كيف يمكن للبنان أن يستفيد من إعادة إعمار سوريا؟

موقع العهد الإخباري-

فاطمة سلامة:

ثمّة روابط كثيرة تجمع لبنان وسوريا من الجغرافيا الى التاريخ. وغالبًا ما كان يُقال إن سوريا خاصرة لبنان إن ضعُفت ضعف وإن اشتدّت اشتد. المحطات العديدة التي مرّ بها البلدان ترجمت هذه الحقيقة، وبيّنت بما لا يقبل الشك أنّ مصلحة لبنان الأولى والأخيرة التعاون والتنسيق مع الدولة السورية في العديد من الملفات. وحين تتم مقاربة ملف إعادة الإعمار في سوريا، يبرز سؤال رئيسي حول كيفية استفادة لبنان الجار الأقرب لسوريا من هذه الفرصة السانحة، فرصة قد تسهم في إنعاش اقتصاد لبنان الذي يعاني من “ركود” ومؤشرات اقتصادية في غاية السلبية. فكيف يمكن للبنان أن يستفيد من إعادة إعمار سوريا؟.

ناصرالدين: الخوف من إعادة إعمار سوريا يؤثر سلبًا على اقتصادنا

الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يرى أنّ إعادة إعمار سوريا هي أكبر مشروع إعماري بعد الحرب العالمية الثانية حيث تقدّر الأرقام بعشرات مليارات الدولارات. وفي حديث لموقع “العهد” الإخباري، يلفت ناصر الدين الى أنّ لبنان اذا استفاد بالحد الأدنى بنسبة 5 بالمئة من المشاركة في الإعمار، فهذه الاستفادة تعمل على رفع الناتج المحلي أضعافًا مضاعفة في السنوات القادمة. برأي ناصر الدين، لا يجوز ربط الدور اللبناني في إعادة إعمار سوريا بواقع إقليمي أو موافقة أميركية أو عربية وسعودية بالتحديد لأنّ الخوف من إعادة إعمار سوريا يؤثر سلبًا على اقتصادنا.

ويسأل ناصر الدين:”أليس مستغربًا وجود كل الدول العربية والمجتمع المدني والأوروبي في سوريا إلا لبنان يتواجد بشكل ضئيل وسط غياب القرار الرسمي؟”. لماذا مسموح لغيرنا ومحرّم علينا؟. الجميع بمرحلة تخطيط وتحضير على الأرض، فيما المشاركة اللبنانية تبدو خجولة. وعليه، يدعو ناصر الدين لإحياء مجلس رجال الأعمال اللبنانيين-السوريين، وإرسال وفود وشركات بشكل فعّال الى معارض إعادة إعمار سورية. وهنا يشير ناصر الدين الى أنّ لبنان يمتلك كل المقومات العلمية والخبرات الإعمارية والتخطيطية والاستشارية والقدرة على إعادة العمل ليكون له دور في إنتاج النظام الاقتصادي الإعماري الجديد في سوريا.

وخلال مقاربته لأهمية مشاركة لبنان بإعادة إعمار سوريا، ينطلق ناصر الدين من القاعدة التي تقول إن التعاون المشترك بين البلدين ينقذ الاقتصاد اللبناني، سائلًا: “كيف اذا كنا نتحدث عن موضوع إعادة إعمار قادرة على إنتاج واقع اقتصادي جديد”. من وجهة نظره، فإنّ إعادة إعمار سوريا ستنتج واقعًا اقتصاديًا جديدًا في المنطقة. لذلك، ثمة خشية من أن يكون للبنان الدور الأهم في إعادة إعمار سوريا ويعود الى النهوض من جديد. وهنا يستشهد ناصر الدين بمقولة قديمة ردّدتها دول عربية تقول: “طالما أن المارد اللبناني نائم اقتصاديا فهي منتعشة جدًا”.

وفي المقابل، ثمّة مقولة أخرى تقول إنّ “انتعاش لبنان اقتصاديا هو واقع سلبي بالنسبة لتل أبيب”. فكيف اذا كنا نتحدث عن انتعاش لبنان وسوريا؟ يسأل ناصر الدين الذي يشدّد على أنّ إعادة الإعمار هي عودة الواقع الاقتصادي الأساسي لسوريا التي بإمكانها أن تحدّد كيفية نمو الاقتصاديات المحيطة بها، ولبنان يجب أن يكون الجزء الأهم في إعادة الإعمار ولا يجب أن يغيب دوره لمصلحة شركات تتعاطى في السياسة.

بإمكان لبنان أن ينقذ نفسه من الاإنهيار بتقديم دور فعال في إعادة إعمار سوريا

ويشدّد ناصر الدين على أنّه من المهم جدًا بأي واقع اقتصادي وأي واقع إعماري أن يكون هناك وضوح للرؤية. برأيه، المشكلة في لبنان أنه بات لدينا أكثر من اقتصاد وأكثر من معرقل. وعليه، يحتاج لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى الى وزارة التخطيط لمعرفة أهمية الانفتاح على الاقتصاديات وما هو الاقتصاد الذي يجب أن ننفتح عليه، انطلاقا من القاعدة المهمة جدًا والتي تتمثل بالآتي: نقاط القوة في الاقتصاد السوري هي نقاط ضعف في الاقتصاد اللبناني، ونقاط القوة في الاقتصاد اللبناني هي نقاط ضعف في الاقتصاد السوري، وعليه، هناك إمكانية للتكامل بشكل مفيد جدًا لمستقبل لبنان انطلاقا الى ما هو أبعد من الشرق، بمعنى أن يكون لبنان صلة الوصل بين الغرب والشرق.

وفق ناصر الدين، بإمكان لبنان أن ينقذ نفسه من الواقع الذي وصل اليه في الانهيار من خلال أن يقدم دورا فعالا وأساسيا قويًا في إعادة إعمار سوريا. برأيه، بدل أن يكون لبنان تابعا للمجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن ودول الخليج، بإمكانه أن يلعب دورًا أساسيًا في إعمار سوريا لا أن يكون لبنان ملحقا بهذه الفرصة.

أوجه الاستفادة عديدة

ويشدّد ناصر الدين على أنّ مشاركة لبنان بإعادة إعمار سوريا ترتد عليه إيجابًا من خلال:

-تطوير المرافئ اللبنانية من بيروت الى طرابلس وحتى صور

-زيادة الاستثمارات في لبنان

-تحول لبنان الى مقر للشركات التي تعمل بشكل متزامن مع الشركات التنفيذية الموجودة في سوريا

-تقديم دور مهم على الصعيد الاستشاري والتحضير اللوجستي والتنفيذي

-زيادة حجم الموانئ أضعافا عن الموجودة اليوم خاصة بموضوع المرافئ التي سيكون دورها مغذيا للمواد الأولية والإعمارية التي تحتاجها سوريا في المرحلة اللاحقة.

وخارج موضوع إعادة الإعمار، يلفت ناصر الدين الى أنّ لبنان يحتاج الى التعاطي مع سوريا للعودة الى الواقع الإنتاجي. أكثر من 65 بالمئة من المواد الأولية التي يحتاجها لبنان موجودة في سوريا وبأسعار مفيدة ومهمة تتناسب مع القدرة الشرائية اللبنانية مع العلم أن الغرب يشتري المواد الأولية من سوريا. تمامًا كما يمكن أن يستفيد لبنان من هذا التعاون على الصعيد الصحي والزراعي والتجاري.

وفي الختام، يشدّد ناصر الدين على أنّ الحكومة اللبنانية الحالية اذا أرادت أن تُثبت أنها تعمل فعلًا للإنقاذ الاقتصادي في لبنان فعليها أن تتواصل بشكل جدّي وعبر كافة وزاراتها مع سوريا وتتّجه لفتح علاقة جديدة معها خاصةً أنّ سوريا ستعود بقوة الى الجامعة العربية وسط انفتاح الدول عليها. وهنا يوجه ناصر الدين نصيحة للمعنيين بأنّ باب سوريا سيفتح الكثير من الأبواب المغلقة ما يدفع دولا ثانية لاحترام لبنان لا التعاطي معه كتابع بل كبلد يمتلك مصادر طاقة وكوادر بشرية وقدرة على الصمود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.