“كهرباء لبنان”: نكبة البلاد المتواصلة “عمدًا”

موقع العهد الإخباري-

د. محمود جباعي:

يعاني اللبنانيون اليوم أزمة خانقة بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي تمر به البلاد، حيث الصعوبات البالغة في تأمين الغذاء والدواء والمحروقات على أنواعها، اضافة الى الارتفاع الجنوني في أسعار هذه المواد في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وايضاً بسبب الرفع التدريجي للدعم الذي يقلق معظم الشعب اللبناني.

واقع الكهرباء في لبنان

في ظل هذه المصاعب الكبيرة، يعيش اللبنانيون مع أزمة مزمنة في قطاع الكهرباء وصلت اليوم الى ذروتها في ظل افلاس الدولة ونفاد خزائن مصرف لبنان من العملات الأجنبية الصعبة، حيث وصلت ساعات التقنين الى أكثر من 20 ساعة، ومع فقدان واحتكار مادة المازوت انطفأت معظم المولدات في كافة المناطق وغرق لبنان في شبه عتمة يومية.

مشكلة الكهرباء تعود إلى أكثر من 30 عامًا، فبعد انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف اشتدت الأزمة ولم يستطع الساسة اللبنانيون تأمين الطاقة الكهربائية ولا ايجاد أي حل جذري لها، فاستمر تقنين الكهرباء منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا وامتدت العتمة، وباتت الكهرباء المعضلة الأهم التي تواجه كل الحكومات المتعاقبة رغم توافر عدة خيارات للحل، إلا أن النوايا لم تكن سليمة في هذا المجال، ورفضت جميع الفرص والعروض المقدمة سواء كانت داخلية أو خارجية.

اذاً يتحمل السياسيون اللبنانيين المسؤولية الأولى في استمرار هذه الأزمة، إما لأسباب سياسية من جهة وإما من أجل الاستثمار في الأزمة لتحقيق مكاسب مادية من خلال استيراد الفيول وتشغيل المولدات من جهة أخرى. وبهدف تحقيق هذه المكاسب، أهملت البنى التحتية وتعطلت المعامل وتوقفت مصافي التكرير عن العمل ولم يبادر الطاقم السياسي مرة واحدة الى تنفيذ خطة مناسبة تعالج الأزمة بشكل جذري بل كانت دائماً تقتصر الحلول على مبادرات ترقيعية تبقي الأزمة على حالها.

انعكاسات أزمة الكهرباء على الحياة الاقتصادية والمعيشية

لا يخفى على أحد أهمية الكهرباء بالنسبة للحياة الاقتصادية والمعيشية في شتى المجالات، لذلك فإن للانقطاع المستمر في التيار الكهربائي وارتفاع كلفة تشغيل المولدات عدة انعكاسات سلبية ابرزها:

1- ضعف الانتاج في القطاعين الزارعي والصناعي وارتفاع كلفة الانتاج مما أضعف القدرة التنافسية للقطاعات الانتاجية وبالتالي جعل لبنان محكومًا بضرورة الاستيراد من الخارج مع ما له من انعكاسات مدمرة على القدرة الشرائية للمواطنين من جهة وعلى معدل النمو الاقتصادي من جهة أخرى.

2- تأثيرات مباشرة على القطاع الصحي وخاصة المستشفيات التي أصبحت مهددة بكارثة صحية تنعكس على حياة كل المواطنين مما يهدد حياة اللبنانيين وأمنهم الصحي.

3- خسائر كبيرة في القطاع السياحي، فمعظم المؤسسات السياحية تعطل عملها بسبب انقطاع الكهرباء؛ فمعظم السواح الأجانب لم يعد لبنان يجذبهم لعلمهم أن الطاقة الكهربائية معطلة في البلاد، اضافة الى ارتفاع كلفة شراء المازوت لتشغيل المولدات مع صعوبة الحصول على هذه المادة ما جعل العديد من الأماكن السياحية خارج نطاق العمل.

4- القطاع الغذائي أصبح مهددًا أيضًا لأن الكثير من المواد الغذائية الموجودة في المتاجر والسوبر ماركت تحتاج الى تشغيل دائم للبرادات لذلك انقطاع الكهرباء وغياب مادة المازوت سيساهم في تلف هذه المواد مما سيتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة.

5- انعكاس مباشر على حياة المواطن وخاصة في فصل الصيف الحار وما يسببه انقطاع التيار الكهربائي من أزمة صحية من جهة وغذائية أيضًا بسبب الضرر الذي يلحق بالمواد الغذائية الموجودة في المنازل مما سيعرض الأمن الغذائي للمواطن لخطر شديد.

المشاكل التقنية لقطاع الكهرباء

من الناحية التقنية يبرز حجم المشكلة وخطورتها الذي يولد نقصًا مستمرًا ومزمنًا في التغذية الكهربائية مما يكبد الدولة خسائر مادية كبيرة للأسباب التالية:

1- يعتمد لبنان على المعامل والمحطات الحرارية لتوليد الطاقة وهذه المحطات تعاني من مشاكل فنية كبيرة ومن استخدام تقنيات قديمة ذات كفاءة متدنية جدًا.

2- تستخدم هذه المعامل النفط الثقيل والديزل المستوردين بتكاليف عالية لانتاج الطاقة مما يزيد من أعباء الخزينة دون وجود انتاج فعلي وكافٍ.

3- تعطل مصافي التكرير في المعامل مما يضعف القدرة على الانتاج والقدرة على تكرير أنواع أقل كلفة من النفط.

4- استخدام كابلات قديمة جداً ولا تراعي المواصفات العالمية بقدرة تشغيلية محدودة وضئيلة نسبياً.

5- نقص كبير في التغذية بمقدار يصل تقريباً الى حوالي 2000 ميغاوات يومياً عن ذروة الطلب.

كل هذه المشاكل التقنية ساهمت في تكبد الدولة اللبنانية لخسائر مادية وفنية فادحة وغير مبررة ساهمت في زيادة عجز الخزينة والدين العام من جهة وضعف الانتاجية والنمو الاقتصادي من جهة أخرى.

الحلول الجذرية والمستدامة

الحل الجذري لهذه الأزمة المزمنة أصبح ضروريا جداً للمساهمة في اعادة تفعيل النشاط الاقتصادي في البلاد لأنه بكل بساطة لا يوجد اي امكانية لتفعيل القطاعات الانتاجية دون اصلاح مشكلة الكهرباء، فضلاً عن مطالبة المجتمع الدولي بشكل مستمر باصلاح جذري لقطاع الكهرباء لتخفيف الضغط عن الموازنة العامة في البلاد ولقطع الطريق على الفاسدين والمستفيدين من اهمال هذا القطاع عن طريق القيام بسمسرات مختلفة على حساب خزينة الدولة والشعب اللبناني. لذلك، يجب وضع خطة اصلاح بنيوية لهذا القطاع يمكن تلخيص ابرز بنودها بما يلي:

1-انشاء هيئة مستقلة لتنظيم هذا القطاع تتسم بالشفافية والمهنية والخبرة بعيداً عن المحاصصة السياسية ولديها القدرة على اتخاذ القرارات العملية والعلمية دون الحاجة الى الدخول في الحسابات المذهبية أو الحزبية الضيقة.

2- جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية نحو هذا القطاع واعطاء دور للقطاع الخاص والمستقل عبر تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لأن ذلك سوف ينشط العمل ويزيد فعالية المنشآت من جهة وسيؤمن ايرادات ويخفف العجز المالي من جهة اخرى.

3- السعي الى استقطاب أكبر عدد من العروض الخارجية لإصلاح قطاع الكهرباء يبدأ بانشاء معامل كهربائية حديثة ويعمل على اصلاح المصافي الموجودة في معملي البداوي والزهراني. وهنا تجدر الاشارة الى أنه منذ سنوات الى اليوم قُدمت الى الحكومة اللبنانية عدة عروض من دول صديقة كالعرض الالماني عبر شركة سيمنز أو العرض الايراني عبر تمويل المعامل بالفيول اللازم للانتاج بالليرة اللبنانية واخيراً العرض الروسي المبني على انشاء معامل طاقة واصلاح المصافي.

ومع الأسف كانت ترفض هذه العروض إما بسبب المناكفات السياسية أو من أجل حماية مصالح الجهات المستوردة للفيول المرتبطة بسياسيين لبنانيين تتقاسم أرباح الاستيراد معهم.

لذلك لا بد لأي حكومة لبنانية جديدة من أن تضع الخلافات السياسية جانباً وتفكر فقط في المصلحة العليا للدولة والشعب اللبناني.

4- بعد تحسين الانتاج يجب تفعيل دور الجباية بأسعار مدروسة وايضاً تفعيل الرقابة لمنع حصول المنتفعين والمدعومين سياسياً من الحصول على الطاقة الكهربائية دون مقابل وبشكل غير شرعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.