وسائل التواصل الإجتماعي.. لغم للمراهقين على الأهل تفكيكه

موقع العهد الإخباري-

د. هاني حيدر*:

تلعب الأسرة دورًا أساسيًا في عملية التربية لما تشكله من بيئة حاضنة للطفل وراعية له منذ نعومة أظفاره، حيث تتشكل شخصيته وتنمو في وسط أسري ينقل له قيم الأسرة وعاداتها ونمط حياتها. ويقوم الأهل برعاية أولادهم والإهتمام بهم ومرافقتهم منذ مرحلة الطفولة مرورًا بمرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب. وهي كلها مراحل مهمة في حياة الفرد وفي تكوين شخصيته وفي تشكيل وعيه الاجتماعي. غير أن مرحلة المراهقة من 12 إلى 18 سنة هي الأكثر خطورة عليه وعلى مستقبله من الناحيتين التربوية والتعليمية لما تتميز به من تحولات وتغيرات جسدية ونفسية وفكرية واجتماعية.

وحيث إن المراهق يميل إلى الاستقلالية والتمرد على قرارات الأهل لذلك فإن طريقة معاملة الأهل له في هذه المرحلة تلعب دورًا مهمًا في التقرب منه وتجنب نفوره وتمرده. ونظرًا لحساسية هذه المرحلة فإن الخلافات الأسرية وحالات الطلاق واليتم تؤدي غالبًا الى انحراف الأبناء سلوكيًا خصوصًا في مرحلة المراهقة لأن الولد لم يصل بعد الى مستوى من الوعي والنضج في شخصيته ومستوى تفكيره يسمح له بالتمييز بين ما ينفعه وما يضره فينغمس في مغامرات ومتاهات يمكن أن تحرفه عن طريق الصواب كالعلاقات غير الشرعية أو تعاطي المخدرات أو الانتماء إلى عصابات السرقة والجريمة.

من هنا فإن مسؤولية الأهل تصبح أكبر في مرحلة المراهقة حتى في الحالات العادية خصوصًا تلك التي يمكن أن ينشغل الأهل فيها عن أولادهم بالعمل والتقدم المهني، مما يترك للأولاد مساحة واسعة من وقت الفراغ والحرية تسمح لهم بالانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي وعالم الإنترنت، وهو ما يترك لهم الأبواب مشرعة على مختلف المجالات الحياتية من جنسية وفكرية واجتماعية وذلك من خلال الواتساب والفايسبوك والإنستغرام بالاضافة الى اليوتيوب وما يقدمه من برامج وأفلام. كل ذلك يجعل المراهق يعيش في جزيرة يصعب على الأهل الدخول إليها واختراقها ما يؤدي إلى عزل الأولاد عن أهلهم. إن هذا الأمر يؤدي الى ضعف الحياة الاجتماعية داخل الاسرة وتراجع العلاقات الوجدانية بين أفرادها بسبب استغراق أبنائها في عوالم افتراضية مختلفة وانخفاض روح المحبة والتعاون فيما بينهم، وهو ما يخلق حالة من الجفاء يمكن أن تترك آثارًا سلبية على الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.

من هنا فإن على الأهل العمل على تفعيل العلاقات الأسرية من خلال:

-استغلال جلوس أفراد الأسرة سوية عند وقت الطعام من أجل ملاطفة الأهل لأبنائهم والاطمئنان على أحوالهم.
ـ زيارة الأهل والأبناء الأقارب والأصدقاء ما يقوي من حضور الأبناء وتفاعلهم الاجتماعي.
ـ قيام الأسرة برحلات ترفيهية تزيد من المودة والتعاون بين أفرادها.
ـ مرافقة الأبناء لآبائهم والخروج معهم من وقت لآخر لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع.
ـ اشتراك الأبناء بالنوادي الرياضية والجمعيات الكشفية والمشاغل الفنية ما يكسبهم مهارات حركية وتنظيمية واجتماعية.
ـ قيام الأبناء بعمل مهني في العطلة الصيفية يكسب المراهقين مهارة التعامل مع الاخرين ويزيد من شعورهم بالمسؤولية.

إن كل ذلك يجب أن يكون مسبوقا بالتنسيق والمشاركة في القرار كي لا يشعر الأبناء بنوع من الفرض والإجبار بالقيام بهذه الأنشطة لأن ذلك يستفز مشاعرهم ويدفعهم الى الاعتراض والتمرد، بينما يشعرون من خلال المشاركة في صنع القرار بأن لهم رأيا محترما ومكانة معتبرة، وهو ما يزيد من اعتزازهم بأنفسهم ومن تقديرهم لأهلهم نظرا لاحترام هؤلاء لرغبة أبنائهم التي تشكل دافعا أساسيا لمشاركتهم في هذه الانشطة وممارستها.

القيام بهذه الأعمال يزيد من فعالية التفاعل بين الأهل والأبناء ويقوي العلاقة فيما بينهم من جهة ويخرج الأبناء من عالمهم الافتراضي الى عالم أكثر واقعية من جهة ثانية مما يزيد من وعيهم ونضجهم الاجتماعي.

*أستاذ علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.