مستقبل السياسة العالمية والطاقة النظيفة

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

يعتبر التحول إلى أنظمة الطاقة النظيفة مع تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، أحد أكبر التحديات الإنمائية في عصرنا هذا.
وقد يمثل الطريق الأكثر أمانا في المستقبل تاريخياً خلال معظم القرن الماضي، كانت القوة الجيوسياسية مرتبطة بالوقود الأحفوري.
كان الخوف من الحظر النفطي أو نقص الغاز كافياً لتشكيل تحالفات أو بدء حروب.
في عالم التحول إلى الطاقة النظيفة، ستظهر مجموعة جديدة من الرابحين والخاسرين، وقد يؤدي هذا السباق نحو الطاقة النظيفة إلى إعادة تشكيل السياسة العالمية.
وسيؤدي ذلك التحول مستقبلاً لتغيير في مراكز القوى السياسية العالمية بتراجع دور النفط والغاز والفحم الحجري.
إن الضرورة الملحة تدعو صانعي السياسات، وقادة العالم، والمؤسسات المالية، إلى النظر في الآثار الواعدة لهذا التحول خاصة مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 26» في جلاسكو ببريطانيا ويعتبر بعض المراقبين نتائج قمة المناخ الضبابية تقاعساً خطيراً لقادة العالم عن اتّخاذ خطوات ملموسة للحد من تغيّر المناخ.
لقد ناشدت مديرة «صندوق النقد الدولي» كريستالينا جورجيا، قادة العالم المشاركين في القمة، بمعالجة الفجوة بين الطموحات والسياسات، وخفض الانبعاثات الكربونية «من باب العدالة والمسؤولية التاريخية».
يقول الرئيس السابق لآيسلندا ورئيس «اللجنة العالمية للجغرافيا السياسية لتحويل الطاقة» أولافور راجنار جريمسون، إن التحول إلى الطاقة النظيفة سيولد نوعاً جديداً من السياسة، وإن التحول يحدث «بشكل أسرع وأكثر شمولاً… في الوقت الذي يخرج فيه الوقود الأحفوري تدريجياً من نظام الطاقة فإن النموذج الجيوسياسي القديم لمراكز القوة التي تهيمن على العلاقات بين الدول سيصبح بائداً».
إن الحاجة إلى تحول عادل للجميع تجاه اقتصاد منخفض أخضر هي حاجة ملحة وحاسمة، لكن ذلك ليس بالأمر الهين.
عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة شهدت مؤخراً انتشاراً أوسع وأشمل لمصادرها، ما أدى إلى انخفاض تكاليفها بدرجة أكبر وتلعب قضية التغير المناخي دوراً جوهرياً في تحديد مصادر الطاقة لاسيما مع التقدم التكنولوجي الذي أثمر عن انخفاض تكاليف الطاقة البديلة النظيفة، الطاقة المتجددة تكتسب أهمية كبيرة كونها خياراً مستقبلياً للطاقة المستدامة ومع استمرار تقدم التكنولوجيا سوف تصبح الطاقات المتجددة أكثر كفاءة ومتاحة ومستدامة بتكاليف أقل.
كشفت جائحة فيروس كورونا عن ملامح مستقبل مصادر الطاقة في العالم، والتي أظهرت تنامي الطلب على الطاقة المتجددة وأهم مصادرها الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة البحرية الناتجة عن الأمواج والمد والجزر أو الطاقة الحرارية للمحيطات، والطاقة الشمسية الحرارية، والطاقة النووية، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة شتاتنت Statnett، شركة الكهرباء الحكومية آوكه لونت: «نظامنا العالمي قائم على النفط، وهذا يتغير الآن، وسيكون لدينا نظام عالمي يكون فيه الإلكترون أكثر أهمية من الكربون».
أدت جائحة كورونا إلى التعجيل بهذا الاتجاه.
في العام الماضي، الكهرباء التي يتم توليدها بالطاقة المتجددة سجلت رقما قياسيا بلغ 200 غيغاواط، وسط الركود الناجم عن الوباء، كانت الطاقة النظيفة هي الجزء الوحيد من قطاع الطاقة الذي شهد نموا في عام 2020.
قال رئيس وكالة الطاقة فاتح بيرول في كانون الثاني: «يمكننا القول إن مصادر الطاقة المتجددة كانت محصنة ضد كورونا تظهر التوقعات أن مصادر الطاقة المتجددة ستصبح أكبر مصدر لتوليد الكهرباء بحلول عام 2025، حيث ستنهي هيمنة الوقود الأحفوري التي سادت في العقود الماضية».
ويعتقد أن التكنولوجيا هي التي ستصبح في نهاية المطاف أكبر عامل تمايز.
في سباق تكنولوجيا الطاقة النظيفة، الفائز هو الصين.
تنتج الصين أكثر من 70 في المئة من جميع الألواح الشمسية الكهروضوئية في العالم، ونصف السيارات الكهربائية وثلث طاقة الرياح.
كما أنها أكبر منتج للبطاريات وتتحكم في كثير من المواد الخام الضرورية لسلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة، مثل الكوبالت والمعادن النادرة.
قال الرئيس الصيني تشي، في إعلان جاء مفاجأة للكثيرين: «يذكرنا فيروس كوفيد 19 بأن البشرية يجب أن تطلق ثورة خضراء، لم يعد بإمكان الجنس البشري تجاهل التحذيرات المتكررة من الطبيعة».
لا تزال الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم وتعتمد بشكل كبير على الفحم، الذي يوفر 58 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء.
غير أن شركاتها مستعدة لتحقيق التحول الأخضر بكفاءة.
تتحكم شركاتها في أكثر من 85 في المئة من السعة الكيميائية للكوبالت المكرر في العالم.
يكاد يكون من المستحيل صنع سيارة كهربائية دون إشراك الصين، ويتطلب التصدي لتغير المناخ تحولات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية كبيرة، تحدثها الطاقة النظيفة وأمام العالم فرصة أخيرة لتعويض عقود من الفرص الضائعة.
فإما أن نستمر في إهدار مزيد من التريليونات على نظام يقتلنا، أو ننتقل بسرعة إلى حلول الطاقة المتجددة في المستقبل تكون أقل تكلفة، وأنظف، وأكثر تطورا، والتحول إلى الطاقة النظيفة سيولد نوعا جديداً من السياسة وقد يعيد تشكيل وتموضع قوى السياسة العالمية ويمثل الطريق الأكثر أمانا في المستقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.