كوريا والاستفزاز الأميركي وأوهام الحرب النووية

USA-northkorea

صحيفة البيان الإماراتية ـ
مسعود ضاهر:

منذ أن قررت الولايات المتحدة نقل قسم من قواتها من العراق والشرق الاوسط إلى الشرق الأقصى، بدأت تتبلور سياستها الجديدة لنقل الصراع إلى تلك المنطقة. فانفجرت أزمة الجزر والمناطق المتنازع عليها في جنوبي بحر الصين، وتوترت العلاقات بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى التوتر الدائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي واستفزازاتها المتكررة ضد اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من أكثر دول الشرق الأقصى تعاونا مع الأميركيين.

وتبين اليوم أن الولايات المتحدة اتجهت نحو منطقة الشرق الأقصى، بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية في بناء الشرق الأوسط الجديد من جهة، وانحياز الاقتصاد العالمي بشكل واضح إلى الشرق الأقصى من جهة ثانية.

فقررت تأزيم الوضع في شبه الجزيرة الكورية، لدرجة حافة الحرب وخطر اندلاع مواجهات نووية أثارت الهلع في أوساط الرأي العام العالمي. وبدأت وسائل الإعلام الغربية تحذر من مواجهة عسكرية بين الغرب الأميركي بقدراته العسكرية الهائلة، وكوريا الجنوبية التي تمتلك أسلحة دمار شامل، خاصة النووية.

بدأت المواجهة مطلع إبريل الجاري، حين أعلنت كوريا الشمالية استئناف العمل في محطة يونغبيون لإعادة تشغيل مفاعلها النووي المتوقف منذ 2007، فشكل ذلك تحديا مباشرا لقرارات الأمم المتحدة، التي حظرت عليها أي نشاط نووي.

وبعد يومين فقط، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إرسال بطاريات صواريخ متطورة جدا إلى غوام، لتعزيز قدراتها العسكرية في المحيط الهادئ، مع وجود مدمرتين أميركيتين مضادتين للصواريخ البالستية.

ثم اتخذت واشنطن تدابير عسكرية غير مسبوقة، فأرسلت قاذفات “بي-2” في مهمة تدريبية فوق أراضي كوريا الجنوبية، وهي الأكثر تطورا في سلاح الجو الأميركي، وتتجاوز القاذفات الاستراتيجية من طراز “بي-52” المتواجدة في المنطقة.

فللقاذفات الجديدة قدرة فائقة على التخفي عن الرادارات، وعلى حمل أسلحة نووية، وتقليدية، ولديها القدرة على اعتراض الصواريخ العابرة للقارات، وتطير لمسافة 11 ألف كلم دونما حاجة للتزود بالوقود.

وعلى الفور، تبدل المشهد السياسي والميداني بين الكوريتين، وتجاوز حدود شبه الجزيرة الكورية ليصبح أزمة خطيرة تطال دول المنطقة التي تتأثر مباشرة بالصراع العسكري، في حال نشوبه. وتكمن خطورة التهديد باستخدام السلاح النووي، الذي عملت كوريا الشمالية على تطويره منذ مدة ليست قصيرة، في أنه وضع المنطقة على حافة حرب نووية.

لقد استخدمت كوريا الشمالية أكثر من مرة الابتزاز العسكري للحصول على مساعدات اقتصادية ومالية من اليابان وكوريا الجنوبية، لكنها أعلنت في الأزمة الراهنة عن خطة مبرمجة لشن عمليات عسكرية ضد الولايات المتحدة، تتضمن توجيه ضربات نووية، وأطلقت تصريحات نارية تؤكد قدرتها على سحق القوات الأميركية في المنطقة فور اندلاع الحرب، وأكدت أنها لن تكتفي بضرب قواعد غوام وهاواي، بل ستضرب جميع القواعد العسكرية الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان، حيث يتمركز أكثر من خمسين ألف عسكري أميركي.

ولإعطاء المزيد من الصدقية لتهديداتها، أعلنت عن تحريك بعض صواريخها إلى محطات الإطلاق، ودعت موظفي الأمم المتحدة وسفارات روسيا وبريطانيا والدول الأخرى، إلى ترحيل دبلوماسييها لأنها لن تكون قادرة على ضمان أمنهم بدءا من العاشر من إبريل 2013.

أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قلقه الشديد من تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، بعد أن تجاوزت الأزمة حدود الجزيرة للتهديد بضرب القوى الأميركية المرابطة في المنطقة. لكن قرار إخلاء البعثات الدبلوماسية وسط تزايد التوتر النووي، لم يتخذ حتى الآن.

مع ذلك، كان من الطبيعي أن تؤخذ التهديدات النووية الكورية على محمل الجد، في حال هاجمت الولايات المتحدة كوريا الديمقراطية. كما أن أي استفزاز عسكري ضدها، يمكن أن يقود إلى حرب شاملة لن تبقى محصورة ضمن حدود شبه الجزيرة الكورية، بل ستتعداها إلى دول أخرى.

لذلك أعربت روسيا عن قلقها الشديد إزاء الوضع القابل للانفجار قرب حدودها في الشرق الأقصى، وطالبت الصين أطراف الصراع بضبط النفس، وأكد رئيس وزراء بريطانيا على أن التهديد النووي يتزايد في المرحلة الراهنة، ولا بد من رادع له لضمان سلامة الشعوب وسط تصاعد التوترات النووية في شبه الجزيرة الكورية، وفي الشرق الأوسط.

وتخوف الرأي العام العالمي من حرب نووية مدمرة، وبرزت دعوات عدة تطالب بوضع السلاح النووي تحت رقابة دولية صارمة، حتى لا يستخدم كعامل توتير للسلام العالمي، أو للابتزاز السياسي بهدف الحصول على مساعدات اقتصادية ومالية.

ولعل أبرز الحلول العقلانية المقترحة للأزمة النووية الكورية في المرحلة الراهنة، هي التالية: أولا؛ التركيز على الحل السياسي للأزمة وسحب فتيل التوتر، من خلال إحياء اللجنة السداسية المعنية بالأزمة الكورية والمتوقفة منذ سنوات عدة.

ثانيا؛ فتح حوار عقلاني جاد بين ممثلي الشعب الكوري في الشمال والجنوب، على أساس وحدة كوريا أرضا وشعبا ومؤسسات، والاعتراف بمصالح الشعب الكوري الموحد وضمان أمنه العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من طاقاته النووية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية، لإطلاق التنمية البشرية والاقتصادية الشاملة والمستدامة في شبه الجزيرة الكورية.

ثالثا؛ استخدام الضغط الدبلوماسي من جانب أصدقاء كوريا الشمالية، خاصة الصين، لنزع فتيل الأزمة، على قاعدة وقف التهديد باستخدام السلاح النووي الكوري من جهة، ووقف التدخل الأميركي في شؤون الدول الآسيوية بعد انكشاف مخططها بنقل الحروب من منطقة الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى لوقف عملية التنمية المستدامة في تلك المنطقة.

ختاما، في وقت تتخوف دول جنوب شرق آسيا من العواقب الناجمة عن التهديد بالسلاح النووي الكوري، عسكريا وسياسيا. فالنتائج الاجتماعية والاقتصادية المدمرة التي تترتب عليها، ستكون لها أبعاد استراتيجية على المنطقة بأسرها، خاصة على شعب الكوريتين واليابان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.