لبنان بعد بندر بن سلطان

bandar - soltan - ksa

كونه أحد مراكز النفوذ والحصص السعودية في المنطقة، وكون السباق الإقليمي المخابراتي الدولي على أشدّه منذ ما قبل الاستقلال عام 1943 لحجز مساحة نفوذ فيه، يُسند لبنان لدى أي تغيير أو تعيين ملكي سعودي كأحد الامتيازات في المملكة لكي يشرف عليه أو يدير شؤونه أمير أو وزير أو مسؤول سعودي بارز، نظراً الى ما للسعودية من حلفاء سياسيين وحزبيين ونفوذ وأعمال في هذا البلد الصغير، الذي تعرف السعودية أهمية أن توسّع نفوذها فيه، لما له من موقع ودور استراتيجيين في المنطقة يؤثران في مجريات الأحداث فيها مباشرة، ونظراً الى أنّ هذا البلد استطاع فرض معادلات جديدة في الصراع مع «إسرائيل» بفرادة ما يحوي من منظومة مقاومة عسكرية وشعبية تعتبرها السعودية انها انتصارات لا تتوقف عند المقاومة في لبنان، بل تسجل نفوذاً ورصيداً لحلف تتصدره إيران وسورية، وعليه… خيض صراع النفوذ على لبنان وفق حسابات بُنيت إما على توافق وإما على صراع بين إيران والسعودية وحلفاء كليهما في سورية ولبنان.

منذ عام 2005 عيّن الأمير بندر بن سلطان رئيساً لجهاز الأمن القومي السعودي، وكان لبنان من صلب اهتماماته ضمن عنوان مرحلة جديدة مفترض الدخول فيها وفقاً للسياسة العامة للسعودية وموقفها في حينه من لبنان والأطياف اللبنانية عموماً… والمعروف ان الحقبة ما بعد 2005 في البلاد بعد اغتيال الحريري الأب، لم تكن تشبه ما بعدها حتى بالسلوك السعودي الذي ظهر أكثر انحيازاً لفريق لبناني من دون آخر، على رغم إصرارها الدائم على أن تكون فريقاً وحكماً ووسيطاً، إلا أن وفي كلّ مناسبة كان يظهر دعمها لفريق معروف أو تيار معروف إنْ من طريقها أو طريقه، وهذا الأمر كان منذ ما قبل اندلاع الأزمة السورية، أي أنّ الانقسام في لبنان موجود ويتعمّق وبطريقة أو بأخرى هناك من سمّى مرحلة ما بعد اغتيال الحريري وما تعرّض له لبنان بـ«ثورة الأرز»، وربما كانت أولى ثورات المنطقة التي مرّت بسلام «متحفظ»، لأنها اصطدمت بواقع النسيج اللبناني والأحزاب اللبنانية التي تطغى قوة ونفوذ وتأثير بعضها على لبنان بحدّ ذاته.

ملف لبنان تسلّمه بندر، ومنذ ذلك الوقت تستعر النار فيه حيناً وتنطفئ حيناً آخر… تفجيرات متعددة ومتنقلة وجبهات الشمال مفتوحة على مصراعيها، وبالأخص طرابلس التي عاشت سنوات طويلة من حرب الأحياء التي انهكت المدينة وسكانها، ليس المقصود هو تورّط سعودي بكلّ هذا أكثر من أنّ الأمر يتعلّق بنفوذ سعودي كان قادراً على إيقاف الكثير من هذا النزف بفضل علاقات مع مختلف الأطياف وبينهم المتشدّدون.

أما بعد اندلاع الأزمة السورية، وبعدما توسّع دور بندر بن سلطان الاستخباري بوضوح على رأس استخبارات بلاده، انتشرت تقارير عسكرية متعددة بينها أميركية وبريطانية وفرنسية وروسية والمانية تحدثت عن تورّطه المباشر بتسليح المتشدّدين والمسلحين التكفيريين بهدف تنفيذ عمليات على الأجهزة الأمنية وقوى الأمن السورية وعلى أهداف مدنية بقصد الضغط على النظام. وبين دعم المسلحين في سورية وهروب بعضهم من ضربات الجيش السوري الى العمق اللبناني، وتمركزهم بين الشمال والبقاع، تطوّر المشهد وتدحرج ليصل الى تنفيذهم هجمات انتحارية داخل لبنان على أهداف قالوا إنها لحزب الله، إلا أنها استهدفت في الواقع قاعدته الشعبية رداً على تدخله في سورية، هذا ما لم يكن حقيقياً في شكل يقطع الشك باليقين، لأنّ هجمات الانتحاريين في لبنان بدأت في شكل مكثف بعد اغتيال الحريري، حيث توالى استهداف أكثر من 12 شخصية لبنانية سياسية بعده، وكان لبنان البلد العربي الأول بعد العراق الذي تندلع فيه سلسة العمليات الانتحارية أو الإرهابية من طريق السيارات المفخخة، أي قبل الأزمة السورية بسنوات.

انعكاس المشهد في سورية على لبنان كان سلبياً بامتياز الى أن بدأت الانفراجات تلوح في الأفق اليوم بعد متغيّرات أولها تقدم الجيش السوري في ميدان قتاله المسلحين، وثانيها التعيينات الجديدة في الديوان الملكي السعودي… وهنا بيت القصيد.

كلّ ما يهمّ في لبنان هو مَنْ الذي تسلّم رعاية أمور لبنان سعودياً بعد عزل بندر بن سلطان عن ملفَيْ سورية ولبنان، ليتضح أنّ الأمير مقرن بن عبد العزيز هو من أسندت إليه مهمة إدارة الملف اللبناني، واذا ببوادر تغيير ملامح السياسة السعودية في لبنان ترخي بظلالها سريعاً، حيث استطاع لبنان وبمرحلة قصيرة تشكيل حكومة تجمع معظم الأطياف، وكان أول مَنْ تراجع عن فكرة عدم الدخول فيها حلفاء السعودية في لبنان، كما أنّ الحكومة استطاعت اتخاذ قرارات إدارية وأمنية أساسية تجسّد أهمّها بالخطة الأمنية في طرابلس وغيرها… حيث أعادت قليلاً بعض الثقة بمؤسسات الدولة، ودعمت الجيش اللبناني المستهدف من قبل الإرهابيين والسياسيين على حد سواء، كما ساهمت بفرش أرضية مهمة لتقريب وجهات النظر بين حلفاء السعودية لا سيما تيار المستقبل وبين التيار الوطني الحر.

كل هذا شدد عليه سفير السعودية في لبنان علي عواض العسيري الذي بشر بمرحلة أمل بعلاقات مميّزة بين الشعبين اللبناني والسعودي، داعياً السعوديين إلى زيارة لبنان منهياً بذلك مفعول التحذير الذي وجهته السعودية سابقاً، إضافة إلى دعوته لتعزيز التواصل بين المؤسسات ورجال الاعمال ووضع استراتيجيات اقتصادية تخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، مذكراً بالعلاقة المتجذرة بين الشعبين وبحجم الاستثمارات السعودية في لبنان الذي ما زال يشكل 40 في المئة من مجموع الاستثمارات الاجنبية، وبالسياح السعوديين الذين كانوا يشكلون 20 في المئة من السياح العرب في لبنان.

فهل هذا كله من فضل «عزل بندر»؟

روزانا رمّال – صحيفة البناء اللبنانية

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.