لماذا تأخر الرئيس مرسي فى قرار التخلص من القصور والاستراحات الرئاسية؟

صحيفة الشعب المصرية ـ
بقلم: مجدى حسين:

<< لا بد من قرار لوقف استيراد الكماليات والمواد الاستهلاكية الترفيهية

<< إيرادات الحكومة أقل من إيرادات شركة كورية والحل بالمشروعات الإنتاجية لا القروض

<< دروس من السيرة النبوية ومن تجارب معاصرة لتقشف النخبة الحاكمة

<< من أهم قرارات مرسى رفع أسعار توريد المحاصيل ووقف وضع صورة الرئيس فى المصالح الحكومية

أخطر ما يواجه البلاد على الجبهة الاقتصادية هو منهج الحكومة الراهنة فى التعامل معها، فهى تتحدث بلغة الأرقام وتتصور أن الأرقام فى حد ذاتها هى لغة العلم والدقة والحسم. وأنا أهتم شخصيا وكذلك أى باحث موضوعى بالإحصاءات؛ باعتبارها مؤشرا لا غنى عنه لتقدير الأمور عموما وتقدير الأوضاع الاقتصادية خصوصا، ولكن الاكتفاء بذلك دون رؤية كلية والنظر فى الأبعاد السياسية والاجتماعية الشاملة للموقف، يمكن بل من المؤكد أن يؤدى إلى نتائج مضللة.

ومن الأخطاء التاريخية لروشتة صندوق النقد الدولى أنها تركز على مسألة معالجة العجز فى ميزانية الدولة، كمسألة منفصلة وحاسمة فيما يسمى الاصلاح الاقتصادى، وقد أدت هذه النظرة القاصرة والمغرضة إلى نتائج كارثية فى سلسلة طويلة من البلدان. وأدت إلى سلسلة من الانتفاضات اصطلح على تسميتها بانتفاضات صندوق النقد. ومن أشهرها الكارثة الكبرى التى ألمّت بالأرجنتين فى بداية القرن الحادى والعشرين والتى وصفت بأنها أسوأ كارثة تحيق بالبلاد منذ 200 عاما، والتى أدت إلى انهيار شامل للاقتصاد بسبب الالتزام بتوجيهات الصندوق فى مجال الخصخصة والانفتاح التجارى والاختفاء الكامل لدور الدولة فى الحياة الاقتصادية. والصحوتان الأسيوية والأمريكية اللاتينية حاليا ترجع للابتعاد عن نصائح الصندوق بل والعمل عكسها تماما. ولا يسمع فى العالم نصائح صندوق النقد إلا المغفلون أو العاجزون أو المنبطحون سياسيا أمام أمريكا والغرب.

ومسألة العجز فى الموازنة فى عرف الصندوق مسألة خطيرة وأساسية، بل وأولى ولا بد من حلها فورا مهما كان السبب. والحل التقليدى الجاهز هو إلغاء التزامات الدولة الاجتماعية. بإلغاء الدعم للسلع والخدمات الأساسية، وخصخصة شركات القطاع العام، وإلغاء كافة اشكال الحماية للاقتصاد الوطنى من المنافسة الأجنبية، وخفض سعر العملة. وبطبيعة الحال لا ينكر أحد أن العجز المزمن فى الموازنة قضية مزعجة ويجب التعامل معها بجدية ولكن دون فزع، لأنها مشكلة اقتصادية شائعة فى العالم بأسْره، وليست فى حد ذاتها علامة على انهيار النظام. بل الأساس أنها مظهر لمشكلة جوهرية، وليست هى أساس المشكلة بمعنى أن حل عجز الموازنة يتم بعيدا عنها بالذات!! فالعجز هو زيادة المصروفات على الإيرادات، وهذا ما يحدث فى حياة المواطن أو الأسرة الواحدة. والحل فى المدى القصير بالنسبة للفرد أو الأسرة أو الحكومة هو ضغط المصروفات ( النفقات ) والاندفاع الفورى للبحث عن وسائل زيادة الإيرادات. أما بالنسبة لخفض المصروفات فورا فالعقلاء هم الذين يخفضون فى الكماليات أو الحاجيات الأقل إلحاحا، وليس بوقف تعليم أولادهم أو بإلغاء بعض وجبات الطعام. وبالتوازى يبحثون عن عمل إضافى أو أى وسيلة أخرى لزيادة الدخل. وكذلك تفعل الحكومات الرشيدة والنظيفة : فتوقف شراء السيارات الحكومية لعام أو عامين أو أكثر توقف استيراد الجمبرى بالمليارات وأكل القطط والكلاب، وكل العجائب المستوردة المعروضة فى المولات. بدلا من ترك فاتورة الاستيراد ترتفع إلى 53 مليار دولار بينما لا أملك إلا تصدير بـ16 مليار دولار. وبعد ذلك نتحدث عن تآكل الاحتياطى النقدى.

كنت فى العامين الأخيرين من نظام المخلوع فى السجن، وقد أتاح لى ذلك متابعة وسائل الإعلام الرسمية بصورة دقيقة ما كنت لأفعلها خارج السجن. فى هذين العامين لم يكن هناك حديث للمجموعة الاقتصادية ولجنة السياسات إلا رفع الدعم عن المواد البترولية، وكانوا يلخصون مشكلة مصر الاقتصادية فى ذلك، والآن فإن المجموعة الاقتصادية للرئيس مرسى تكرر نفس الأغنية السخيفة. ومعظمهم جاء من الصف الثانى من الجهاز الحكومى. مع أن رفع الدعم عن الشركات كثيفة الاستخدام للطاقة سيوفر أكثر من ثلث المبلغ المدفوع فى الدعم، لكن لا النظام السابق ولا الحالى تجرأ على هذه الخطوة. والواقع أن مشكلة مصر ليس فى أن الدعم يصل إلى 90 أو 100 مليار جنيه. ولكن المشكلة الأصلية أن الدخل القومى لمصر حوالى 200 مليار دولار فقط، وأن إيرادات الحكومة 60 مليار دولار فقط، وهو أقل من إيرادات شركة واحدة فى كوريا الجنوبية. القضية أن مصر خرجت من عجلة الإنتاج، والمهمة التاريخية لحكم مرسى أن يعيد مصر إلى هذا الميدان. يقول المحيطون بمرسى إن القروض والمنح هى عملية نقل دم لحين إجراء جراحة للاقتصاد المصرى. وهؤلاء يكررون بالحرف ما كان يقوله رشيد وغير رشيد. إن الوقت الذى ننتظره حتى تصل إلينا الدفعات الأولى من القروض والمنح، هو نفس الوقت الكافى للانطلاق بالاقتصاد بالفعل، مع ملاحظة أنها تستهدف تغطية بعض الحاجات المدرجة بالفعل فى الميزانية، ولا تغطى احتياجات التطوير والبناء وتلبية المطالب الفئوية التى لا تنتهى. وبالتالى فأنت لست أمام حل، ولكن أمام ورطة بل أمام بئر ماله من قرار. والحل ليس فى لعبة الأرقام. وكثيرا ما يسأل أصدقاء على “فيس بوك” ما هو الحل البديل. وهناك حلول عملية كثيرة أشرنا إلى بعضها آنفا، كالتحكم فى الواردات غير الضرورية، وقد كان هذا سلاحا بالغ الأهمية فى كل التجارب التنموية الناجحة. وتوفير النفقات غير الضرورية وما أكثرها. مثلا نفقات تشغيل السيارات الحكومية تصل إلى مليار جنيه. وفى الصين وهى الدولة العظمى الثانية فى العالم صدر فيها منذ عدة سنوات قرار بوقف استخدام 50% من السيارات الحكومية، لتوفير الوقود، وتخفيض استخدام الكهرباء فى المصالح الحكومية: تقليل استخدام التكييف والمصاعد والمصابيح!!

الأساليب الجادة للتقشف وضغط المصروفات لا حدود لها، والهدف دائما هو تحقيق التوازن بين المصروف والإيراد، فنحن لا ننكر أنها مشكلة ولكننا نختلف فى أسلوب الحل، ونرفض الحل الذى تضيع معه كرامتنا واستقلالنا. فهذا هو حل المخلوع على مدار 30 عاما ولقد اختبرناه ودفعنا ثمنه ولا نحتاج إلى أى تجارب أخرى. ويقول وزير مالية تشيلى على سبيل المثال وبمنتهى الوضوح: نحن لا ننفق فى الموازنة إلا فى حدود ما تجمع لدينا من إيرادات. وهذا ما يفعله الإنسان العاقل حتى لا يسقط فى دوامة الاستدانة. ولكن الإنسان العاقل ينشغل أيضا وهو يضغط المصروفات فى كيفية زيادة موارده عبر العمل المنتج وليس بالاستدانة. وفى الحالتين نحن نحتاج إلى قدوة، وإلى قيادة ملهمة تشحذ الهمم، وتعبئ القوى، وتضرب المثل، وتشعل العقول والقلوب بالأمل، ثم تضرب أمثلة جزئية لتأكيد مصداقية ما تطرح، ولتزيد الجماهير ثقة فى إمكانية النهوض. ونحن فى مصر بالذات خارجون من تجربة مريرة؛ حكام كذبة فاسدون ظلوا يخدعوا الشعب عقودا من السنين، تركوا البلاد حطاما بكل المعانى الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، والقيم التى ازدهرت خلال ثورة 25 يناير توشك أن تتبخر لأنها لم تتحول إلى معركة البناء والتنمية. وهذه جريمة الحكم الانتقالى السابق. ولكن حكم مرسى يحل المشكلة بطريقة تدبير الموارد من الخارج بالسلف والدين والمهانة (راجع مقال الأستاذ فهمى هويدى) وهكذا يوشك أن يطفئ كل المعانى المتبقية من الثورة: إنكار الذات – التضحية – الاعتزاز بالوطن –الاستقلال – الاستعداد للبذل والعطاء بلا حدود من أجل البلد – الشعور بأننا جميعا يد واحدة، ويمكن بذلك أن نحقق المعجزات وأن نعلم العالم لا أن نتسول منه.

وفى معركة التقشف والبناء نحتاج إلى عدة أشياء: إدراك أننا أمام حرب حقيقية تحتاج لتجييش طاقات الأمة وقد أشرت لذلك من قبل، وأن الانتصار فى هذه الحرب يبدأ بالمعاناة ويحتاج إلى صبر ولا يمكن حل مشكلات الناس الفئوية فى إطار نفس الاقتصاد المتهاوى. ولا بد من وقف أى زيادات فى المرتبات لمدة عام واحد على الأقل، وأن الاستجابة لفئة واحدة يعنى الاستجابة لكل الفئات. ومنشور فى الصحف أن الحكومة تستدين 150 مليون دولار كل يوم منذ مجىء حكم مرسى، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر. وهناك احتمال سىء آخر هو طبع البنكنوت، وقد يكون يحدث سرا دون إعلان، بل هذا لا يحدث إلا سرا فى البلدان المضطرة إلى ذلك، وهو أمر خطير ويؤدى إلى انفجار فى الأسعار. ولكن المدخل لكل ذلك هو القدوة. إن شعار ربط الأحزمة على البطون سىء السمعة لأنه ارتبط بحكام بطونهم اتسعت من كثرة أكل مال الشعب. والمسلمون فى المدينة تحملوا شظف العيش لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان فى مقدمة المتقشفين، والمحيطون به من آل البيت والصحابة كانوا أكثر تقشفا من غيرهم. ولا تزال تحدونا آمال كبار فى الرئيس مرسى، رغم أننا نشعر أنها بدأت تتهدد، ولكننا لن نيأس بسهولة إن شاء الله. كان الرئيس مرسى موفقا فى معظم قراراته وتصريحاته، وما زلت أعتقد أنه يتمتع بفطرة دينية ووطنية سليمة، وأن بإمكانه من واقع عظم مسئوليته الآن أمام الله أن يدرك أخطاء بعض أفكار وتوجهات الإخوان. ولا ندعوه تلك الدعوة الساذجة بالبعد عن الإخوان، ولكن ندعوه لتقدير حرج موقفه كممثل لقوى الثورة والحركة الإسلامية، وكأول حاكم منتخب فى تاريخ البلاد، وأن البلاد لا تحتمل فشلا جديدا. المواقف الرمزية ذات المغزى لها أهمية كبيرة لا تقل بل تزيد عن القرارات الاقتصادية.

من أبرز القرارات الاقتصادية التى أصدرها هى رفع أسعار توريد المحاصيل للفلاح، ففى هذا القرار ليس إنصافا للفلاح فحسب، بل دفعا لانتعاش الزراعة من جديد، وتوجيهها نحو المحاصيل الإستراتيجية. وأهم قرار معنوى رمزى اتخذه مرسى هو منع وضع صورته فى المصالح الحكومية، لإنهاء فكرة قداسة وسرمدية وصنمية رئيس الجمهورية !! ولكننى فوجئت بتأخر الرئيس حتى الآن فى إصدار قرار بالتخلى عن القصور والاستراحات الرئاسية. وأقول تأخر رغم أنه لم يتعهد بذلك، لأننى كنت أتوقع منه ذلك. هذه القرارات الرمزية يكون لها آثار كبيرة فى نفوس الشعب، تنعكس بعد ذلك فى نتائج مادية أكبر بكثير من ثمن هذه القصور والاستراحات. ولهذا الموضوع أهمية خاصة لأن نظام المخلوع تحول إلى نظام ملكى يهتم بالقصور والمنتجعات، وكان من ممارساته الاستفزازية، لذلك لا بد من إعادة هذه الأموال للشعب. فقد كانت هذه القصور قد تحولت لتكية لأسرة مبارك وكان من المفترض أن يرثها الابن مع منصب الرئاسة. وهذه القصور والاستراحات الرئاسية تقدر بمئات الملايين أو أكثر، وليس لدينا حصر بها ولكننا نعرف القصور الرئاسية والاستراحات فى القاهرة والإسكندرية وبرج العرب وشرم الشيخ والقناطر الخيرية ومرسى مطروح ورأس الحكمة (نشر أن هناك 45 قصرا و18 استراحة). وهذه يمكن التصرف فيها على عدة أوجه: الاحتفاظ ببعضها لاستخدام الضيوف الرسميين – إبقاء بعضها كمتاحف أثرية – بيع بعضها أو تحويلها لمشروعات سياحية. والاحتفاظ باستراحة واحدة لاستخدام رئيس الجمهورية، بالإضافة لقصر الاتحادية. وفيما عدا ذلك تكون القصور الرئاسية المحتفظ بها للاستخدام العام. وكنت أتصور أن يسارع الرئيس مرسى لذلك، خاصة بعد ما نشر من شائعات أو حقائق لا أدرى عن استخدامات أسرية لبعض هذه القصور.

لا أعرف الكثير عن رئيس أورجواى، ولكن لفت انتباهى ما نشر عنه:

رئيسِ الأورغواى خُوسى موخيكا الذى يَبلغ مِن العُمر 76 سنة تصفه صحافة بلده بالرئيس الأكثر فقرًا فى العالم! خاصة بعد أن تبرع بـ90% مِن راتبه الشهرى (وهو 12 ألف دولار) لمساعدة الفقرآء.

عرض “موخيكا”على المصالح الاجتماعية فى حكومته استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسى المعروف باسم “كاسا سواريث إى رييس” فى العاصمة “مونتفديو” لتوفير المأوى للمشردين فى حالة عدم كفاية المراكز الموجودة فى العاصمة. والصورة له وهو يركب سيارته القديمة الصغيرة ويقودها بنفسه.

هذا هو النموذج الذى نحتاجه فى مصر، وأحسب أن الرئيس مرسى مؤهل له بغض النظر عن التفاصيل. فلا يمكن أن تطالب الناس بالصبر دون أن تبدأ بنفسك، وطبعا هذا ينطبق على المحيطين بالرئيس وحزب الرئيس والوزراء..إلخ.

يتصور كثير من الناس أن سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا تتضمن قوانين هادية لنا فى حياتنا السياسية والاجتماعية، ويتجه الاهتمام الأكبر بالاقتداء بالرسول فى السلوك الشخصى أو فى الأمور التعبدية. وقد ذكرت فى دراسة سنن التغيير فى السيرة النبوية:

يقول الله عز وجل: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” (الأحزاب: 21). وعلى رغم حب المسلمين لسيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام- إلا أن معظمهم لا يقتدون به فى أهم مجالين، على رغم الاهتمام بالاقتداء به فى أداء الشعائر، وبعض الأخلاقيات، والزى، والسواك، والخاتم الفضى، واللحية، أما أهم مجالين فهما:

1- التقشف فى حياته الشخصية.

2- الجهاد باللسان فى المرحلة المكية.

يتصور كثير من الناس أن تقشف الرسول- عليه الصلاة والسلام- فى حياته الشخصية كان مسألة تخص نبوته، أى سموه من حيث هو نبى، وهى أمور فوق استطاعتنا. ومن الواضح أن ذلك غير صحيح. ففيما عدا الوحى علينا أن نقتدى بالرسول قدر الطاقة. والتقشف نسبى ويتغير من حيث الزمان والمكان.

سيرة الرسول فى المدينة مهمة جدا من زاوية أننا أمام قدوة الحاكم، والحاكم يتعرض لأعباء أشد من أعباء المواطن العادى. لا ينتبه كثيرون إلى أن حياة الرسول كانت أكثر سعة وراحة وهو مضطهد فى مكة!! فى بيت السيدة خديجة وهو متسع وله فناء داخلى ودور علوى. أما عندما أصبح حاكما فى المدينة وكان باستطاعته أن يكون له بيت مماثل، عاش فى تلك الحجرات التى كان يمكنك أن تلمس سقفها وأنت واقف، وبها من الأثاث ما هو شديد التواضع، ومساحاتها تتراوح حول 3× 5 متر. إذن تقشف الحاكم مسألة مطلوبة، وربما يتشدد على نفسه أكثر من المتوسط العام لأحوال الناس. وهذا ينطبق على الفئة الحاكمة عموما. وهذا الحاكم إذا استعرض بالناس البحر لعبروه معه. كما قلت من قبل إن مرسى يتعين عليه أن يخرج للناس معلنا الحرب على الفساد والتخلف والفقر، معلنا خطته الأولى للسنوات الأربع التى لا بد من إقرارها فى هيئة منظمة ودائمة للخطة. وأن يؤكد للناس ضرورة المشاركة بحماس فى هذه الخطة وأن يدعوهم إلى الصبر ويسوى بين الناس، وليلحظ أن زيادة مرتبات أساتذة الجامعات ستثير حفيظة الإداريين، وزيادة الأطباء ستزيد حفيظة الإداريين وهيئة التمريض، وإن الدخول فى هذا الباب لن يكون له نهاية. لا بد من الصبر وأن تكون الخطة واضحة للجميع، وأن يشرع فى بناء وادى السيلكون فى أنسب الأماكن لذلك، وأن تركز خطته على التصنيع. أما الآن فإننا نقرأ عن مشروعات متناثرة تفضل الأجانب علينا بها، وهذه ليست خطة التنمية، ولن نتقدم خطوة إلى الأمام بهذا الأسلوب. لا بد من بداية بناء المجتمعات العمرانية الجديدة وأن تقام المعسكرات لشباب يعانى الآن من البطالة للإقامة فى هذه المعسكرات، وبناء هذه المدن: فى عمق سيناء، فى البحر الحمر، فى توسع للمنطقة الصناعية فى طريق السويس، فى الصحراء الغربية ( الاستفادة من أفكار د. خالد عودة )، لابد من الشروع فورا فى تحديد أماكن هذه المدن، والشروع فى بنائها، وأن تعتمد على الصناعة لأن المياه المتوفرة لدينا قليلة ولها سقف. ويجب أن تكون مواقع هذه المدن بعيدة بما يكفى عن الوادى حتى لا تتحول إلى مجرد امتداد بسيط له. ستقول لقد مرت 3 شهور فحسب، وأقول هذه مدة طويلة جدا فى هذا المعترك الذى نحن فيه، وكانت كافية لتحديد أماكن هذه المدن أو وادى السيلكون. ولا بد للإعلام المشغول بالهجوم على الإخوان أو للدفاع عن الإخوان أن يعطى مساحات أكبر لهذه المعركة الحضارية. ولكن لا بد لهذه المعارك أن تبدأ أولا. ولكن لا توجد روح لأى معركة ولا لمواجهة أى تحدٍّ، فالرئيس مستمر فى جمع المساعدات، وتقول مواقع الإخوان إن الرئيس وعد بتمويل من 200 مليار وإنه على وشك استكماله !! ونحن لا نريد هذا النوع من التمويل بالسلف. بناء المدن سيأخذ وقتا ولكن عملية بنائها توفر فرص للعمل وتشغيل الشركات. وهناك مصانع يحتاج بناؤها 6 شهور وأخرى تحتاج عاما وأخرى عاما ونصف العام وهكذا، المهم أن ترى الناس أن العجلة قد دارت. وإذا قرأت تجارب التنمية الناجحة عبر الأرقام وحدها فإنك لن تعرف كيف تحققت هذه الأرقام!! فمعركة الصين ضد التخلف لم تكن بالخطط الحاذقة وحدها بل باستثارة همة الجماهير من أجل إعلاء مكانة الصين بين الأمم، ورفع شعارات من قبيل (ضرورة التفوق على إنجلترا فى خمسة عشر عاما) حتى مع الصعود والهبوط فى الإنجاز، ومراحل التجربة والخطأ. فإن الصين انتصرت فى النهاية على نفسها، وأصبحت الأولى فى العالم فى عدة مؤشرات اقتصادية خلال 30 سنة، ولكن الشعب كان يرى ويسهم فى التقدم عاما بعد عام، ومجرد أن تتقدم خطوة فإن هذا يلهب الحماس للخطوة التالية. ونعنى الخطوة التى تعتمد فيها على ذاتك وبإمكانياتك. نحن لن نتقدم إلا باستئصال الهزيمة من داخل نفوسنا، فكثيرون لا يزالون يوقنون أن الغربى (وانضم إليه الأسيوى) سيأتى ليحل مشكلاتنا. والحاكم القائد لا بد أن ينهى هذه الأسطورة الكاذبة. وحتى عندما نرى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمى نلجأ إلى الأمريكى الهوى صديق إسرائيل لأنه من أصل مصرى، ليمارس علينا منذ سنوات استعراضا إعلاميا، ولو كان مخلصا للبلد لقدم شيئا لنا أكثر فائدة من ظهوره التلفزيونى، وتمخض الجبل عن محاولة للاستيلاء على جامعة قائمة بالفعل (راجع المنشور عن زويل فى مكان آخر). ويبدو أن أهل الحكم يشجعون زويل، وهذا إرضاء لأمريكا التى يعمل عندها زويل مستشارا للبيت الأبيض أكثر منه إرضاء لطموحاتنا فى البحث العلمى. وإذا لم يكن الدكتور مرسى يعلم من هم العلماء المصريون المخلصون فليسأل. ولكن ليلحظ أن الاهتمام بزويل أكثر من اللازم يندرج تحت اتباع خطوات ما كان يجرى فى العهد البائد، من الأعمال غير الجادة التى تصرف الأمة عن أهدافها الحقيقية.

سنظل نكتب ونكرر: إن معركتك يا دكتور مرسى ومعركة مصر هى معركة الاستقلال والتنمية المستقلة، ومن هذه الجبهة يأتى الخطر الأكبر على مصر وعليك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.