قانون الانتخاب: أين ضغط حزب الله… وكيف صار عدوان «سلاماً» ؟

صحيفة الديار اللبنانية ـ
عماد مرمل:

اكتمل «الهيكل العظمي» لمشروع قانون الانتخاب بعدما أقره مجلس الوزراء أمس، وبقي ان يكتسي بـ«اللحم الدستوري» في المجلس النيابي من خلال اصداره في قانون خلال الجلسة العامة التي حدد الرئيس نبيه بري موعدها عصر غد.
ومع انتهاء «آلام الولادة» يوم الجمعة، تبدأ مرحلة التحضير لاجراء الانتخابات وفق النسبية على اساس 15 دائرة، مع ما يستوجبه هذا الانتقال الى عصر النسبية من استعدادات على المستويين الاداري والسياسي، للتكيف مع التعديلات التي طرأت على قواعد اللعبة الانتخابية.
وبين المزاح والجد، وتحت شعار التأجيل التقني للانتخابات، ربح مجلس النواب 11 شهرا جديدة ستضاف الى رصيد ولايته الممدد لها. ربما تكون الحجج المساقة لتبرير التمديد، مرة اخرى، مشروعة وواقعية بالنظر الى الوقت الطويل الذي يحتاجه اعداد البطاقة الممغنطة وتدريب الموظفين وانجاز التحضيرات اللوجستية وتهيئة الناخبين، لكن كل ذلك لا يمنع ان هذا التمديد «الفضفاض»، سواء كان اضطراريا ام لا، سيشكل عبئا اضافيا على اللبنانيين.
وليس النواب فقط هم الذين ربحوا «بقشيش» الاشهر الـ11، بل الحكومة ايضا ضمنت بقاءها حتى أيار المقبل، بعدما كان أصحاب النية الحسنة يعتقدون ان مدة خدمتها لن تتعدى الاشهر القليلة.
وفيما تحفظ الوزير علي قانصو على المشروع، خلال جلسة مجلس الوزراء، عُلم ان الوزير علي حسن خليل ابدى بعض الملاحظات عليه، وكذلك فعل الوزير يوسف فنيانوس الذي كرر الاعتراض على ربط الصوت التفضيلي بالقضاء وليس بالدائرة، فيما اعتبر وزيرا «الاشتراكي» ان القانون سيئ، لكن لا يوجد بديل افضل منه، ونحن لا نريد ان نعرقله او نعطل التوافق حوله، برغم ملاحظاتنا عليه.

 جنبلاط «يتكيف»

ومن الخارج، قال النائب وليد جنبلاط لـ«الديار» تعليقا على اقرار الحكومة للمشروع الانتخابي: انها تسوية الامر الواقع، وقد ارتضينا بها حرصا على التوافق، برغم ملاحظاتنا عليها. ويضيف: النسبية والطائفية لا ينسجمان ولا يلتقيان، ولكن ماذا نفعل؟ لقد اخترعوا هذا القانون وأدخلونا في دوامة الصوت التفضيلي وغيرها من التفاصيل التي حيّرت صانعي المشروع قبل غيرهم.
ولا يلبث جنبلاط ان يستدرك قائلا: الآن، لا وقت ليزايد بعضنا على البعض الآخر. لقد اصبح قانون الانتخاب امرا واقعا وعلينا ان نستعد للانتخابات التي ربما تفرز لونا جديد، او تغير جزءا من الطبقة السياسية.
وقال الوزير علي قانصو ان العديد من بنود المشروع غير مقبولة، متسائلا: اين وحدة المعايير التي لطالما تغنوا بها فيما يختلف عدد الاقضية بين دائرة واخرى، ويتفاوت عدد المقاعد بين دائرة واخرى؟ ويضيف: ما يزيد الطين بلة هو ربط الصوت التفضيلي بالقضاء وكأنه لا يكفي تصغير الدائرة.
ويعتبر قانصو انه لا توجد قيمة اصلاحية لهذا القانون الذي «هرس» النسبية حتى اختنقت وفقدت جدواها، لافتا الانتباه الى ان تطبيقها بطريقة سليمة يتطلب اعتماد الدائرة الكبرى ولا يمكن ان يستقيم في الدائرة الصغرى حيث تفقد قيمتها. ويتابع: بعد طول انتظار وُلدت النسبية مشوهة للاسف الشديد.

 شربل… والنسبية

…ولكن، اين يتقاطع واين يتباين مشروع حكومة الحريري مع مشروع الوزير السابق مروان شربل الذي اقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟
يؤكد شربل لـ«الديار» انه فخور بان وزارة الداخلية نجحت، في ايام توليه لها، بان تفرض مبدأ النسبية على أجندة الحياة السياسية في لبنان، للمرة الاولى منذ استقلاله، لافتا الانتباه الى ان مشروع الحكومة الحالية مستوحى بشكل كبير من الصيغة التي كانت قد وضعتها لجنة مختصة برئاستي، ثم احالتها الى مجلس الوزراء الذي اقرها برئاسة الرئيس ميقاتي.
واعتبرت اوساط محايدة ان النسبية كانت في مشروع شربل مولودا سليما، الا انه خرج من المشروع المعتمد مشوها  في موضعين، بفعل تخصيص الصوت التفضيلي لمرشح واحد بدل اثنين، والسماح بتشكيل لائحة ناقصة اذا استوفت ترشيحاتها 40 بالمئة من المقاعد.
وتشير الاوساط الى ان البطاقة الممغنطة، ومقاعد المغتربين، والحاصل الانتخابي وردت جميعها في صيغة شربل، وكذلك بالنسبة الى الكوتا النسائية التي جرى تجاهلها في القانون الجديد.

 خفايا المخاض

كيف وُلد قانون «حافة الهاوية»، وما هي خفايا المخاض الذي سبق «الوضع» في اللحظات الحاسمة؟
على وقع السباق مع الوقت و«الاشباح»، تلاحقت الاجتماعات بعيدا عن الاضواء، وكان بعضها يستمر حتى طلوع الفجر، كما حصل في احد اللقاءات الاخيرة بين الرئيس نبيه بري والنائب جورج عدوان في عين التينة، حيث استمر النقاش حتى قرابة الثالثة فجرا…
استشعر الجميع بالخطر، مع دنو موعد انعقاد مجلس الوزراء. كان القرار المضمر لدى الكل يقضي بتجنب الوصول الى موعد نهاية ولاية المجلس من دون قانون جديد، لما سيرتبه ذلك من تداعيات وخيمة، يصبح معها اسوأ قانون افضل من عدمه. لكن من سيصرخ اولا في لعبة عض الاصابع هذه؟ كان هذا هو السؤال..
وما زاد المفاوضات صعوبة هو ان معظم من خاضها يتقن تكتيكات «حافة الهاوية» ويبرع في استخدامها، مهما بدت الحافة رفيعة. وامام معادلة «توازن الردع» التي تحكمت بالنقاشات طويلا، وفرضت نوعا من «الستاتيكو» التفاوضي، حاول الرئيس سعد الحريري ان يُحدث اختراقا ما في الجدار السميك، فكانت جملته الشهيرة اثناء احد الافطارات الرمضانية، قبل ايام: لن أترشح الى الانتخابات النيابية، إذا كانت ستتم على اساس «الستين»..
بدت الرسالة موجهة الى «التيار الحر»، بالدرجة الاولى، لاستبعاد اي سيناريو يفترض ان بالامكان اجراء الانتخابات وفق «الستين»، إذا تعذر التفاهم على قانون جديد، كما كان قد ألمح الرئيس ميشال عون في احد مواقفه السابقة. ادرك الحريري ان كلفة هذا السيناريو ستكون باهظة عليه وعلى حكومته، باعتبار ان الثنائي الشيعي لن يقبل بان يسود الفراغ في مجلس النواب في الفترة الانتقالية الممتدة بين نهاية ولاية المجلس وحصول الانتخابات على قاعدة «الستين».
وفي المعلومات، ان الحريري ألمح امام من يهمه الامر، خلال المفاوضات، الى انه لن ينتظر استقالة الثنائي الشيعي من الحكومة، ردا على الفراغ المحتمل، بل سيبادر هو الى الاستقالة، رفضا لـ«الستين» وتعبيرا عن استيائه من فشل حكومته في انجاز القانون الجديد الذي التزمت بوضعه عند تشكيلها.
هذا التطور في موقف الحريري، سواء ما ظهر منه او ما ظل مستترا، بدا كالحجر الذي حرّك مياه التفاوض الراكدة، وأعاد خلط الاوراق في ربع الساعة الاخير.
حزب الله دفع كذلك في اتجاه اتمام القانون، وانما على طريقته، مستخدما «القوة الناعمة» في الضغط وايصال الرسائل التي تمحورت في الايام الماضية حول ثابتة اساسية، لا تحتمل المساومة: «الفراغ مرفوض، ولن نقبل به بتاتا تحت اي شعار…»
وقد تعمد الامين العام لحزب السيد حسن نصرالله تظهير هذا الموقف بوضوح تام امام الوزير جبران باسيل، خلال لقائه به مؤخرا، إذ أكد له ان الفراغ ممنوع، «ونحن نثق فيك وفي قدرتك على التعامل مع التفاصيل المتعلقة بالقانون، وعليك ان تتصرف..»
تفهم باسيل طرح نصرالله، وأدرك منذ تلك اللحظة ان هامش تكتيكاته التفاوضية لتحسين شروط القانون الانتخابي، انما يتوقف عند حدود مراعاة مستلزمات التحالف الاستراتيجي مع الحزب.
هذا الاصرار من قبل حزب الله على انتاج القانون ومنع الفراغ، ليس نابعا فقط من معرفته بحساسية التوازنات الداخلية التي لا تحتمل شغورا ولو للحظة واحدة في السلطة التشريعية ولا في رئاستها المعقودة للطائفة الشيعية، وانما يعكس ايضا حرصه على ابقاء الوضع الداخلي مستقرا، في وقت يخوض مواجهات خارجية مصيرية، تبدأ من الاقليم وتنتهي في واشنطن، ما يستوجب ان يكون ظهره محميا وبالتالي ان تكون الدولة اللبنانية متماسكة، خصوصا انه يستمد منها الغطاء في مواجهة محاولات بعض القوى العربية والدولية سحب الشرعية منه، عبر تصنيفه منظمة ارهابية.
اما الرئيس بري، فقد كان براغماتيا في محاكاة التفاصيل، وحاسما في الدفاع عن ثوابته، ومن بينها اثنتان: إقرار مبدأ النسبية مع إبداء مرونة على مستوى حجم الدوائر، ورفض الفراغ حتى لو كلفه ذلك قلب الطاولة على رؤوس الآخرين. وعليه، لم يتردد بري في إفهام من يعنيه الامر خلال ادق لحظات التفاوض انه لن يقبل ان يصبح رئيسا سابقا للمجلس النيابي، حتى ليوم واحد، ليس تمسكا بالسلطة، وانما منعا للعبث بقواعد النظام وتوازناته الدقيقة.
لم يُخف النائب جنبلاط، من جهته، امتعاضه من الصيغة النهائية للقانون، لاسباب عدة، الا ان واقعيته دفعته الى التكيف معها وتقبلها على مضض، فيما اعطى النائب جورج عدوان اشارة في مؤتمره الصحافي امس الى انه يعرف الدوافع الكامنة خلف برودة جنبلاط، متجنبا الافصاح عنها. وهناك من يقول ان عدم حماسة رئيس «التقدمي الاشتراكي» للقانون يتعلق بكون الوزير جبران باسيل طرح تحويل المقعد الدرزي في بيروت الى حصة المغتربين المفترضة، باعتبار ان عدد الدروز في العاصمة قليل، في حين ان هذا المقعد يمثل بُعدا سياسيا بالنسبة الى رئيس اللقاء الديموقراطي.
ويمكن القول ان عهد الرئيس ميشال عون هو من بين الرابحين الاساسيين، كونه «نجا» من مخاطر «الشيخوخة المبكرة» التي كان سيتسبب بها الفراغ او التمديد او الستون، وإن يكن هذا العهد مضطرا الى تحمل اوزار المرحلة الانتقالية، نيابيا وحكوميا، الى حين اجراء الانتخابات بعد 11 شهرا.
ولعل «القوات اللبنانية» هي الاشد ارتياحا الى ولادة القانون، ليس فقط لانه سيُحسن التمثيل المسيحي في المجلس النيابي، بل لانها اصابت عبره اكثر من عصفور، فهي ظهرت كعرّابة للتسوية من خلال الدور الحيوي الذي اداه النائب عدوان في التفاوض، وانتزعت المبادرة من التيار الحر موحية بانها اكثر واقعية منه بحيث تعرف متى تتصلب ومتى تلين، وتمكنت من اعادة ترميم علاقاتها مع العديد من القوى الداخلية كالرئيس بري والنائب جنبلاط كما فتحت نافذة سياسية على حزب الله الذي بدا متعاونا مع مبادرة عدوان.
وليس خافيا، ان عدوان نجح من خلال «أناقته الدبلوماسية» في تسويق صورة معدّلة لـ«القوات» التي اصبحت مقبولة نسبيا في ساحات كانت مقفلة عليها، فيما المفارقة ان علاقتها بالحليف البرتقالي اهتزت تحت وطأة التباين في الحسابات حيال قانون الانتخاب والتنافس على أبوة مشروع التسوية.
اما الوزير باسيل، فقد قدم نفسه لدى المسيحيين والمنتشرين كمفاوض شرس، يدافع عن حقوقهم بصلابة حتى حدود المغامرة، إلا ان ازمة الثقة تفاقمت بينه وبين خصومه، وحتى بعض حلفائه، وهو أمر لا يأبه له كثيرا رئيس التيار الحر الذي يعتبر ان تصحيح الخلل في التوازن الداخلي يستحق كل هذا العناء.. والعناد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.