ما بين ’المنار’ و’الميادين’

 

موقع العهد الاخباري ـ
شارل أبي نادر – عميد متقاعد:

عندما كانت توقّع المملكة العربية السعودية على عقود شراء المدرعات الاغلى ثمنا والاكثر تطورا في العالم والتي تتمتع بمميزات خارقة ومنها دبابات ” ابرامز ام 1 ” و”برادلي”، وحيث كانت تدفع اسعارا خيالية ثمن هذه الدبابات مقابل تزويدها بكامل المواصفات الفنية والتكتيكية والتقنية والتي هي في متناول سلاح المدرعات في الجيش الاميركي فقط، ومنها انظمة الرؤية الليلية الفعالة والمنظومة الالكترونية المتطورة في الرماية وفي تحديد الاهداف وفي التدريع الاعلى والانسب لحماية الطواقم بداخلها، لم تكن تعلم ان هذه القدرات المميزة لن تفيد بشيء اذا لم تكن لدى طاقم هذه الدبابات عقيدة عسكرية او إرادة بالقتال وان هذا الطاقم سوف يعمد الى الفرار تاركا هذه الدبابة في ارضها بعد ان يشاهد الغبار الناتج عن بضع طلقات نارية من رشاش كلاشينكوف صنع عام 1970 بالقرب من حصنه المتحرك .
طبعا، لم تترك هذه القيادة لنفسها فرصة السؤال لماذا اقدم هؤلاء الجنود على الفرار تاركين وراءهم احدث المدرعات واكثرها امانا واكثر المواقع العسكرية تحصينا وتجهيزا، كما لم تحاول ان تحلل المغزى او العبرة في نجاح عناصر تابعة للجيش وللقبائل اليمنية ولانصار الله في السيطرة على هذه المواقع المنتشرة على سفوح الجبال الاصعب على الحدود الجنوبية للمملكة، وذلك بالرغم من التجهيزات المتواضعة في سلاحهم وفي عتادهم وحيث نفذوا غارات عنيفة وحساسة بعد ان قطعوا مسافات شاسعة للوصول الى هذه المواقع سيرا وتسللا، ولم تفطن او تستدرك ان سبب فقدان ارادة القتال لدى جنودها وضباطها هو عدم ايمانهم بهذه الحرب العبثية وعدم اقتناعهم بالجدوى من متابعتها ومن التأسيس لعلاقة عداء وحقد وكراهية الى الابد مع الشعب اليمني الذي لم يرتكب اية جريمة او خطيئة تجاه شعب المملكة الا في دفاعه المستميت عن ارضه وعن دينه وعن كرامته .

المنار والميادين

لم تكترث هذه القيادات لتلك الواقعة التي حصلت على الحدود ولا لتداولها عبر وسائل الاعلام او من خلال عرض بعض الافلام على وسائل التواصل الاجتماعي عنها وعن غيرها مما حصل في اكثر من موقع حدودي والتي كان قد صورها الاعلام الحربي التابع لوحدات انصار الله في مركز الرديف السعودي التابع لمحافظة جيزان، كما انها لم تكن تبالي لدرجة تدفعها لاتخاذ إجراء معين لناحية قيام قلة قليلة من وسائل الاعلام العالمية والعربية والمتحررة من عبودية البترودولار السعودي ومنها قناتا المنار والميادين الفضائيتان بالتصويب على الجرائم الانسانية التي كانت ترتكبها بشكل يومي وممنهج بحق الشعب اليمني بواسطة طائرات التحالف الذي تقوده، كما ان نشر هذه الفضائيات لتقارير المنظمات الانسانية الدولية الرسمية وغير الرسمية حول هذه الارتكابات الفظيعة ولاستعمالها اسلحة محرّمة دوليا لم يكن ذا قيمة او تأثير بالنسبة لها خصوصا وان الرأي العام السعودي مخدّر كالعادة وحبوب الكبتاغون المنتشرة بالملايين في مجتمعاتها الخمولة تمنع مواطنيها من التركيز عما يجري داخل او خارج حدود المملكة .

من جهة اخرى، ومن خلال عملهما ورسالتهما، كانت فضائيتا المنار والميادين تؤمنان، بالاضافة لتغطيتهما الحروب المدمرة حيث بصمات المملكة واضحة في اليمن والعراق وسوريا، وللحوادث الارهابية الدامية في مصر وتونس وليبيا وغيرها، مواكبة حثيثة ودقيقة ومركّزة للانتفاضة البطلة التي كانت تنمو وتكبر وتقوى في فلسطين المحتلة وتؤسس لنقطة تحوّل استراتيجية وتاريخية في صراع الامة كاملة مع العدو الاسرائيلي، وكان لهذه المواكبة الاعلامية من قناتي المنار والميادين تأثير فاعل في تحريك الدم الفلسطيني داخل الاراضي المحتلة وفي توجيه نظر العرب الى القضية الام، حيث بدأت بوصلة التضامن والتكاتف العربي تأخذ اتجاها صحيحا وبدأت كرة الثلج تتدحرج يدفعها إعلام تلك الفضائيتين الصادق والملتزم باتجاه اصبح يشكل تأثيرا صاعقا على الداخل في مجتمع العدو، وبدت اسرائيل عاجزة عن مواجهته وعن ضبط تداعياته.

حينها، اخرجت المملكة من كمها ارنبا سخيفا وحقيرا اسمته الالتزام بشروط عقود البث الفضائي مع شركة عرب سات التي تملك غالبية اسهمها، واوعزت للاخيرة باخراج المنار والميادين عن اقمارها الفضائية متذرعة بتطاول احد ضيوف قناة المنار السياسيين على ملكها بعبارات فيها من الانتقاد الجريء اكثر ما فيها من التصويب غير اللائق ، وذلك في مقابلة تعود لاكثر من سبعة اشهر، ومتذرعة ايضا بتناول احد ضيوف الميادين الايرانيين لحادثة التدافع المؤلمة في منى بعبارات فيها انتقاد للاجهزة الامنية وللسلطات السعودية حول تقصير ما في هذه الحادثة المفجعة .

وهكذا ، فان هذا العذر الذي بدا صغيرا وباهتا ولم يكن الا غطاءً حقيراً لإبعاد التأثير الواسع والاستراتيجي لمواكبة وتغطية المنار والميادين لانتفاضة ابطال فلسطين المحتلة بوجه العدو الذي ظهر وكأن له شريكا عربيا فاعلا يحميه ويساعده ويقف في جانبه في اوقات شدته وفي ظروفه الصعبة، لن يؤثر في مسيرة المنار والميادين الاعلامية المقاومة اللتين تجاوزتا هذا الموضوع تقنيا وفنيا وستعوضان خروجهما عن فضاء عرب سات المحدود والمقيّد بمجموعة من الاسهم السوداء، وذلك بدخولهما الى فضاء آخر اوسع حرية وانفتاحا، وسوف يكون لهذا الموضوع تداعيات مؤثرة على ارتباط اغلب الفضائيات العربية بشركة عرب سات التي بدت صغيرة بمهنيتها وباحترامها لرسالة الاعلام وحريته، وستبقى المملكة تتخبط في محاولاتها الفاشلة لابعاد اعلان هزيمتها في كافة الميادين التي دخلت فيها ظلما وتعسفا .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.