نتائج قمة كامب ديفيد حرج دول الخليج

أدركت دول الخليج، متأخرة، أن مفهوم “الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة” لا يعادل “اتفاقاً استراتيجياً” روجت له طويلا وأخفقت في حث الجانب الأميركي رفع سقف الشراكة إلى مستويات أرقى على الرغم من “توحيد” مصادر ترسانات السلاح الخليجية. أما الملفات الساخنة في الإقليم، إيران وسوريا واليمن، وبدرجة أقل ليبيا، فلم يفلح قادة الخليج في التأثير على الموقف الأميركي الداعي للالتزام “بالحل السلمي والتفاوضي” رغم انقضاء سنوات دامية أربعة على اعتماد الحل العسكري دون جدوى.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنّ قادة دول مجلس التعاون في يرسلون اشارات متزايدة تعبّر عن عدم رضاهم عن ادارة الرئيس الامركي باراك اوباما.
واشارت الصحيفة أنه في الوقت الذي يحاول اوباما طمأنة قادة دول الخليج في لقائه بهم بمنتجع كامب ديفيد، إلا أنّهم غاضبون من البيت الابيض خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الايراني، مبينا أنّ دول الخليج تحاول أن توحي بأنها تعتمد على نفسها بتوفير الامن إلا أنها لا تزال تعتمد على واشنطن في ذلك، مستشهدا بالعدوان السعودي الاخير على اليمن.
وختمت الصحيفة بالقول أنّ السعودية ودول الخليج لم تنجح في تحقيق شراكات مع الدول الإسلامية مثل باكستان ومصر على الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي قدّمت دعما لهذه الدول.
هذا وصدرت ردود افعال سلبية من سياسيين ومراقبين في دول مجلس التعاون حيال نتائج قمة كامب ديفيد وتصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما التي تلتها، لاسيما في موضعي ايران وسوريا.
وقال الرئيس اوباما إنّ المواجهة مع ايران ليست للأبد. وبشأن سوريا اكد أنّ الازمة لن تحلّ على الارجح قبل رحيله عن البيت الابيض مشددا على أنّ الحل العسكري ليس مطروحا حاليا.
فيما اشارت مراكز القرار السياسي الاميركي ان دول الخليج لم تلتفت إلى التحولات الاستراتيجية الأميركية في ما يخص ايران تحديداً، إذ تبين أن لدى البيت الابيض خطة معدة “لاحتواء ايران،” وبدء عهد جديد معها. قائد هيئة الاركان الاميركية السابق، مايك مولن، أوضح في مقال له في “بوليتيكو” بتاريخ 16 نيسان/ أبريل 2015، ان الاتفاق النووي المزمع “من شأنه أن يعيد التوازن للنفوذ الاميركي (في المنطقة) .. سياسة الانفراج مع إيران قد تسهم إيجاباً في موازنة جهودنا المبذولة على اتساع خارطة الانقسام الطائفي” وكأنه يقول نيابة عن الإدارة الاميركية ان حلفاءها الاقليميين عازمون على دفع واشنطن لصدام مستدام مع إيران، محذراً في الوقت نفسه من سطحية الخيار العسكري الذي “لن يوقف المسار النووي لإيران، بل يبطئ سير حركته بعض الشيء.”
السفير الأميركي الأسبق لدى الرياض، روبرت جوردان، ذكر أصدقاءه في الخليج أن “تحول السياسة الأميركية باتجاه آسيا” لا يعني بالضرورة “تخليها عنهم إبان وقوع أزمات”. وأعرب جوردان عن شكوكه وقلق أصدقائه من فعالية “بسط أميركا مظلتها الأمنية لتشمل منطقة الخليج .. الذي يعد الإنجاز الأهم لقمة (كامب ديفيد)، وربما هي قفزة بعيدة المنال.”
الرئيس أوباما لم يشأ استمرار الغموض حول سياسته الايرانية، إذ قال في ختام قمة كامب ديفيد بحضور ضيوفه الخليجيين إنه “يرحب بإيران التي من الممكن أن تلعب دوراً مسؤولاً في الإقليم .. والتي باستطاعتها اتخاذ خطوات عملية ملموسة لبناء الثقة وحل خلافاتها مع جيرانها بالسبل السلمية والامتثال للقواعد والأعراف الدولية.
استدارة الاستراتيجية الاميركية، أو إعادة توازنها كما يحلو للبعض، جاءت ثمرة جهود مراجعة مضنية داخل أوساط المؤسسة الحاكمة، كما يوحي بذلك مايك مولينز وآخرون. وخلصت المراجعة إلى ان السياسة الأميركية تعاني من مآزق ثلاثة: تداعيات الحرب غير المشروعة في العراق؛ ميثاق توفير الحماية الأمنية للملكة السعودية مقابل تدفق النفط؛ وعدم القدرة على محاسبة “إسرائيل” كما ورد في الأصل. إذ ساهمت كلها مجتمعة في الحد بشدة من النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط.
رسالة أوباما لدول الخليج وغيرها كانت قاطعة الوضوح في البعد الاستراتيجي لناحية أن بلاده تسعى لعدم امساك قوة إقليمية بمفردها زمام الهيمنة السياسية والاقتصادية أو العسكرية على باقي المنطقة. بعبارة أخرى أعرب عن جهوزية الولايات المتحدة، في مرحلة استدارتها، للعمل مع كافة القوى والأطراف لأجل تخفيض حدة التهديدات الأمنية، على الرغم من تباين مصالح القوى كافة.
لا يخفى على المرء والمراقب معا ما يضمره الرئيس اوباما من استغلال اجواء قمة كامب ديفيد لحساباته السياسية الخاصة، لا سيما بعد تمكنه من ترويض “تحفظات الخليجيين،” والتصدي لخصومه الجمهوريين بعزيمة أكبر بعد اطمئنانه لدعم دولي لجهوده، لا سيما من دول الخليج، وتعزيز فرص انتصاره التوصل لاتفاق نهائي مع إيران
وتبلور اجماع لدى معظم الاوساط والمؤسسات الأميركية الفاعلة بأن العدوان السعودي على اليمن يراوح مكانه، كما أن “الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج الاخرى لا تتوفر لديها إجابات واضحة لحسم المعركة بالقوة العسكرية.”
تتزايد مساعي مستشاري الرئيس أوباما، في هذا الشأن، للدلالة على عدم نضوج ظروف الحسم بالوسائل العسكرية، بعد انقضاء ما ينوف عن الشهر من القصف السعودي المركز؛ وأيضاً “لخشية السعودية من عدم استمرار تأييد بعض دول المجلس لمخططاتها” هناك.
وحذر بعضهم من أن اليمن يشكل “عبئاً كبيراً ليس باستطاعة السعودية تحمله، فضلاً عن عدم توفر الدعم المحلي للإدارة الأميركية” للانخراط المباشر لتعديل ميزان القوى لصالحها هناك.
الإجماع الأكبر لدى “المستشارين” والمراقبين على السواء أن محادثات مؤتمر القمة “لم تسفر عن تبلور أي تقدم حقيقي حتى في بعد المحظور من التداول”. ووصفت يومية “فورين بوليسي في عددها الصادر في 12 أيار/ مايو، المحادثات بأنها عكست “تباين مصالح دول الخليج عن المصالح الأميركية بشكل متزايد حول قضايا إيران وسوريا ..”
محصلة الأمر أن نتائج العدوان لن تسفر عن بروز طرف منتصر، بل من المستبعد أن تستطيع المملكة السعودية إخضاع اليمن لمشيئتها بعد اليوم.
صحيفة “لاكروا” الفرنسية فشل وخيبة أمل
غير أن الصحيفة أشارت إلى أن مؤشرات فشل القمة لا تأتي بسبب غياب الملك سلمان، وقادة كل من البحرين وعمان والإمارات، وإنما في البرود الأمريكي، الذي يصل لدرجة الرفض تجاه التعامل مع المقترح السعودي بعقد اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، وهو ما أكدته مجلة فورين بوليسي، حيث ذكرت أن سبب اعتذار قادة الخليج عن كامب ديفيد، هو رفض البيت الأبيض اقتراحًا من دول الخليج لصياغة معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
صحيفة لوموند الفرنسية نشرت تقريرًا لمراسلها في واشنطن “جيل باريس”، تحت عنوان “خيبة أمل خليجية تجاه واشنطن”، قال فيه: إن أوباما وجد أنه من الضروري أن يدعو دول الخليج لهذا اللقاء، بعد لحظات من إعلان الاتفاق الإطاري بين مجموعة (5+1) وإيران في 2 إبريل الماضي، لأنه يعلم تأثير هذه الاتفاق على زيادة المخاوف الخليجية بشأن أمن بلادهم.
أضاف مراسل لوموند في واشنطن أن الرئيس الأمريكي يواجه مشاعر “عدم الثقة” لدى الخليجيين، وخوفهم من انعكاس التحالفات في المنطقة، فضلًا عن سلسلة من القرارات الأمريكية، التي زادت من سخونة المشهد السياسي في دول الخليج خلال السنوات الأخيرة.
وقال إن هذه التخوفات بدأت مع موافقة واشنطن على إسقاط الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، في بداية “الربيع العربي” في عام 2011. ثم تراجع أوباما عن فكرة التدخل في سوريا، خلافًا لالتزامات واشنطن التي قطعتها على نفسها بعدم السماح بتجاوز “الخط الأحمر” باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد.
وأضاف المراسل أن من تلك العوامل أيضًا، هو رفض البيت الأبيض التدخل في القضية الفلسطينية منذ سنة 2013، وهو ما أدى إلى خيبة أمل دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار التقرير إلى مقابلة صحيفة نيويورك تايمز مع توماس فريدمان يوم 5 أبريل، والتي قال فيها إنه يمكن استعادة هذه الثقة المفقودة بشروط، كما أشار أيضًا إلى أن أوباما يعتقد أن أكبر تهديد لحلفائه الخليجيين لا يأتي من إيران، وإنما يأتي التهديد الأول- بحسب وجهة نظر أوباما- من الغضب الداخلي للشعوب الخليجية الخليجية والعربية، بسبب طريقة الحكم داخل هذه البلدان. مؤكدًا على ضرورة عدم الربط بين التعاون بين هذه الدول وبين واشنطن في ما يسمى بمكافحة الإرهاب، وبين انتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب أعمال القمع تجاه المواطنين.
واعتبرت “لوموند” أن الغياب المفاجئ للملك سلمان عن قمة كامب ديفيد له دلالات سلبية تشير لعدم ارتياح الطرف السعودي، وإن سعت السعودية والولايات المتحدة لإنكار ذلك، خاصة أنه كان من المقرر عقد لقاء خاص بين سلمان وأوباما.
وقال جون كيري “جميع الدول الاعضاء في الناتو مقتنعون بان وضع ترتيبات دفاعية اكثر وضوحا بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة سيكون اساسيا لمساعدة هذه الدول بمواجهة الارهاب”.

لكن خلف العروض الامنية الاميركية يكمن بحسب المراقبين تساؤل حول الطرف الذي تتعهد واشنطن بحماية حلفائها منه، خاصة وان الطرفين متورطان بدعم الجماعات الارهابية في بعض دول المنطقة. ما يعني ان رسائل الطمأنة الاميركية باتجاه حلفائها هي اولا واخرا لربطهم باطار يحدد العلاقة بين الطرفين ضمن ما تراه واشنطن مناسبا لمصالحها واولها المليارات التي تسعى للحصول عليها من صفقات الاسلحة.
فقد اشارت مجلة فورين افيرز الى ان تقديم الادارة الاميركية تعهدات امنية لدول مجلس التعاون عبر حلف الناتو سيتيح بيع الاسلحة الاميركية لها بشكل اسرع اضافة الى التدريبات العسكرية واسلحة اكثر تطورا.
وهنا يبرز سعي لدى واشنطن لتحقيق اولوياتها الجديدة في المنطقة. حيث تبدو بحاجة لمراعاة التوازنات الجديدة هناك لا سيما الاتفاق النووي بين ايران والدول الست وما سيغيره على الساحة الاقليمية، وسط اختلاف النظرة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة تجاهها والذي وصل الى حد اعتبار الرئيس الاميركي باراك اوباما ان الخطر الحقيقي هو من المشاكل الداخلية في هذه الدول ومنها الصراع الداخلي في السعودية بين شخصيات الحكم الجديدة والقديمة.
كلام قد يشكل اساسا اخر لواشنطن من اجل سحب الاموال من حلفائها تحت ذريعة الحفاظ على انظمتهم. ليمسي لقاء كامب ديفيد تعزيز لارتهان بعض دول مجلس التعاون للولايات المتحدة على حساب امن اقليمي كان يمكن توفيره اذا ما عولجت قضايا المنطقة على طاولة تجمع دولها دون اي تدخل خارجي.
وتعليقا على القمة الامريكية الخليجية، في كامب ديفيد بولاية ماريلاند، قالت افخم ان ايران على استعدا د للبدء في حوار مع دول مجلس التعاون الخليجي.

واوضحت افخم: “ان ايران ترى ان الحوار مع جيرانها امر ضروري وتطالب دائما بذلك”.
واضافت افخم ان “الرغبة في تصوير ايران على انها خطر وعامل عدم استقرار في المنطقة لا يعد زعما مثيرا للسخرية فقط ، بل يتناقض ايضا مع الحقيقة”.
وقالت افخم ان “أكثر ما يهدد الاستقرار والسلام في المنطقة في الوقت الراهن، هو الهجمات على اليمن والتدمير المنظم لهذه الدولة”.
واشارت افخم الى انه من الافضل لدول مجلس التعاون الخليجي، العمل من اجل محاربة الارهابيين بدلا من اطلاق المزاعم.
وانتهت قمة كامب ديفيد، الخميس الماضي، في الولايات المتحدة بين الرئيس الاميركي وزعماء دول مجلس التعاون، حيث اكد باراك اوباما، إن دول الخليج العربي تعتبر أقرب الحلفاء لواشنطن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.