عن أسباب «نجاح» «باب الحارة»

83df7967-5960-4bc3-a3d8-e8b466fb5c07
صحيفة السفير اللبنانية ـ 

رامي كوسا :

حتّى الأمسِ القريب، واظب الدمشقيون على زيارة المقاهي الشعبية في المساءات الرمضانية لأجل الاستماعِ إلى «حكواتي الشام» الذي يتلو عليهم سيراً تحكي «أمجاد العرب». في كتابِ الحكواتي أقاصيصُ بُنيت، درامياً، على أساسٍ سهلٍ وبسيط يتناول التيمة التقليدية لبطلٍ يُعاني مشكلةً ما يُصار إلى حلّها في نهاية الحكاية. هذا في العام، أمّا في التفاصيل، فالبطلُ شهمٌ وجبّارٌ وصبورٌ ومغوارٌ وصاحب خلقٍ وصاحب دين. يُقدّم بهذه الصورة فيكسبُ تعاطف السامعين كلّهم، وحينَ تحلّ المصيبة، يكون كلّ من في المقهى متواطئاً مع فارسِ الحكاية، ويصيرُ الجميع توّاقينَ لخروجه منتصراً قُبيل إغلاق الكتاب. هذه التراتبيّة تتكرّر كلّ عام عبر فضائياتٍ عربية كثيرة تحكي قصّة «باب الحارة».
بالإضافة إلى سلاسة حكايته وسحرِ أجواءِ الحارة الشامية القديمة، استندَ «النجاح الجماهيري» المهول الّذي حقّقه «باب الحارة» على عوامل عدّة يأتي اللعب على وتر الغريزة والعصبيّات في صدارتها. اشتغل مسلسل «الفانتازيا الشامية» على تقديمِ نسخٍ عديدة من «سي السّيد» الّذي يشكّل سقفَ طموح شريحةٍ لا بأس بها من شباب المنطقة، ولمّع صورة الرجل المتسلّط وحوّله إلى «ثائرٍ» يواجه مدافع المحتلّ بالخنجر و «الشبريّة»، وقدّم النّساء السوريات ضمنَ قالبٍ «كبتيّ» يجعل دورهنّ محصوراً في إنجازِ الأعمال المنزلية وخدمة رجالِ البيت. هذه المفاهيم «الرجعية» أثبتت، وبصورةٍ مؤسفة، أنّها لا زالت تداعبُ مشاعر جزءٍ واسعٍ من الشّارع العربيّ وتُثير فيه نزعاتٍ ارتدادية نحو شكلِ الحياة والعلاقات الإنسانية التي ادّعى المسلسل أنّها كانت سائدةً في تلك الحقبة من عمر دمشق.
أدرك صنّاع العمل كلّ ما قيلَ سابقًا فاستثمروه، وصاغوا منه أجزاءً لن تنتهي على الأرجح طالما أنّ شبكة «أم بي سي» لا تزال راغبةً في شراء المسلسل وتقديمه كوجبةٍ رئيسة ضمن باقة برامجها الرمضانية.
وعلى الرّغم من أنّ العمل قد تحوّل إلى مادّة للتندّر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعيّ بسبب الكوارث الحكائية والتقنية التي ترافقه، إلّا أنّ منتجه بسّام الملّا لا يبدو مكترثاً بأخطاء المسلسل ومشاكله، فالمهمّ بالنّسبة للـ «آغا»، كما يحلو للعاملين في الوسط الفنيّ أن يلقّبوه، أن تبيض «دجاجة حارة الضبع» ذهبًا كلّ عام، حتّى لو كلّفه ذلك «قتلَ» «أبي عصام» وإحياءه ألفَ مرّة بحسب «أوامر» المحطّات.
استطاع «غداً نلتقي» (نص إياد أبو الشامات ورامي حنّا/ إخراج رامي حنّا/ رمضان 2015) أن يُحقّق معادلةً صعبة حينَ حظيَ بإعجابِ الجمهور والنّقّاد على حدّ سواء. وعلى الرغم من الانتشار الجيّد للعمل إلّا أنّ فضائيّات الخليج، الّتي تدفع مبالغ خياليّة لقاء الحلقة الدرامية الواحدة، لم تستثمر فيه، ولم تشتغل على تكريسه، حاله في ذلك حال عمومِ المسلسلات السورية التي لا تخدم أجندة المحطّات. وحده «باب الحارة» استطاع أن يظفر بساعاتِ بثٍّ ممتازة عبر قنوات «أم بي سي» الّتي امتنعت، وخلال الأعوامِ الثلاثة الماضية، عن شراءِ مسلسلٍ سوريّ واحد لا يحيي في الشّارع قيمَ «الثأر» و «العصبيّات» ولا يذكّر جمهوره على الدوام بأنّ المرأة «ضلعٌ قاصر» و «ناقصةٌ عقلٍ ودين».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.