آسيا الوسطى: الخاصرة الرخوة للمشروع الأوراسي؟

موقع قناة الميادين-

إبراهيم علوش:

تصبّ كلّ اللقاءات التي شارك فيها بوتين في الآونة الأخيرة في خانة التوجه الأوراسي، وفي تثبيت الحضور الروسي في آسيا الوسطى كحلقة جيو-استراتيجية وجيو-اقتصادية مركزية للربط بين روسيا والصين.

يواظب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المشاركة شخصياً في اللقاءات والقمم مع رؤساء الدول وزعمائها على الرغم من مشاغل الحرب الأوكرانية الميدانية وغيرها، لإثبات حضور روسيا إعلامياً، وتعزيز تحالفاتها وصلاتها إقليمياً ودولياً في مواجهة سعي الغرب لعزلها وتهميشها.

كان من الأمثلة البارزة على ذلك في الأشهر الفائتة، مثلاً لا حصراً، مشاركة الرئيس بوتين في القمة السنوية لمنظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند – أوزبكستان في أيلول/سبتمبر الفائت، ومشاركته في المجلس الرئاسي لرابطة الدول المستقلة وقمة روسيا-آسيا الوسطى في أستانة – كازاخستان في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، ومشاركته في قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في يريفان – أرمينيا في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، ومشاركته في التاسع من الشهر الجاري في لقاء المجلس الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في بشكيك – قرغيزستان.

تصبّ كلّ تلك اللقاءات في خانة التوجه الأوراسي، وفي تثبيت الحضور الروسي في آسيا الوسطى كحلقة جيو-استراتيجية وجيو-اقتصادية مركزية للربط بين روسيا والصين، وبالتالي الربط، على نطاق أوسع، بين أوروبا وآسيا، فهي لب المشروع الأوراسي، وهي حلقة تسعى الصين في الآونة الأخيرة إلى زيادة حضورها فيها اقتصادياً واستثمارياً، فيما تسعى موسكو لتعزيز صلاتها معها سياسياً وعسكرياً، ولا سيما على خلفية حرب أوكرانيا وتداعياتها التي فرضت على روسيا فرضاً خيار النظر شرقاً.

في المقابل، تعمد الرئيس الروسي التغيب الشهر الفائت عن قمة مجموعة العشرين في بالي – إندونيسيا، وحضر عوضاً عنه رأس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف، وهو شخصية بارزة ومتميزة في السياسة الدولية.

وكان سبب تغيب بوتين على الأرجح هو عدم إحراج المضيف الإندونيسي والدول التي تقف في المنطقة الرمادية، في ضوء حرص الغرب على التصعيد إعلامياً وسياسياً، والصدام الذي سيستجلبه ذلك معه شخصياً، والثقل الوازن للغرب الجماعي في مجموعة العشرين، مع وجود أقطابه كافةً، زائد اليابان والاتحاد الأوروبي (بصفة مستقلة)، ضمن إطار المجموعة.

المهم أنَّ غياب بوتين عن لقاء مجموعة العشرين، حرصاً على عدم تبديد رصيد روسيا إعلامياً وسياسياً في معركة غير محسوبة كما يبدو، ربما أفسح المجال كي يطل ظلّه بصورةٍ أوسع في قاعة العشرين المجتمعين في بالي، فكان بذلك حاضراً غائباً.

“الممر الأوسط” أو الممر العابر لبحر قزوين
يحاول الغرب طبعاً التسلّل إلى آسيا الوسطى والتمدد في أرجائها منذ سنوات. وبحسب جوزيب بوريل، ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فإنَّ 42% من الاستثمار الأجنبي المباشر في دول آسيا الوسطى أوروبي، تليه الاستثمارات الأميركية بنسبة 14.2%، ثم الاستثمارات الروسية بنسبة 6%، فالصينية بنسبة 3.7%.

جاء ذلك في مقالة لجوزيب بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بعنوان “أهمية آسيا الوسطى المتزايدة للعالم وللاتحاد الأوروبي”، نُشرت في موقع الاتحاد الأوروبي في 20/11/2022، على خلفية مشاركته في اجتماع وزراء خارجية آسيا الوسطى مع الاتحاد الأوروبي في سمرقند – أوزبكستان في 17/11/2022، الذي تلا الاجتماع الأول لرؤساء دول آسيا الوسطى مع الاتحاد الأوروبي، ممثَلاً بشارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، في أستانة – كازاخستان في 27/10/2022، وهما اجتماعان أجريا بعد لقاءي منظمة شنغهاي للتعاون ورابطة الدول المستقلة في سمرقند وأستانة مباشرةً، فالقول إن الغرب يحاول اختراق آسيا الوسطى لا يأتي عبثاً.

وأضاف جوزيب بوريل في مقالته: “علينا تعميق علاقاتنا مع المنطقة والاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تستطيع أن تقدمها من حيث إمدادات الطاقة والمواد الخام الأساسية وممرات النقل الجديدة التي لا تعتمد على روسيا (وصولاً إلى ما يسمى “الممر الأوسط” أو الممر العابر لبحر قزوين)”.

ولم تتضمَّن مقالة بوريل شرحاً إضافياً عن أهمية آسيا الوسطى في تشييد مثل هذا الممر الذي يتجاوز روسيا (أشار إليه بين قوسين فحسب)، باستثناء خريطة كبيرة له في قلب مقالته. كان ذلك لافتاً بالنظر إلى أنَّ هذا المشروع تركي بحسب علمي.

لذلك، جاء تبنّيه علناً من طرف بوريل في موقع الاتحاد الأوروبي الرسمي مثيراً للتساؤلات، ولا سيما في ضوء سعي روسيا لتحويل تركيا إلى مركز لتوزيع الغاز الروسي على أوروبا، وما يفترض أن يحدثه ذلك من تناقض بين تركيا والاتحاد الأوروبي الساعي لإخراج روسيا من كل معادلات خطوط التجارة والطاقة. يُذكر أنَّ إردوغان عقد أول من أمس لقاءً مباشراً في إسطنبول مع ألكسي ميلر، المدير التنفيذي لشركة “غازبروم” الروسية، لمناقشة الموضوع.

لكننا نجد في موقع الخارجية التركية الرسمي، تحت مدخل “مبادرة ممر شرق-غرب الأوسط العابر لبحر قزوين”، أن ذلك “الممر الأوسط” يبدأ من تركيا، ويمر من القوقاز، عبر جورجيا وأذربيجان، ليعبر بحر قزوين، ويجتاز آسيا الوسطى، ويصل إلى الصين، وأنه سيتكوّن من سكك حديد وطرق تعبر من جورجيا، المتاخمة لتركيا، إلى أذربيجان، ومن ثم عبر بحر قزوين، وصولاً إلى الصين، إما عبر كازاخستان وإما عبر تركمانستان، ثم أوزبكستان، ثم قرغيزستان.

يوضح موقع الخارجية التركية أن ذلك “الممر الأوسط”، عندما يشيّد، سوف يحيد “الممر الشمالي” الذي يأخذ البضائع بين الصين وأوروبا عبر سيبيريا وروسيا وأوروبا الشرقية، وسيحيّد أيضاً الخط البحري بين أوروبا والصين (أي قناة السويس)، الذي تمر عبره أغلب تلك التجارة على أيِّ حال. ويدور الحديث هنا عن نحو 600 مليار دولار من التجارة سنوياً بين الصين وأوروبا طبعاً.

ينوّرنا موقع الخارجية التركية بأنَّ مذكرة تعاون مشترك بين وزراء نقل “مجلس الدول التركية” جرى توقيعها عام 2016 لتنفيذ هذا المشروع، وأنَّ مجلس تنسيق على مستوى نواب وزراء النقل والمواصلات في “مجلس الدول التركية” جرى تأسيسه لتذليل العقبات العملية التي قد تعترضه.

المفهوم الأوراسي تركياً وثمن إهمال آسيا الوسطى
ويبدو أنه مشروع وضِع طيّ الأدراج منذ سنوات، وحان وقت نبشه من جديد، بدعمٍ من الاتحاد الأوروبي، إذ إن المفهوم الأوراسي تركياً يعني أحد أمرين: إما الابتعاد عن الغرب وحلف الأطلسي والتعاون مع روسيا والصين وإيران، وفي تركيا أنصار لمثل هذا الاتجاه، وإما أن هناك من يحاول الإيحاء بذلك على الأقل، وإما اختراق الدول التركية في آسيا الوسطى (المجلس التركي نموذجاً) من أجل إعادة إحياء المشروع الطوراني.

من الواضح أنَّ النظام التركي عمل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، منذ تورغوت أوزال، على الخط الثاني. أما إردوغان، فهو يلعب على كل الخطوط من دون أن يقطع مع الغرب، كي يمرر المشروع الطوراني في النهاية من تحت أنف روسيا، وبدعمٍ بات معلناً من الغرب، وهو اختراقٌ من الممكن أن يفكك المشروع الأوراسي تماماً في حال حدوثه.

لا شكّ في أن روسيا والصين، في سعيهما خلال السنوات الفائتة لبناء الجسور مع الغرب، قصّرتا بحق آسيا الوسطى ودولها الغنية بالموارد والمهمة بالموقع الجيوسياسي والفقيرة بالبنية التحتية والاستثمارات، ما أفسح مجالاً للاختراق الغربي والتركي، وهو تقصير انعكس في الآونة الأخيرة في سجال دار بين رئيس طاجيكستان إيمامولي رخمون والرئيس بوتين في قمة رابطة الدول المستقلة في أستانة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، كما ظهر في فيديو مسرب للقاء مدته 7 دقائق، طالب فيه رخمونُ بوتينَ بـ”الاحترام والاستثمارات”.

ولو وجهت روسيا جزءاً من أصولها المصادرة في الغرب، ومن استثماراتها في خطوط النفط والغاز الموقوفة أو المنسوفة في أوروبا، نحو آسيا الوسطى، المهيأة أصلاً للتقارب معها منذ العهد السوفياتي، لوفرت على نفسها كثيراً من العناء الذي بات عليها أن تبذله في صد الاختراقات المعادية والملتبسة هناك في عز المعركة الكبرى التي تخوضها في أوكرانيا اليوم.

يُشار طبعاً إلى أنَّ طاجيكستان، من بين دول آسيا الوسطى، ليست تركية، وأنها من الشعوب الإيرانية التي كانت تحكم آسيا الوسطى قبل التمدد التركي في تلك المنطقة قبل ألف عام، فالطاجيك من أفغانستان إلى طاجيكستان فرس فعلياً. ولعل هذا أحد الأسباب التي تجعلنا لا نرى اسم طاجيكستان في قائمة الدول التي يمر عبرها “الممر الأوسط” العابر لبحر قزوين، بحسب موقع الخارجية التركية.

أما تشييد ذلك “الممر الأوسط” عبر كازاخستان الكبيرة، التي تقع بين بحر قزوين والصين، أو إلى الجنوب منها عبر تركمانستان، ثم أوزبكستان، ثم قرغيزستان، وصولاً إلى الصين، فسببه أن الحضور الروسي في كازاخستان أكبر بكثير من حضوره في بقية دول آسيا الوسطى.

لم يتأخر الوقت طبعاً لتعويض التقصير الروسي والصيني في آسيا الوسطى، ولا مفر من تعويضه، بالنظر إلى أهمية تلك المنطقة في نشوء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب. يشار إلى أنّ معظم دول آسيا الوسطى لم يتجاوب مع الدعوة القومية الطورانية في البداية، فحاول نظام إردوغان استقطابها من خلال زيادة الاستثمارات والبرامج التعليمية والمنح الجامعية في تركيا، ما أحدث أثراً اجتماعياً ما برح يتسلل إلى آسيا الوسطى.

يُذكر أنَّ تركمانستان مثلاً لم تنضمّ إلى منظمة الدول التركية حتى أصبحت عضواً مراقباً فيها عام 2021، وهي عضو مراقب فحسب في رابطة الدول المستقلة منذ عام 2005. أما هنغاريا (المجر)، فهي عضو مراقبٌ في منظمة الدول التركية منذ عام 2018.

أذربيجان: أصعب حلقة تركية وصهيونية في آسيا الوسطى
تحقّق الاختراق الحقيقي تركياً في أذربيجان التي باتت تعد علامة فارقة في آسيا الوسطى، إذ أصبح حليفاها الأساسيان تركيا والكيان الصهيوني. يُشار إلى أنَّ أذربيجان قررت فتح سفارة لها في “تل أبيب” الشهر الفائت، وأنَّها تصدر النفط إلى الكيان، وتتلقى منه الأسلحة منذ سنوات، وأنها دخلت لعبةً جيوسياسية خطرة ضد إيران بدعمٍ تركيٍ وصهيونيٍ على صعيدين:

أ – قطع طريق الخط الهندي-الإيراني المتجه شمالاً إلى روسيا تجارياً، وهو أحد أهم أسباب دعم الهند وإيران لأرمينيا في مواجهة أذربيجان.

ب – اللعب على وتر الأقلية الأذرية في مقاطعات أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية وأردبيل ضمن مشروع تحريك القلاقل الداخلية في إيران (ردد إردوغان خلال زيارة إلى باكو، عاصمة أذربيجان، قبل عامين، قصيدة للشاعر بختيار فهابدزاده، رثى فيها انقسام الأذريين عبر نهر أراس بين أذربيجان وإيران).

يُشار طبعاً إلى أن الأذريين من الشعوب الإيرانية القديمة في المنطقة التي جرى تتريكها، تماماً كما يجري تتريك بعض العرب عقلياً اليوم من البوابة العثمانية. ولن ندخل في أصول الأذريين العرقية في التاريخ القديم، إنما تكفي الإشارة إلى أنهم ليسوا مهمشين في إيران، بدلالة أن الإمام الخامنئي أذري!

يُشار أيضاً إلى أن 85% من مسلمي أذربيجان شيعة، لكنّ الانتماء الطوراني غلب… إنَّ منطقة نقشيفان الأذربيجانية، الواقعة بين إيران وأرمينيا حصرياً، والمنفصلة عن بقية أذربيجان، كانت تاريخياً ساحة صراع بين الفرس والأرمن والمغول والأتراك. وقد بقيت منذ القرن الـ16 حتى القرن الـ19 تحت حكم فارس التي خسرتها لروسيا القيصريّة عام 1828م، وهي الآن موطئ القدم الذي تدور المفاوضات حول ربطه شرقاً أذربيجان عبر أرمينيا، ليشكل خط اعتراض للتواصل الإيراني شمالاً مع روسيا.

وتعتبر إيران أن أذربيجان هي التي انفصلت عنها ضمن صراعٍ مع روسيا القيصرية، لا العكس، وهو ما يفسر الدعم الإيراني المبدئي لمطالبة أذربيجان بمنطقة ناغورنو كاراباخ، من دون دعم النظام الأذربيجاني ومشاريعه.

كانت أصابع تركيا والغرب والكيان الصهيوني تلعب في آسيا الوسطى إذاً، فيما روسيا والصين منشغلتان في الغرب، وهو خلل لا بد من تصحيحه، إذ إنَّ نشوء عالم متعدد الأقطاب هو من مصلحة الأمة العربية وكل أمم شرق الكرة الأرضية وجنوبها، وهو مشروع لا بدَّ من أن ندعم روسيا والصين فيه، من دون أن يعني ذلك بالضرورة الموافقة على كل سياساتهما ومواقفهما في كل المسائل.

وما سبق عن سعي روسيا الحثيث لتعزيز وجودها في آسيا الوسطى لا يلغي وجود إشكالات نتيجة تفاقم التغلغل التركي والغربي في أذربيجان وغيرها. وخلال انعقاد قمة معاهدة الأمن الجماعي الشهر الفائت مثلاً في يريفان – أرمينيا، حدث احتكاكٌ بين الرئيس الأرمني نيكول باشنيان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالمعاهدة تشبه حلف الناتو بالنسبة إلى رابطة الدول المستقلة، ما يعني أن الاعتداء على أي عضوٍ فيها يعني الاعتداء على بقية الأعضاء، ولكنّ الاعتداء على أرمينيا من طرف أذربيجان لم يقابل بردٍّ من المنظمة!

يُذكر أنَّ أذربيجان انسحبت من منظمة معاهدة الأمن الجماعي عام 1999، لكنها لم تنسحب من رابطة الدول المستقلة التي خلفت الاتحاد السوفياتي السابق. هذا الأمر خلق وضعاً فردياً تنشب فيه حربٌ بين دولتين عضوين في رابطة الدول المستقلة، إحداهما أرمينيا، وهي عضو في ذراعه العسكرية والأمنية (معاهدة الأمن الجماعي) أيضاً.

وسبق أن حاول بوتين عقد لقاءات بين نيكول باشنيان وإلهام علييف، الرئيس الأذري، في محاولة لحل الإشكالات بين الدولتين. ومن المؤكّد أنّه ليس من المطلوب أن تفتح روسيا جبهة أخرى في القوقاز لاستنزاف قواها، لكن الأمور لم تكن لتصل إلى هذا الحد لولا ترك التغلغل التركي والصهيوني يتمادى في أذربيجان، ولولا التقصير في الاهتمام بالمنطقة، وهنا موطن الخلل.

كان مستغرباً أيضاً تجدد النزاع الحدودي بين طاجيكستان وقرغيزستان بالضبط عشية انعقاد منظمة شنغهاي للتعاون منتصف أيلول/سبتمبر الفائت، وكلا الدولتين عضوٌ في تلك المنظمة وفي رابطة الدول المستقلة ومعاهدة الأمن الجماعي.

والعبرة أن الأمور ليست تحت السيطرة تماماً في آسيا الوسطى، وهذا خطر جداً بالنسبة إلى المشروع الأوراسي ومشروع “الحزام والطريق” ومشروع التعددية القطبية، إذ لا يمكن أن تمضي مثل هذه المشاريع قدماً وآسيا الوسطى خاصرة رخوة لروسيا والصين.

بصيص أمل
يستمر المسعى الروسي، على الرغم من كل ما سبق، لتأسيس بنية تحتية وطيدة عبر الأطر الأوراسية التي تعمل روسيا من خلالها. وقد أكَّد الرئيس الروسي بوتين في المجلس الأعلى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزستان وكازاخستان (أكبر دول آسيا الوسطى مساحةً واقتصاداً، فيما أوزبكستان أكبر دول آسيا الوسطى عدداً تتمتع بصفة مراقب)، أن الاتحاد في طور الانتقال من التجارة الحرة في السلع إلى التجارة الحرة في الخدمات، وهو ما جرى إقراره في الوثائق النهائية للقاء.

هذا الأمر مهمٌ جداً للتحرر من سيطرة المنظومة المالية الغربية وخلق نوافذ للدول المحاصرة كافةً. يُضاف إلى ذلك التوجه إلى التبادل بالعملات المحلية، وإنشاء بنية تحتية مستقلة لتحويل الأموال والمعلومات المالية والمصرفية، وتأسيس آلية متخصصة لتمويل المشروعات في منطقة الاتحاد الأوراسي، ولعلَّه ينتقل إلى التأمين والخدمات المالية والمصرفية عموماً.

باختصار، تعمل روسيا حالياً على تطوير العلاقات مع دول آسيا الوسطى، وعلى توسيع الأطر الأوراسية وإطاري منظمة شنغهاي للتعاون والبريكس، والاستحقاق الكبير الآن هو بلورة منظومة مالية ومصرفية دولية بديلة خارجة عن سيطرة الغرب، وهي منظومة لا غنى عنها لنشوء اقتصاد عالمي بديل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.