فكروا .. قبل أن تصل النار إلى أطراف الأثواب

Syria-flag

صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
ما أن تلوح بادرة في الأفق تحمل آمالًا بأن الأزمة السورية سوف تخرج من عنق الزجاجة وأنها ستشهد انفراجة قريبة، حتى تأتي الأنباء لتبدد تلك البوادر والآمال، مُعِيدةً الأزمة إلى المربع الأول، فالأنباء الواردة عن عزم الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا الاستقالة من منصبه نهاية يناير الجاري بسبب فشل جهوده في التوصل إلى حل للأزمة، على الرغم من عدم إثارتها الدهشة والاستغراب وتوقع حدوث هذا الأمر، فإنها تؤكد أن حل الأزمة السورية مؤجل إلى أمد بعيد لا يعلمه إلا الله وحده، وأن معاناة الشعب السوري مرشحة للاستمرار، بل وتحولها إلى أسوأ الأوضاع مما هي عليه، وأن القوى الدولية والإقليمية وخاصة القوى الداعمة للمعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة، غير مستعدة، بل لا تريد حل الأزمة ويزعجها استقرار سوريا وتماسكها ووحدتها الجامعة لذلك الموزاييك الذي يميز المجتمع السوري من حيث أعراقه وطوائفه، فهذه القوى لم تصدق نفسها أنها تصحو يومًا ما وتجد أن سوريا على شفا الانهيار والتفكك والتمزق الذي ظل كيان الاحتلال الصهيوني والقوى الداعمة والحليفة له، والمتخذة من دعم المعارضة السورية قناعًا تخفي وراءه أجندتها ضد سوريا، تبحث عن الذرائع والحجج التي تخول لها زعزعة سوريا وغزوها عسكريًّا على النحو الذي اتبعته مع العراق.
وما يضاعف مساحة التشاؤم بعد أنباء عزم الإبراهيمي الاستقالة، إعلان روسيا على لسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوجدانوف عن أن الوضع في سوريا يمكن أن يتطور بطرق مختلفة، معتقدًا أن النزاع قد “يطول”، فالدور الروسي يعد مؤثرًا في القرار الدولي، وباحثًا وساعيًا في الوقت ذاته للحل السلمي للأزمة السورية عن طريق الحوار دون شروط مسبقة، وعلى ضوء مرجعيات اتفاق مؤتمر جنيف في يونيو الماضي، والروس حين يطلقون هذه التصريحات لقربهم من الأطراف الأخرى الداعمة للمعارضة السورية، وإصرارهم على محاورة الطرفين (الداعمين والمعارضة) وصولًا إلى خيط يمكن أن يقود الجميع إلى وضع نهاية سلمية تحفظ حقوق الجميع وتصون وحدة سوريا من التفكك.
لقد أكدنا في هذه الجريدة وفي هذه الزاوية وفي اليوم الأول على انتشار الأنباء في وسائل الإعلام عن خلافة الأخضر الإبراهيمي لكوفي أنان، بأن على الدبلوماسي الجزائري المخضرم أن يتأنى ويراجع ذاته، ويفكر مليًّا قبل إعلان موافقته على قبول المهمة، حفاظًا على تاريخه السياسي والدبلوماسي وما حققه من إنجازات يحظى كثيرها بالإشادة ويبقى محل تقدير، لأن من أفشل مهمة أنان الذي لازم الصمت ولم يتسلح بالشجاعة الكافية ليطلق حنجرته ويسمي الدول والشخوص والرموز المعطلة والمعرقلة لحل الأزمة بأسمائها، هم ذاتهم الذين يعملون الآن على إفشال مهمة خليفته الإبراهيمي، ومؤسف أن نسمع الحقيقة من أنان وهو خارج مهمته بعد أن تكتم عليها وهو فيها، ونخشى أن يسير على خطاه الإبراهيمي إذا ما صحت الأنباء عن عزمه الاستقالة، ما يعني ذلك أن من يفشل الحل السلمي ويشجع على العنف والقتل ويعمل جاهدًا على استمرار الأزمة يرى أن ثمرة تدخله بالعنف والقتل والتحريض لم تنضج بعد، ألا وهي استنزاف الجيش العربي السوري وإنهاكه، ما يسمح بتفكك سوريا وتدميرها. ولا نشك لحظة أن الذين دمروا العراق من أجل مصالحهم ونهب ثرواته وتأمين بقاء الكيان الصهيوني المسخ المصطنع القوة الأوحد، يسيرون في الاتجاه ذاته ليس في سوريا فحسب، بل في الدول العربية ذات القوة والنفوذ والتأثير والثروات، ولذلك نأمل أن يعيد السائرون في ركاب الولايات المتحدة وأوروبا النظر، ويراجعوا مواقفهم قبل أن تصل نار العراق وسوريا وليبيا إلى أطراف أثوابهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.