مخاطر الإرهاب الإقتصادي الأميركي ضد لبنان ووجوب المواجهة؟

صحيفة الوفاق الإيرانية-

العميد أمين حطيط:

بعد ان تيقنت اميركا مع ما تجره من اذيال إقليمية ودولية تسميهم حلفاء او شركاء لها، طبعا شركاء في العدوان والتآمر على الشعوب، بعد ان تيقنت من فشل عدوانها على سورية وتالياً على محور المقاومة ومع ارساء معالم هزيمتها الاستراتيجية المدوية في أفغانستان باتت تركز على الحرب الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي.

والذي تعول عليه ليعوض فشلها في ميادين المواجهة النارية والعملانية وكان لبنان مستهدفا مع سورية بهذه الحرب الوحشية التي طالت المواطن اللبناني في اهم حاجاته الحياتية كالدواء والغذاء والطاقة على أنواعها.

اعتقدت اميركا ان هذه الوحشية التي تمارسها خنقا وحصارا ضد لبنان ومع وجود عملاء لها فيه خانوا بلادهم وخانوا شعبهم وانصاعوا لها في تحقيق ما تريد ارتكابه من جرائم بحق لبنان والمواطن اللبناني، اعتقدت اميركا انها ستثير الشعب على المقاومة وتجعل الأخيرة تنكفئ عن مشروعها الاستراتيجي للتحرر الوطني والقومي والإقليمي وتستسلم لها تحت ضغط المعاناة الشعبية وتقدم راسها منصاعة وتتنازل عن مكتسباتها التي حققتها خلال العقدين الماضيين.

اعتقدت اميركا ان حرمان الطفل في لبنان من الحليب وحرمان المريض من الدواء وحرمان المودع المصرفي من أمواله، وحرمان المواطن من الكهرباء والماء والبنزين والمازوت والغاز المنزلي، هذا الحرمان الموجع والمتعدد العناوين والاشكال سيتسبب كما ظنت بكسر إرادة لبنان ومقاومته وحمله على التراجع عن حماية الوطن والدفاع عن حقوقه والسكوت عن احتمال استجابة هذا او ذاك من المسؤولين في لبنان للإملاءات الأميركية والقبول برسم حدود برية جديدة مع فلسطين المحتلة طالما روج لها لتعطي إسرائيل اكثر من ٢٠ مليون متر مربع من الأرض اللبنانية والقبول بترسيم حدود بحرية تعطي إسرائيل اكثر من ١٤٥٠ كلم٢ من المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للبنان دون ان ننسى السعي الاميركي الإسرائيلي الدائم لتوطين الفلسطينيين في لبنان .

لقد منعت اميركا وبكل صلافة وفجور ووقاحة، منعت الاستثمار الأجنبي في لبنان خاصة الصيني والروسي والايراني وتسببت عبر عملائها في القطاع المصرفي في انهيار هذا القطاع ما جعل الاموال بعيدة عن متناول يد أصحابها، وقادت لبنان الى الفراغ السياسي والانهيار النقدي والاقتصادي ووضعت لبنان على شفير المجاعة ما حمل الكثير من أبنائه على السفر الى الخارج هربا من الجحيم المخطط أميركيا والمنفذ بأيدٍ لبنانية، وقد يكون افراغ لبنان من شبابه هو أيضاً هدفا من اهداف السياسة العدوانية الأميركية أيضاً.

لقد تسبب الحصار الاميركي والاحتكار والوكالات الحصرية والجشع لدى التجار وممارسة النهب والفساد المليشوي في تداول المحروقات والدواء وبعض حاجات صناعة الرغيف، تسبب في نشوء ظاهرة التجارة غير المشروعة وقيام السوق السوداء ووضع البلاد على عتبة مرعبة من التوتر والصدام داخل المجتمع والأخطر من ذلك خلق نوعا من انغلاق المناطق على نفسها ممهدا لما يمكن تسميته “الاقتصاد الذاتي” على صعيد المناطق وبعض شرائح الطوائف والأخطر من ذلك ما يمكن وصفه بانه مقدمات لـ “فيدرالية اقتصادية” تفرض بالأمر الواقع وقد يتخذها البعض مدخلا لفيدرالية سياسية راج الحديث عنها او الدفع اليها خلال الأعوام القريبة الفائتة .

لقد وضعت السياسة الاميركية المخططة للبنان والمعتمدة في تنفيذها على لبنانيين، وضعت لبنان امام تحديات خطيرة لا تقتصر على الشأن المعيشي بل تتعداه للأسف الى الشأن الوجودي الكياني من خلال الدفع الى الهجرة وتفكك المجتمع وضمور العلاقات الاجتماعية والحد من الزواج والتسبب بانهيارات متعددة في مؤسسة الزواج ذاتها، بعد ان تعطلت عجلة الإنتاج الاقتصادي وتراجع الدخل الفردي والعام وانخفضت القيمة الشرائية للرواتب والأجور ورغم ذلك تستمر اميركا في سياستها في الإرهاب الاقتصادي وحماية عملائها من جلادي الشعب وارباب النهب والفساد في أروقة السياسة والاقتصاد والمال والمجتمع مع رواج بدعة ال N.G.O أي المنظمات غير الحكومة التي انتشرت بشكل عجائبي بإرادة أميركية واضحة رمت الى جعلها بديلا عن دولة قيد التفكك و الانهيار .

ورغم ما تقدم من سوداوية المشهد اللبناني وحراجته وصعوبته وخبث اميركا ولؤمها ولا إنسانيتها في صنعه وسفالة ودناءة واجرام لبنانيين ساعدوها في عدوانها وإرهابها فإننا لا نرى العلاج والدفاع امراً ميؤوساً منه او ان العدوان بات في وضع مقطوع بنجاحه. بل أقول رغم كل ذلك فان منظومة العدوان والإرهاب الاقتصادي بوجهيها الداخلي والخارجي، على قدر من الوهن تنبئ فيه بان مواجهة جادة مدروسة تمكن من اسقاط العدوان وتمنعه من تحقيق أهدافه ونقدم دليلا على ذلك ما قامت به المقاومة في موضوع استيراد النفط من إيران حيث تصرفت على أساس ان الإرادة الاميركية ليست قدرا لا يرد او من قبيل الامور التي لا تواجه.

فالمقاومة التي خبرتها اميركا وإسرائيل في الميدان، كان لها في النفط جواب وموقف يسفه غرور اميركا ويفضح سوء التقدير لديها ويكشف جهلها بطبيعة المقاومة ونهجها ومنهجها ومبناها العقائدي والتنظيمي ويرسل لها الرسائل الواضحة والقاطعة بان من هزم العدوان الأجنبي في الميدان لن يستسلم له تحت أي ضغط اقتصادي مهما كان نوعه ومهما كان أثره. فللمقاومة أساليبها التي تمكنها ان تتفلت من مكائد العدو مهما تنوعت واشتدت.

وفي هذا السياق أي الرد على الحصار الاميركي للبنان وإيران وسورية اختارت المقاومة ان تنفذ عملية اقتصادية مثلثة الاضلاع تشارك فيها الاطراف الثلاثة المستهدفة بالإرهاب الاقتصادي الاميركي (إيران، لبنان، سورية) فجهزت سفينة شحن نفط، اعتبرتها المقاومة ارضاً لبنانية لنقل نفط إيراني الى ميناء سوري لسد حاجة مستهلك لبناني، فكانت عملية تجارية منظمة أحسن اختيار موضوعها وأسلوب تنفيذها ووسائل حمايتها.

لقد اربكت المقاومة بقرارها اميركا وإسرائيل و جعلتهما تتيقنا ان المقاومة تعرف كيف تحول التحدي الى فرصة و كيف تنجح باستثمارها ما جعل اميركا تبدي استعدادا للتراجع عن بعض سلوكيات الحصار فكان موقف سفيرتها في بيروت المعلن لتسهيلات أميركية للبنان لتمكينه من استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر وكله عبر سورية، ثم كان موقف السناتور الاميركي مورفي المتحدث باسم وفد الكونغرس الى لبنان والذي رغم ظاهره فإنه يستشف منه تراجعا أيضاً عبر قوله: ان “واشنطن تبحث عن سبيل لتزويد لبنان بالمحروقات من دون عقوبات”، لأن ما تقوم به المقاومة من استيراد من ايران هو على حد زعمه خاضع للعقوبات لأن “أي وقود يجري نقله عبر سوريا خاضع للعقوبات”.

فاذا كان قرار واحد بالمواجهة جعل اميركا تتراجع امام المقاومة وتفك الحصار ولو جزئيا، رغم انها رفضت في السابق طلبات لبنان ذات الصلة وعلى مدار سنتين متتاليتين واليوم جاء قرار المقاومة فأجبرها على اظهار الاستعداد لفك جزئي للحصار لأن المقاومة وضعتها امام خيارين: ” فكوا الحصار بأيديكم او نكسر الحصار بأقدامنا” اما التهديد والتهويل فإنه لن يلقى عند المقاومة اذنا تهتم ولن تكون مفاعيله الا مزيدا من الجهوزية للمواجهة التي نعلم ان اميركا المنكفئة وإسرائيل المتخبطة لن تبادرا إليها وإن فعلتا فإنهما ستندمان.

وعليه نقول: ان على لبنان ان يتخذ من قرار المقاومة استيراد النفط من ايران وعبر سورية نموذجا يحتذى للتعامل مع اميركا ومواجهة حصارها وإملاءاتها، وعلى المسؤولين في الدولة ان يعلموا ان المقاومة التي انطلقت لتحرير الأرض بعد ان عجزت الدولة عنه، ستكون جاهزة لسد أي عجز او تلكؤ وعلى طريقتها ووفقا لأساليبها لمواجهة الحصار والإرهاب الاقتصادي الاميركي حتى تحمي لبنان وشعبه، اما القول بأن “اميركا ستستمر بالحصار حتى الاستسلام او الإندثار” فإنه قول فيه من الخنوع والتشاؤم ما لا يتوافق مع نهج المقاومة التي ترى ان اميركا ستتراجع عن الحصار وسيبقى لبنان كما تريده المقاومة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.