عندما تغدو السلطة الرابعة .. السلطة الأولى

صحيفة المنار الفلسطينية-

 خالد بطراوي:

من المعروف وفي أي بلد من بلاد هذه المعمورة أن هناك من السلطات ( بضم السين واللام) … ثلاث. السلطة الأولى هي السلطة التشريعية من خلال برلمان ( أو مجلس تشريعي) منتخب، والسلطة الثانية تباعا هي السلطة القضائية التي تسهر على ضمان الفصل في النزاعات ( الحقوقية والجزائية وغيرهما) بموجب القوانين والتشريعات المقرة من البرلمان والانظمة الصادرة بموجبهما. ثم تأتي  في التدرج الثالث … السلطة التنفيذية التي يفترض أن تحترم القوانين والقرارات القضائية وتسهر على تنفيذهما ، وتحترم السلطتين الأولى والثانية.

أما في بلادي، وقد غابت السلطة التشريعية بتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني بسبب خلافات فصائلية بين الأصفر والأخضر بشكل أساسي وأصبحنا في مرحلة قوانين تصدر بمراسيم رئاسية، كما وقد شهدنا بأنفسنا كمواطنين الحالة التي وصلت اليها السلطة القضائية رغم وجود بعض الجهود الصادقة للنهوض، الا أن المواطن بات مقتنعا أن عملية التقاضي بين الخصوم قد تطول الى تلك المرحلة التي اما أن يموت فيها المدعي أو المدعى عليه أو القاضي أو جميعهم.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك تعديا صارخا على السلطتين التشريعية والقضائية من قبل السلطة التنفيذية من حيث عدم الالتزام بالقوانين وبأحكام السلطة القضائية ومن حيث وجود سجل غير مريح  البتة لانتهاكات حقوق الانسان.

فماذا تبقى لنا … صراحة كي نتشبت و”نترتح” به؟

تلك المؤسسات المعروفة باسم ” مؤسسات المجتمع المدني” ومع كل الاحترام لها الا أن تلك المؤسسات المتخصصة من بينها فعلا من أجل ارساء أسس المجتمع المدني ، فان الذي فعلته على أرض الواقع ويلمسه المواطن … هو القليل القليل.

هل تجحت هذه المؤسسات في الغاء أية رسوم تجبى من المواطن غير مقرة من الجهة المختصة وبموجب قانون؟ هل نجحت هذه المؤسسات في تخفيض فواتير المواطنين لاستهلاك الكهرباء والمياه والاتصالات؟ هل نجحت هذه المؤسسات في ملاحقة ومتابعة قضايا المواطنين المتعلقة بالتعليم والصحة ( بشقيها الجسدي والنفسي) والشؤون الاجتماعية؟ هل نجحت هذه المؤسسات في وقف غطرسة قطاعي الخدمات المصرفية والاتصالات؟ أم أنها فقط ترصد وترصد وتعد التقارير وتعقد الدورات التدريبية في الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة والنزاهة وعيرها من المسميات والتوصيفات الجندرية وغير الجندرية والنوع الاجتماعي وما الى ذلك من المصطلحات الثقيلة على الاذن الانسانية.

ماذا تبقى لنا …. كما يقول الشهيد غسان كنفاني؟

تبقى لنا أيها الأحبة … الصوت الحر … تلك الكلمة التي قيل عنها ” الكلمة اللي ما تبقى رصاصة … ملعونة وخاينة” أو كما قيل ” للكلمة فعل الرصاصة ” أو ” أنت ان نطقت … مت، وإن سكت … أيضا مت .. اذا … قلها ومت”.

تبقى لنا السطة الرابعة المتمثلة في الاعلام العصري، المرئي والمقروء والمسموع ومنصات التواصل … فقد أصبحت هي السلطة الأولى رغم أنها لا تنشد ذلك ولا تسعى اليه … أصبحت هي الملاذ.

نحن هنا لا نتحدث عن السلطة الرابعة المصفقة للنظام أو المعارضة لمجرد أنها تتبع لأي منهما، ولا نتحدث عن السلطة الرابعة التابعة لفضائيات عالمية واقليمية وعربية تستخدم حتى مصطلحاتهم، ولا نتحدث عن تلك السلطة الرابعة التي تبث الاشاعة وتردد من وراء اعلام الاحتلال.

بل نتحدث عن السلطة الرابعة المعلنة بوضوح هويتها الوطنية والطبقية والأممية، التي تجري تحقيقاتها الموثقة قبل نشر أخبارها، والتي تقوم ” بواجبها المنزلي / Home work” قبل أن تلتقي هذا أو ذاك، والتي هي ” منفاخ حدادة هائل” لقضايا الجماهير والتي تحمل هموم الشباب والمرأة والأطفال وذوي الاعاقة  وذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين.
نحن هنا نتحدث عن السلطة الرابعة التي لن تترد مطلقا في أن تعود سلطة رابعة عندما تنهض السلطات الأولى والثانية والثالثة وتنفض الغبار عن أسمالها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.