عن قيامهم بفتح مخيمات تدريب للتنظيم الإرهابي الإيراني المعروف باسم “مجاهدي خلق” في داخل الأراضي السعودية، على مقربة من الحدود مع العراق. كما أقيمت مخيمات لإقامة وتدريب عناصر هذا التنظيم المعادي لحكومة الجمهورية الإسلامية، في المنطقة الكردية في شمال العراق، ووفقا لنفس المصدر، تمول المملكة العربية السعودية النفقات اللوجستية، ويتولى عسكريون وأمنيون من “إسرائيل” تدريب وتكليف هذه العناصر على المهام التخريبية في إيران.
منذ زيارة الرئيس محمد مرسي إلى السعودية في شهر تموز/يوليو 2012، شدد الحكم السعودي سياسة الحصار المالي ضد جمهورية مصر العربية. هذا النهج الجيوإقتصادي المعادي لمصر والشعب المصري، يضعف قدرة القاهرة على منافسة الرياض على موقع الزعامة العربية والإقليمية. بالطبع، واشنطن هي التي ترسم للسعوديين هذا الخط الإقليمي الجيوإقتصادي، لأنها تخشى كما السعوديين، من تقارب مصر مع إيران، حيث يسيطر على الحكم في كلا البلدين الإسلاميين الكبيرين قوى إسلامية.
لقد دخلت القوات السعودية إلى البحرين، وسيطرت على قرار هذه الدولة العربية. وتشارك القوات السعودية مع النظام البحريني بقمع الثورة الشعبية التي تواجهه بمطالب إصلاحية وبأساليب سلمية. كما يجري حبس ناشطين بحرينيين في السجون السعودية والبحرينية طبعا. وتؤكد مصادر ديبلوماسية عربية في القاهرة، أن قوى النظام السعودي المتطرفة، وقفت خلف التنظيم الإرهابي المعروف باسم “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”، والذي بات يعرف باسم “إمارة العراق الإسلامية”. وذلك لمعاقبة حكومة نوري المالكي التي رفضت الإنخراط في “الحرب العربية” على سوريا.
ويصل التمويل السعودي إلى هذا التنظيم الإرهابي الذي يقوم بأعمال التفجير والقتل المذهبي في العراق، من “رجال أعمال” سعوديين “يتبرعون” بأموالهم للإرهابيين لضرب أمن العراقيين وزعزعة استقرار بلدهم. فالرياض تريد إقناع الأميركيين بضرورة “إزالة” المالكي، وتسليم الحكم إلى قوى طيعة تماشي سياستها الرجعية في العربي والجوار الإسلامي.
أما في لبنان، فقد عطلت السعودية بنفوذها المالي ـ السياسي عملية إجراء الإنتخابات النيابية التي كانت مقررة مطلع هذا الصيف، كما حركت القوى والأحزاب “المحلية” الخاضعة لها، لكي تسقط “حكومة الوحدة الوطنية” القائمة. وهذا الحضور السعودي المؤثر على مستقبل لبنان، يستغل انصراف حكومة الجمهورية العربية السورية إلى معالجة الأوضاع السورية الداخلية. في الماضي كانت ديبلوماسية الرياض تمر إلى بيروت عبر دمشق، أو ما عرف بمعادلة س ـ س. أما اليوم، فتصر السعودية على الإنتقام من المقاومة الوطنية اللبنانية ضد “إسرائيل، ومن حزب الله تحديدا، وهي رفضت المساعي الإيرانية لترتيب تسوية داخلية تحل مشاكل لبنان الحالية.
ويتوفر لمراجع سياسية لبنانية تقارير دقيقة عن تمويل أجهزة أمنية سعودية لتحركات ونشاطات مجموعات إرهابية تتمركز في مدينة صيدا الجنوبية، كما ترسل أسلحة إلى هذه المجموعات، بهدف إثارة التوتر المذهبي في تلك المنطقة، وفي كل البلاد، ومحاولة إرباك حزب الله وإشغاله عن مواجهة “إسرائيل” وعدوانها المتوقع.
إن تضخم الدور العربي للسعودية، يظل شذوذا عارضا، وليس نموا أصيلا، وذلك لأنه، أولا، يعتمد على نشر قوى الإرهاب والتكفير، ويستند، ثانيا، على قوة الولايات المتحدة ويحقق مصالحها. وأخيرا، فإن تصادم الدور السعودي مع دور المقاومة العربية ضد “إسرائيل”، يعين الكيان الصهيوني على تصفية القضية الفلسطينية.
إنه تضخم وانتفاخ. ومتى تحرك العملاق المصري والعملاق السوري سيكتشف العالم أن السعودية لا زالت وستبقى عملاقا ماليا وقزما سياسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.