نكبة 4 آب..التحقيقات القضائية معطّلة بتوقيع سياسي

موقع العهد الإخباري-

فاطمة سلامة:

صادف أمس الخميس ذكرى الرابع من آب، الذكرى السنوية الثانية لإنفجار مرفأ بيروت. صورٌ كثيرة من الأسى والحزن والدمار تختزنها ذاكرة اللبنانيين. هول الانفجار أصاب كل منزل لبناني، وليس فقط منازل ما يفوق المئتي شهيد وآلاف الجرحى. لكنّ السؤال الأساس بعد مرور عامين على ثاني أكبر انفجار في العالم: أين أصبحت التحقيقات القضائية؟. من حقّ عائلات الضحايا الوصول الى الحقيقة كاملة. من حقّهم معرفة من قتل أبناءهم ومن خلّف الآلاف جرحى ومعوّقين ومشرّدين. أضعف الإيمان أن ينتصر لهم القضاء لا أن يحجب الحقيقة عنهم. لسنا في رحاب حادثة عادية حتى نشهد ما شهدناه من المماطلة والتسويف القضائي، بل نحن أمام قضية بحجم وطن يجب أن يجتهد القضاء ليلًا ونهارًا لكشف حقيقتها وسوق المجرمين فورًا الى العدالة.

والمفارقة أنّه لدى البحث في الأسباب التي أدّت الى سلوك القضاء اللبناني وعلى مدى عامين خيار التباطؤ والتسويف، يتبيّن أنّ السياسة لطالما كانت المحرّك الأساس في هذه القضية، بمعنى أنّ القضاء تحوّل الى أداة طيّعة بيد السياسة، مع العلم أنّ أدلة دامغة كانت موجودة في حوزة المحقّق العدلي طارق البيطار وقبله المحقّق فادي صوان توصل حُكمًا الى الحقيقة، وذلك باعتراف العديد من الشهود والحقوقيين والقانونيين وأهل الخبرة في هذا المجال، لكن للأسف جرى تجاهلها. جرت التعمية على كل الحقائق، حتى أن تقرير المحققين الفرنسيين لم يُفرج عنه، والتقرير الفنّي للجيش لم يُنشر حتّى اليوم ولم تتم مصارحة الرأي العام اللبناني بأي خلاصة أو نتيجة. تحوّل القضاء للأسف في عهد البيطار الى قضاء مسيّس فيه ما فيه من ازدواجية المعايير والاستنسابية وغيرها من التجاوزات التي لا تمت للعمل القضائي بصلة، ليُقتل الضحايا مرّتين؛ مرة في الانفجار وثانية في بقاء المجرمين خارج السجن.

لو كنا أمام قاضٍ نزيه ومستقل لكنّا وصلنا إلى الحقيقة في أقل من عام

لدى سؤال الخبير القانوني المحامي الدكتور عباس دبوق عن قراءته حيال المسار القضائي الذي اتخذته التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، يشدّد على أننا لو كنا أمام قاضٍ نزيه ومستقل، لكنّا توصلنا -في أقل من عام- الى خطوات ملموسة ونتائج عملية في هذه القضية. وفق حساباته، ومنذ لحظة حصول الجريمة التي هزّت الوطن وأضرّت بكافة المواطنين معنويًا وماديًا كان يجب على السلطات بأكملها أمنية وعسكرية وقضائية الإمساك بالقضية بطريقة أكثر جدية وشفافية. كان يجب التعامل معها كقضية وطنية وبطريقة نزيهة بعيدًا عن أي أبعاد سياسية أو طائفية أو فئوية.

في البداية، يأخذ دبوق على السلطة القضائية إحالة ملف انفجار المرفأ الى القضاء العدلي. برأيه، هنا بدأ الخطأ فهناك قيود عديدة على هذا القضاء ومحاذير يتحرّك من خلالها أوصلتنا الى ما وصلت اليه الأمور اليوم. أوصلتنا الى أن يتحكّم بالملف محقّق عدلي يقوم بعمله وفقًا لمنهجية رسمها لنفسه أو رُسمت له تقوم على التسييس واعتماد المعايير المزدوجة في التحقيق والاستدعاء والادعاء. وفق دبوق، أداء البيطار بيّن كيف تعمّد الانتقائية في الملاحقة، فهناك الكثير من الأشخاص كانت تُثار حولهم الشبهات لم يستدعهم وكان يجب أن يدّعي عليهم جنّبهم الادعاء، وحوّله الى آخرين لا تثار حولهم علامات استفهام.

برأي دبوق، في ملف الباخرة، توجّه البيطار بالادعاء على أشخاص ليسوا من الفاعلين الأساسيين. صحيح أنّ هؤلاء الأشخاص قد يكون لديهم مسؤوليات ومخالفات إدارية لكن كان يجب أن تتم مساءلتهم عليها وفقًا للقوانين لا أن يساءلوا كفاعلين أساسيين في الجريمة، مع العلم أنّ الفاعلين الأساسيين الذين كان لا بد من ملاحقتهم قضائيًا والذين كانت لهم اليد الطولى ببقاء السفينة وبحدوث ما حدث لم يلاحقوا ولم يتم استدعاؤهم.

وفي معرض حديثه، يُشدّد دبوق على أنّه لو أراد القضاء فعلًا اعتماد حل معين لتحقيقات المرفأ -يقوم على إحقاق العدالة وإيصال الناس الى حقوقها- كان يجب أن يبتعد عن كل الأساليب التي اتبعها. كان عليه أن يرسم لنفسه طريقًا شفافًا نزيهًا متزنًا قائمًا على تحقيقات وفقًا للقوانين والمعايير القانونية التي تنص عليها الأحكام الدستورية والقانونية في لبنان.

لم يعمل القضاء بطريقة توصلنا الى العدالة

وفق حسابات دبوق، عمل القضاء كل شيء لكنّه لم يعمل بطريقة توصلنا الى العدالة.

طيلة العامين عمل القضاء بطريقة سياسية وكأنّ المقصود أن يتشفّى من فريق ويغض الطرف عن فريق آخر، علمًا أن هذه القضية واذا أراد القاضي أن يُحق الحق فيها لا يجب أن يعتمد الطريقة الحالية في العمل. عليه أن يعمل وفقًا لما يُمليه عليه ضميره المهني والقضائي ويذهب بالقضية وفقًا للنصوص القانونية. لا يجوز له تجاوز صلاحياته والإصرار على استدعاء نواب ووزراء من جانب سياسي واحد ضاربًا عرض الحائط بالنصوص القانونية الدستورية التي تقول إن الرؤساء والوزراء يحاكمون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

يسأل دبوق: في ظل أداء من هذا النوع للمحقّق العدلي كيف ستستقيم الأمور ونصل الى الحقيقة؟. للأسف، أداء البيطار الخاطئ أثار الارتياب لدى الآخرين الذين رفضوا المثول أمامه، على اعتبار أنه يتعدّى عليهم وعلى حقوقهم لأنّ القضاء يجب أن يؤمّن طمأنينة للمدعى عليهم، يجب أن يشعرهم أنهم أمام محقّق نزيه وعادل وشفّاف يبتعد عن كل المحسوبيات والتشفّي والارتياب. إلا أنّ الأداء المشكوك بأمره للبيطار جعل المدعى عليهم يحاربونه خشية من أن يقوم بالانتقام منهم لأنّ كل إجراء يتخذه مبرم ولا يحق للمتضررين الطعن فيه، وهذا بحد ذاته مشكلة متوفّرة في القضاء العدلي، لأنّه يسلب المتضرّرين حق الاستئناف.

وهنا يشير المتحدّث الى أنّ هدف الإحالة الى القضاء العدلي كانت أن يتفرّغ القاضي للقضية لتسريع الملاحقات في التحقيق وإحالة المتهمين الى المحاكمة بشكل عادل وسريع. هذا الهدف لم يحقّق الغاية منه، حيث جرى إيقاف متهمين على ذمّة التحقيق لمدة عامين، وكان أن أُدخل الملف في الزواريب السياسية والمحسوبيات. وفق دبوق، كنا أمام قاضٍ عدلي أدخل القضاء ضمن المحسوبيات السياسية لخدمة أجندة معينة مشكوك بها، بدل أن يتمسك بصلاحياته لتكون في خدمة العدالة لا السياسة.

التحقيق معطّل لحين الفرج في السياسة

اليوم يد البيطار مكفوفة الى أجل غير مسمى -يقول دبوق- الذي يشير الى أنّ الدعاوى التي صدرت بحقّ البيطار أحيلت الى محكمة التمييز والأخيرة معطّلة لأن أحد أعضائها أحيل إلى التقاعد ولم يعيّن عنه بديل، وبالتالي فالتحقيق في قضيّة إنفجار المرفأ معطّل لحين الفرج في السياسة، يختم دبوق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.