لبنان على منصات «الترسيم» البحري والسياسي!

جريدة البناء اللبنانية-

نمر أبي ديب:

بالرغم من الضوضاء السياسية التي رافقت رفع السقف التفاوضي في لبنان إلى الخط «29» والعناوين الكثيرة التي أُثيرت في حينه، حرِص الجميع اليوم على تحقيق تموضع بحري آمن، يضمن بسقفه التفاوضي الغير مباشر مع الطرف «الإسرائيلي» «حقل قانا» كاملاً ضمن خلاصة تفاوضية أفضت في الشكل إلى عودة لبنانية شبه نهائية ما لم يطرأ أيّ جديد أو تعديل على الموقف الإسرائيلي، إلى الخط 23، بالتوازي مع اصطفافات جديدة، وعوامل قوة إضافية تمثلت في التزام «الجيش والمقاومة» قرار السلطة السياسية في هذا الشأن…

نتحدث اليوم عن تطورات استثنائية في الموقف اللبناني، مُرفقة بعناوين جديدة وخطوط بحرية ثابتة وأيضاً مُستحدثة أضافت في المضمون السياسي لطاولة المفاوضات الغير مباشرة خطاً بحرياً جديداً بمساحة تخطت «الخط 23»، تراوحت ما بين 300 و400 كلم2 حدَّدَت أُطُرِها الهندسية الأبعاد السياسية وحتى الاستراتيجية لحقل قانا النفطي الواقع ما بين الخطين 23 و29.

في السياسة الداخلية يفتقر لبنان اليوم إلى «هوكشتاين سياسي»، إلى «مايسترو» ناظم للحركة السياسية بالدرجة الأولى، عابر في حدّه الأدنى للحسابات الداخلية، وأيضاً لمساحات النفوذ المتداخلة على الساحة اللبنانية لترسيم الجغرافيا السياسية من جهة والتأثير المُباشر في مُجمَل العناوين المطروحة على الساحة الداخلية، وفق معايير استثنائية منبثقة من قراءات استراتيجية لواقع لبنان السياسي لنظامه الطائفي وسياساته الخارجية، لخطوط حمر أساسية ضامنة لعبور آمن من نفق الأزمة المستمرة من استحقاقات دستورية وتحديات مصيرية إلى رحاب الدولة العصرية القادرة والقوية في مهمة شبه مستحيلة تُحسب فيها الفاصلة وحتى النقطة على طاولة اجتراح الحلول والتَوفيق بين العناوين، نظراً لتضارب المصالح، لالتزامات خارجية دخلت من خلالها المواقف السياسية بازار الحسابات الضيقة والاجتهادات الشخصية المؤثرة والمتأثرة في مفاعيل الانقسام العمودي المُتَجدد، لا بل المُستمرّ، بحكم الخلاف التاريخي على الهوية على موقع لبنان الإقليمي، ودوره الجديد في لعبة الأمم، وأيضاً في اصطفافات المحاور العالمية.

على المستوى الدولي، انطلاقاً من لبنان مساحة نفطية على ساحل المتوسط، قد يكون الاختلاف الواضح في سبل المعالجة الدولية للأزمة اللبنانية ناجماً عن تباين في نظام الأولويات السياسية بين الدول المعنية بالملف اللبناني بالدرجة الأولى، وتعدّد المصالح، لكنه بالتأكيد مدخل أساس لتشعّبات إضافية دخلتها الأزمة اللبنانية من بوابة الخلافات «الدولية الدولية» عبر مسارين:

ـ أولاً: مساحات النفوذ… ليس المقصود هنا موقع لبنان الرسمي على خارطة النفوذ الإقليمي للدول الكبرى، بقدر ما هو في اتجاه «سِباق التموضع» الذي تخوضه القوى الدولية في ساحل المتوسط، انطلاقاً من مُسبّبات عديدة، من دوافع استثنائية ومرتكزات استراتيجية قائمة في مُجمَلِها على مبدأ التوازن العسكري في المتوسط، وهنا تجدر الإشارة إلى التأثير الكبير والمباشر الذي تتركه الخلافات الدولية على مُجمَل العناوين الانقسامية الموجودة على الساحة اللبنانية، تجدر الإشارة إلى مركزية «الجغرافيا اللبنانية» ودورها الفاعل في التوازن الإقليمي الجديد، انطلاقاً من معادلتين «مرفأ بيروت» والتطور المُتَنامي «كَمّاً ونوعاً» في بُنية المقاومة اللبنانية عسكرياً أمنياً وحتى لوجستياً.

ـ ثانياً: «الصحوة النفطية» التي عكست بمعاييرها الحالية أحد أبرز مؤشرات الحاجة الدولية للنفط والغاز «أوروبا تحديداً»، والدافع الأول للاستثمار في دول المتوسط وغيرها لتأمين البدائل بالدرجة الأولى، وسدّ العجز الذي خَلَّفته الحرب الأوكرانية على مُجمَل المساحة الأوروبية.

انطلاقاً مما تقدَّم عكست السلبية الموجودة في تأثير الخلافات الدولية على لبنان حجم المصلحة اللبنانية في ترسيم الجغرافيا السياسية، والعمل من خلال الضوابط الاستراتيجية على فصل «خطوط التشابك والاعتراض» في كِلا المحورين «اللبناني اللبناني» من جهة و»الخارجي اللبناني» على قاعدة فصل المسارات وتحديد الأولويات بالتزامن مع إعادة صياغة الشراكة الداخلية على أسس استراتيجية واضحة وعناوين سياسية مُنتجة، ضامنة في حده الأدنى للاستمرارية السياسية، وأيضاً لانتظام العمل المؤسّساتي، وهنا يجدر التساؤل عن أبعاد المشهد الدولي «الأميركي والفرنسي تحديداً»، عن مرحلة ما بعد «التفاوض» عن قدرة القوى المعنية بالملف اللبناني على توفير الضمانة التطبيقية للنتائج السياسية والاقتصادية، وحتى الأمنية المُترتبة تباعاً على «مفاوضات الترسيم» في زمن «البحث اللبناني عن بدائل» عن «هوكشتاين سياسي» قادر على تمرير المراحل بعناوينها السياسية واستحقاقاتها الدستورية الحكومية منها والرئاسية في أقلّ تكلفة ممكنة.

«لبنان على منصات الترسيم البحري والسياسي» عنوان يتعدّى في إطاره العام حدود المصلحة اللبنانية، يدخل في صلب الحاجة الوجودية للبنان على أكثر من مستوى سياسي وصعيد عسكري أمني وحتى اقتصادي معيشي بدءاً بـ «ترسيم الملفات الدستورية» و»المساحات الحكومية» و»تحديد خطوط بعبدا الرئاسية» مروراً بمُجمَل المُفارَقات الداخلية، التي من شأنها وضع لبنان كلّ لبنان على مسار «الولادة الجديدة» التي تحتاج إلى أكثر من معجزة سياسية في هذه المرحلة، حمى الله لبنان…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.